«سحب الجن وصرف الشيطان» أبرز اختصاصاتهم

02-08-2010

«سحب الجن وصرف الشيطان» أبرز اختصاصاتهم

اللجوء إلى المشعوذين وقارئي الطالع ظاهرةٌ باتت تأسر أكثر فأكثر الناس في المجتمع السوري بمختلف شرائحه، حتى لايخلو يوم تقريباً من خبر هنا أو قصة هناك عن ضحايا جدد. فمعرفة المستقبل وإدراك الغيب.. أسرار بدأت تعشش في مخيلة الناس منذ زمن. وعلى الرغم من تغير أسلوب ومظهر مدّعي معرفة الغيب، إلا أنَّ الطابع اللافت هو أجواء الغموض والانفصال عن الواقع في لحظة تمثيلية يدعي فيها «الوسيط» أنه يخاطب أرواحاً مخفية يطلب منها المشورة والرأي السديد.
ومن أسف، لا تزال هذه الظاهرة منتشرة، على الرغم من حرص الناس على إخفاء هوسهم بها.. إلا أنَّ استمرار الإقبال على الدجالين ودفع أموال كثيرة لهم يغذي هذه الظاهرة ويطيل عمرها.

  بعيداً عن العين
«غرفة التصريف»، حيث تجلس الحاجة أم هيثم على الأرض -وهي امرأة في أواخر الأربعينات- لتكون أقرب من العالم السفلي، مستقبلة زبائنها الواحد تلو الآخر، مع العلم بأنَّ موعد انتهاء الاستقبال هو الساعة الـ12 ظهراً؛ ما يجعل الناس يتهافتون من الصباح الباكر كيلا يفوتهم موعد الدخول. وهناك تبدأ طقوس «صرف الجن والشياطين»، حيث ترش الملح على الزبونة، وتتمتم بعض الآيات، طالبة من الملاك الخاص بها (على حد قولها) صرف الأذى والجن من جسم الزبونة، التي بدورها قالت: «إنها تشارك في الطقوس بأن تشير لأم هيثم بغمزة من عينها إشارة إلى خروج الأذى أو بقائه، لأنها ستشعر بتخدير في أنحاء جسمها. وهذا ما يخيّل إلى الزبونة، التي تحرك يديها وقدميها بطلب من الحاجة أم هيثم؛ ما يوحي بأنَّ العمل الشيطاني يخرج من جسمها، إضافة إلى استلامها بعض الأوراق كتب عليها «طرق صرف الجن وجلب الحظ»، لتكمل الطقوس في المنزل بعيداً عن العين كيلا يبطل العمل.
بعد طول انتظار، أدخلتني «أم هيثم» إلى عالمها الخاص، باعتباري أنا الأخرى زبونة، فسألتها عن عملها، وأجابت: «أعمل منذ وقت طويل.. أقرأ الطالع، وأشفي المريض، وأزوج العانس». وعن المصدر تقول: «إنه نور من الله وبصيرة جاءتني من كثرة العبادة وتلاوة القرآن، وهناك أسرار لا أستطيع الكشف عنها». ورفضت كشف إظهار دلائل على قدرتها الخارقة، معتبرة ذلك «إهانة».

وهن.. اكتئاب.. تردي أحوال..
 عندما لا يستطيع البعض إيجاد حلول لمشاكله، يجرّب كلّ الوسائل المتاحة. وقد تضيع جهوده سدى. والإنسان بطبعه عنيد، تجده يبحث عن أيّ حلّ ممكن حتى لو كان عند المشعوذين؛ تقول ياسمين: «بلغت 33 سنة ولم أتزوج. وكلما تقدّم أحدهم لي يفشل الارتباط، فألحّت أمي أن نذهب إلى الحاجة أم هيثم، التي أخبرتني أنَّ إحدى قريباتي قامت بعمل سحر يمنعني من الزواج. وبالفعل قامت بعمل تعاويذ ظهر بعدها السحر ملفوفاً في قطعة قماش مهترئة. ورفضت أن تخبرني باسم قريبتي، التي عملت لي السحر.. تركتها وأنا أعتقد أنه مجرد كلام، لكن بعد شهر واحد تقدَّم أحدهم إلى خطبتي وهو زوجي الحالي. ولا أعلم أكان ذلك بسبب الحاجة أم هيثم أم لا؟!.. ومع ذلك أتردّد إليها لأستشيرها في بعض الأمور».
 يبدو أنَّ المشاكل العاطفية هي السباقة في دوافع الذهاب إلى السحرة والمشعوذين. وإذا كانت ياسمين لم تتوقف عن اللجوء إلي الشعوذة حتى بعد زواجها، إلا أنَّ أيهم (25 عاماً) لم يتوقف حتى تزوجت حبيبته شخصاً آخر.. تحدَّث عن قصته، فقال: «لا أدري كيف تورطت في الأمر، لكنني أحببتها.. كانت جارتي، وزميلتي في الدراسة. ولأني لم أتحمل كتمان عاطفتي صارحتها، فردّت بأنها لا تشعر نحوي إلا بمشاعر الأخوة والصداقة.. فقررت أن أحادثها مرة أخرى بعد عدة شهور، فجاءني نفس الرد. وشاء القدر أن تعرفت إلى شخص مهتم بالسحر والدجل فأخبرته بمشكلتي، فساعدني وأعطاني ورقة وطلب مني أن أحفر حفرة وأضعها أمام باب منزلها. وبالفعل فعلت ذلك ليلاً. كما أعطاني بعض الكلمات أردّدها. والتقيتها بعد ذلك وقابلتني بعبارات جميلة، لكن سرعان ما عادت مشاعرها كما كانت، فعدت إليه وأعطاني ورقة أخرى فيها تعاويذ جديدة، لكنها فشلت هذه المرة، وذهبت إلى غيره دون فائدة، وأنفقت نقودا كثيرة بلا طائل، حتى استيقظت ذات يوم على خبر زواجها، وتوقفت مذ وقتها عن الذهاب إلى السحرة والدجالين».
أما «س-ع» فله قصة مريرة مع الدجالين؛ يقول: «كنت سعيداً مع زوجتي، وعشنا 5 سنوات دون مشاكل، إلى أن بدأت زوجتي تكرهني بشدة، وتطوّر الأمر إلى أن طلبت الطلاق وأصرَّت عليه دون سبب يُذكر، فأخبرني أحد الأصدقاء بأنه ربما قام أحدهم بعمل سحر ليفرق بيننا. وذهبت إلى أحد السحرة، فقال لي هناك سحر، لكنه لا يستطيع فكه بسهولة. وبقيت أتردّد إليه مدة شهر، وفي كل مرة أعطيه النقود ولكن بلا فائدة. وذهبت لسحرة غيره ولم ينجح الأمر، ومازلت أبحث لإيجاد من يفك السحر لأسترجع زوجتي».

تتعدّد الأساليب والشيطان واحد..
«سحب الجن، صرف الشيطان».. جملة يردّدها السحرة والمشعوذون عند أجساد غائبة عن الواقع. وهنا الشيطان يرتعد خوفاً من «المشعوذ الجبار»، فيتلاشى.. ولكن لا ينسى أبداً أن يسحب أموال ضحاياه!.. وهو، في كل مكان وزمان، يظهر بأشكال وملامح متعددة، ولكن أخطرها وأكثرها خبثاً: المشعوذ.
وعن الاستثمار في عالم الشعوذة «حدّث ولاحرج»؛ حيث تجد نوعين بارزين: الأول يتفنّن في اصطياد فرائسه الضعيفة التي تدفع ثمناً باهظاً مادياً أو جسدياً، كما هو الحال مع العديد من النساء اللواتي وقعن ضحية دجالين استطاعوا سلبهن أموالهن والاعتداء عليهن ومن ثم ابتزازهن. والآخر مستثمر من دون ممول لتجارته، يكتفي بقراءة الطالع والكف أو قراءة الفنجان. والأكثر استفادة من هذه الممارسات فئةٌ من التجار العطارين والمتخصصين بالأعشاب لصناعة السحر، والذين تدرّ لهم تجارتهم مرابح طائلة، وربما ينوب المشعوذ أو قارئ الطالع منها نصيب.

 حرب باردة مع الدجل..
الأمر الخطر هو الخلط بين الشعوذة والدين كما يحدث. ولكن هل ما تقوم به المؤسسات الدينية إزاء هذه الظاهرة يعادل ويتصدّى لكَمّ الإساءة من السحرة والدجالين باسم الدين، ولا سيما أنَّ الجهل بات منتشرا عند الفقير والثري، والأمي والمتعلم.. حتى إنَّ ماقامت به وزارة الأوقاف، عندما أصدرت تعليمات لبعض الجوامع بأن يخطبوا حول السحر والشعوذة بقصد التوعية، لم تكن بالمستوى المطلوب أو الكافي، وكانت أشبه بإطفاء حريق كبير بكأس من الماء؟!..
الدكتور عبد السلام راجح (عميد كلية الشريعة) قال: «الشعوذة والسحر موضوع حاضر في كل المجتمعات، ويحتاج إلى حلّ جذري، ولابدَّ من أن يأخذ اتجاهاً فكرياً يقيم الحجة على أولئك الممتهنين لهذه المهنة، وجانباً توعوياً يوعي الناس بخطر هذه الشريحة وخطر فعلها الشنيع»، مضيفاً: «من أهم أسباب اللجوء إلى الشعوذة ضعف الوازع الديني، الذي ينصّ على أنَّ الفعال والضار والنافع هو الله، فلا تحسبن امرأة أنها قادرة على استرجاع زوجها عن طريق المشعوذ»، مشيراً إلى أنَّ «الإجراءات الجنائية والوقائية التي تنتهجها الجهات الرسمية في محلها، ولو أنها تبدو باردة في رأي الكثيرين».

حماية مجهولة المصدر..
وحول تعاطي القانون السوري مع هذه الظاهرة،  فإنه يعاقب على هذا الفعل؛ وذلك استناداً إلى المادة 754 من قانون العقوبات السوري، الذي نصَّ على معاقبة من يتعاطى بقصد الربح مناجاة الأرواح والتنويم المغناطيسي والتنجيم وقراءة الكف وقراءة ورق اللعب وكل ما له علاقة بعلم الغيب، بالحبس التكديري من 24 ساعة حتى عشرة أيام وغرامة مالية من 25 وحتى مئة ليرة. وفي حال التكرار، يعاقب بالحبس حتى ستة أشهر، وبالغرامة حتى مئة ليرة سورية، وإبعاده عن الأراضي السورية إذا كان أجنبياً.
ولكن كيف ستصل هذه القضايا إلى القضاء، وهناك الكثير من هؤلاء المشعوذين الذين أكدوا لنا أنهم  يعملون، وهم بحماية لم يصرّحوا عنها (مجهولة المصدر)؟!..

  الطب النفسي.. كيف يفسر هذه الظاهرة؟..
حول رأي الطب النفسي في هذه الظاهرة تحدثنا إلى الدكتور محمد الدندل (الاختصاصي في الأمراض النفسية العصبية) الذي فسّر لنا أسباب هذه الظاهرة، حيث قال: «لهذه الظاهرة أسباب كثيرة، تتعلق بتفشي الجهل والأمية والفقر، وتفاقم المشكلات الاجتماعية، والإحساس بالإحباط، على الرغم من أنَّ الأثرياء والمتعلمين أيضا هم ممن يلجؤون إلى السحر»، مضيفاً: «اللجوء إلى السحر لا يبدأ بفشل الطب النفسي العصبي، بل يتعلق بتطور الطب. عموماً، هناك مناطق غامضة في العلوم الإنسانية وما قد وصل إليه الإنسان في تفكيره. لكن هذه المناطق الغامضة يجب الوصول والتعرف إليها بوسائل علمية وليس بالسحر والروحانيات الهائمة التي تضلل الإنسان».  وأضاف الدكتور دندل، بخصوص تعاطي الطب النفسي مع الكثير من المشاكل والاضطرابات النفسية في عالمنا العربي مقارنة بالغرب: «الحلّ المقترح الوحيد والسريع هو الدواء الكيميائي، حيث أعتبر هذا الأمر ثغرة نسبة إلى الإمكانات.. إلا أنه أصبح لدينا شريحة واسعة من الأدوية القادرة على السيطرة ومعالجة الحالة النفسية بشكل فعال. ومن المؤكد أنَّ العالم الغربي يعطي التأهيل النفسي والمعرفي والسلوكي أو التحليلي على المدى الطويل الكثير من العناية والاهتمام. وعموماً العلاجات لا تتوافر لدينا، لعدة أسباب، أهمها أنَّ المجتمع السوري غير متمرس بها، وهي مكلفة وتستغرق زمنا طويلاً، ومجتمعاتنا بعيدة عن ثقافة العلاج النفسي».

تحت لواء العلم

وبالتزامن مع كل ذلك، يلاحظ اليوم غزو واضح للفضائيات من قبل أشخاص يدعون البصيرة؛ حيث يزينون الشاشات ويتحفون الناس بالحلول «العويصة» بأسلوب جذاب متقن. وفي هذه البرنامج يتلقون اتصالات المشاهدين، لطرح مشاكلهم على الهواء مباشرة، ليأتي الضيف المشعوذ بالحلّ وبسرعة الهواء، إضافة إلى بعض حركات الخفة لإثبات قدراته السحرية التي تبهر المشاهد واستغلاله بالكم الهائل من الاتصالات، ناهيك عن فتح المجال أمام المشعوذين عبر البرامج التلفزيونية لتبرير عملهم بأنه بعيد عن الكفر والشرك بالله والمتاجرة بعقول الناس وحتى مهاجمة بعضهم البعض والدفاع المستميت، حيث تنطوي حجج الجميع تحت لواء العلم.. لكن أحد العاملين في التلفزيون أفصح عن «الفبركات» التي تستخفّ بالمشاهد، بدءاً من المتصلين الوهميين وانتهاء بحركات السحر الوهمية.

عالهوا..
وبالتزامن مع كل ذلك، يلاحظ اليوم غزو واضح للفضائيات من قبل أشخاص يدعون البصيرة؛ حيث يزينون الشاشات ويتحفون الناس بالحلول «العويصة» بأسلوب جذاب متقن. وفي هذه البرنامج يتلقون اتصالات المشاهدين، لطرح مشاكلهم على الهواء مباشرة، ليأتي الضيف المشعوذ بالحلّ وبسرعة الهواء، إضافة إلى بعض حركات الخفة لإثبات قدراته السحرية التي تبهر المشاهد واستغلاله بالكم الهائل من الاتصالات، ناهيك عن فتح المجال أمام المشعوذين عبر البرامج التلفزيونية لتبرير عملهم بأنه بعيد عن الكفر والشرك بالله والمتاجرة بعقول الناس وحتى مهاجمة بعضهم البعض والدفاع المستميت، حيث تنطوي حجج الجميع تحت لواء العلم.. لكن أحد العاملين في التلفزيون أفصح عن «الفبركات» التي تستخفّ بالمشاهد، بدءاً من المتصلين الوهميين وانتهاء بحركات السحر الوهمية.
 ¶ 250 ألف دجَّال يمارسون الشعوذة في الدول العربية
¶ أكدت دراسة أنَّ 55 % من مدمنات التعامل مع السحَرَة من المتعلمات والمثقفات، و24 % هن من اللواتي يُجدن القراءة، وهناك 250 ألف دجال يمارسون الشعوذة في الدول العربية. وتؤكد الإحصاءات أنَّ العرب ينفقون خمسة مليارات دولار سنوياً في هذا المجال، حيث يوجد عرَّافٌ أو مشعوذٌ لكل ألف نسمة في عالمنا العربي، كما تعتبر المغرب واليمن من أكثر الدول شهرةً بالسحْر والشعوذة.
 التوعية حلاً
ما يثير الامتعاض هو انتشار أسباب ارتياد أوكار السحرة والمشعوذين، ومنها الحسد والحقد وحب الدنيا وشهوتها؛ كالمال والمنصب، حيث لا يتردّد أصحاب النفوس المريضة باللجوء إلى المشعوذين لإلحاق الأذى بالناس. ولايخفى على أحد أعمال الشعوذة الخطرة التي تحدث. ومن هنا تأتي الحاجة الملحة إلى التوعية والثقافة في كل شرائح المجتمع.

ريم فرج

المصدر: بلدنا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...