عصابات الاحتيال العقاري من الهواية إلى الاحتراف

29-01-2008

عصابات الاحتيال العقاري من الهواية إلى الاحتراف

الأمن الجنائي ألقى القبض على اثنين من أخطر عصابات الاحتيال العقاري خلال الأشهر القليلة الفائتة. حيث كان عمل هذه العصابات يغطّي عدة محافظات سورية.

عصابات كبيرة، تبيع عقارات وبيوتاً بشكل وهمي، بموجب وثائق وسندات ملكية مزورة، حيث اعتمد افرادها على أشخاص يجيدون تزوير الوثائق بشكل مبدع على الكمبيوتر والسكنر وكانت طريقة عملها، تقوم على نقل ملكيات المواطنين من عقارات وغيرها لاحد افراد العصابة بوثائق وبيانات وعقود وقرارات محكمة مزورة وبيعها على هذا الاساس لاشخاص لا يعلمون بأن الملكية قد انتقلت لأفراد هذه العصابة ثم يقومون بتزوير بطاقة شخصية للمالك الأساسي ووضع صورة شخص على البطاقة الشخصية المملوءة ببيانات الشخص المالك الاساسي، وعندما يكون صاحب العقار متوفى، كانت العصابة تقوم بتزوير بيان قيد نفوس للاشخاص المتوفين المالكين للعقار ويتم نقل الملكية بعد تأمين شخص يمثل دور المتوفى. ‏

وهنالك أنواع اخرى من الاحتيالات الفردية يمارسها بعض أصحاب المكاتب العقارية أو بعض أصحاب العقارات. وإن كنتَ لست واحداً ممن وقعوا ضحية تلك العصابات المنظّمة، فإنك قد تكون صيداً قادماً لهؤلاء الأفراد الذين يسلبونك بيتك وأنت تبتسم قبل أن تعود إلى بيتك ذات يوم لتجد شخصاً آخر يطرق بابك قائلاً: هذا بيتي. ‏

وسواءً كان بيتك مخالفاً (أي غير نظامي) أو طابو أخضر نظامياً فإنك قد تكون هدفاً لهذه الأعمال الاحتيالية. و«ما يساعد على انتشار هذه الظاهرة ـ بحسب محمد درموش مدير عام المصالح العقارية ـ أن كثيراً من العقارات النظامية مازالت غير مسجلة في السجل العقاري، وخاصة العقارات والأبنية التابعة لـ:المؤسسة العامّة للإسكان، المؤسسة الاجتماعية العسكرية، الإسكان العسكري،الشركات الإنشائية، الجمعيات السكنية»، جميع العقارات التابعة لهذه المؤسسات والجمعيات غير مسجلة بالسجل العقاري، وتتم عمليات البيع والشراء من خلال سجلات خاصّة بكل جهة من هذه الجهات. ‏

ويعتبر مدير المصالح العقارية أن تسجيل العقارات بجميع أنواعها ومرجعياتها في السجل الموحد للعقارات في الدولة «هو بداية الحل لأعمال التلاعب التي قد يمارسها البعض مستغلين عدم تسجيلها في السجل العقاري». ويصف عدم تسجيل العقارات التابعة للعديد من المؤسسات والجمعيات السكنية في السجل العقاري للدولة «مشكلة كبيرة ومزمنة»، وهي كما يقول: «فوّتت ملايين الليرات السورية وعلى مدى سنين كرسوم على عمليات البيع والشراء» ولا يستبعد درموش أن يكون تمسّك هذه الجهات بعدم نقل السجل العقاري، بهدف الاحتفاظ لنفسها بهذه الرسوم. 
 ‏ ويبشّر مدير المصالح العقارية بمشروع لقانون قادم تم إعداده بهدف تنظيم الوضع القائم للمخالفات السكنية ومناطق السكن العشوائي وتسجيل جميع أنواع العقارات في السجل العقاري. ويؤكّد: «مشكلة السكن العشوائي وضياع المرجعية الموحدة للعقارات، أعاقت دخول العديد من المستثمرين الذين دخلوا إلى البلد بمشاريع جدّية لبناء أبراج سكنية، فواجهوا أيضاً عمليات أشبه بالاحتيال عندما بدأت المفاوضات لتعويض أصحاب البيوت العشوائية، فأصبح صاحب البيت يأتي بأخيه أو قريبه ويعطيه غرفة في البيت ويدعي بها أنّه مالك ويستحق التعويض، فيما كان يمكن تلافي هذه التلاعبات، عبر تنظيم هذه العقارات وتسجيلها باسم آخر مالك لها بشكل رسمي». ‏

غير أن أكثر عمليات الاحتيال: « غالباً ماتكون ضمن الأراضي الزراعية وغير المنظمة ـ بحسب درموش ـ لأنها عبارة عن اسهم وليست مفرزة أي ليست محددة في السجل العقاري على أنها شقة أو غرفة أو بيت درج وهكذا، بل سيلاحظ المشتري إذا رجع إلى السجل العقاري أنّ هذه البناية مازالت مسجلة على أنها حقل زيتون مثلاً». ‏

و«عندما تبنى مخالفة في بناء نظامي فإنها تبقى غير مسجلة بالسجل العقاري مالم يسوى وضعها رسمياً، وعندها فإنّ عملية بيع هذه الغرفة أو الشقة المخالفة قد تتضمن احتيالاً لايمكن كشفه بسهولة» يتابع درموش، ويؤكّد أن كثيراً من حالات الاحتيال التي تتم في ضاحية الأسد السكنية، والتي تتم على محلات تجارية تم بناؤها بشكل مخالف، إنما تنتمي إلى هذا الصنف. ‏

سعيد. ق من ريف دمشق: «اشتريت بتحويشة العمر شقة سكنية صغيرة على العظم في منطقة مخالفات عن طريق مكتب عقاري، وقد وعدني البائع بتسليم الشقة وتسجيل الوكالة والفراغ لدى الكاتب بالعدل، عند استكمال الأقساط. وفعلاً، بعد تعثر بسيط في الدفعة ما قبل الأخيرة والتي أجلتها شهراً بسبب ظرف معين وبعد موافقة البائع وعند استكمال آخر قسط، فوجئت بأن الشقة بيعت لشخص آخر عبر عقد مماثل يعود تاريخه إلى ما قبل تاريخ عقدي، وكانت حجة البائع أنني تأخرت بدفع القسط وأنه أنذرني وفسخ عقدي دون علمي.. وبعد فترة فوجئنا أنا والمشتري الآخر بظهور مشتر جديد أجرى عقداً مع المالك بعد عقدينا ولكنه حصل على تسجيل الوكالة دون علمنا فاستلم الشقة. ‏

ويقول أحمد حمدان (صاحب مكتب عقاري): « إنّ أكثر من يمارس عمليات التلاعب هذه هم بعض أصحاب المكاتب العقارية أو معقبي المعاملات غير المرخصين»، وهؤلاء بحسب حمدان قد يدفعون صاحب العقار لارتكاب الاحتيال ويدلونه على الطريق لزيادة نسبة عمولتهم وأرباحهم. ‏

ويعتبر حمدان أن الوساطة العقارية «أصبحت شغلة لمن ليس له شغلة»، ويدعو «لتحديد جهة رقابية مهمتها متابعة هذه المكاتب ومراقبة عملها وتعاملها مع المواطنين»، ويضيف: «للأسف لاتقوم الجمعيات الحرفية المسؤولة عن الوسطاء العقاريين بالجهد المطلوب لمراقبة المرخصين وغير المرخصين». ‏

ويدعو مدير المصالح العقارية: «أي مواطن يرغب بشراء عقار، أن يراجع السجل العقاري لهذا البناء أو العقار الذي يرغب بشرائه، عندها سيعرف ماعلى العقار من إشارة حجز أو دعاوى قضائية أو بيع سابق»، ويستطرد: «فيما يتعلّق بالحجز على العقار فعلى المواطن أن يتأكّد فيما إذا كان هذا الحجز يشمل كل العقار أو يشمل حصة أخرى للمالك». ‏

غير أنّ رؤية السجل العقاري للعقارات غير المنظمة لا تضمن عدم الوقوع في فخ الاحتيال وفقاً لدرموش، «لأنّ بيع الأسهم ضمن هذا النوع من العقارات لن يكشف فيما إذا كانت مباعة لشخص آخر». ‏

ويقول المحامي ميلاد اسحق: «في مناطق المخالفات مثل الدويلعة في دمشق، قد نجد البيت الواحد انتقل من شخص إلى آخر عبر تسلسل الوكالات والتي قد تصل إلى 30 وكالة»، موضحاً أننا لوعدنا إلى السجل العقاري الخاص بهذا البيت لن نجد أي واحدة منها مسجلة أو واضعة لإشارة دعوى». ‏

«في حالة البيوع العقارية المتتالية لأكثر من شخص، أتاح القانون للمشتري الذي لم يسجل عقده الادعاء بصورية عقد المشتري الذي سبقه على التسجيل وإثبات التواطؤ بغية الإضرار به. وبالتالي فسخ التسجيل العقاري، وهذا ما أخذ به اجتهاد محكمة النقض السورية حيث قررت أن الأفضلية بين شاريين متتاليين لعقار واحد، تعود لمن سجل شراءه أولاً مالم يثبت أن شراءه كان نتيجة تواطؤ لإقصاء المشتري الأول والإضرار به» هذا ماتقوله المحامية عبير الباش المختصة في القضايا العقارية، وتضيف: «وغالباً مايحدث ذلك عندما يبيع البائع العقار بسند رسمي أو عادي ثم ترتفع أسعار العقارات، ويصبح من مصلحة البائع النكول، فيقوم ببيع العقار نفسه بيعاً صورياً إلى أحد أقاربه ويسجله على اسمه في السجل العقاري قبل تسجيل حق المشتري الأول، وعند ذلك يفقد المشتري الأول حقّه في المطالبة بتسجيل العقار، مالم يثبت أنّ التسجيل على اسم الشخص الآخر كان صورياً». ‏

ويلفت المحامي ميلاد اسحق إلى أن البنايات المنشأة على أراض زراعية، «غالباً لن تكون خالية من إشارات الدعوى التي قد تقع لصالح مشتر آخر لسهم من أسهم البناية». ‏

و«لن يضر المشتري إذا اشترى شقة ضمن بناية على أحد أسهمها إشارة دعوى» حيث يمكنه القبول بالوضع الراهن كما يقول المحامي اسحق، لكنّه يجب أن يتوقف عن الشراء إذا وجد على العقار إشارة رهن أو حجز «حتى يعرف مقدار المبلغ الذي استحق إشارة الرهن أو الحجز، ومدى إمكانية تغطيته بجزء من العقار أم بكامله، فإن كان يتغطى بجزء منه فلا مانع غالباً من الشراء، أمّا إذا كان المبلغ كبيراً لدرجة أنّه يحتاج لكامل البناء لتغطيته، فلا ينصح المواطن بالشراء». ‏

ويتساءل المحامي اسحق: «مواطننا السوري الذي يشتري البيت بالقرض وبتحويشة العمر، لماذا يجازف بالشراء دون استشارة قانوني أو محامي بدلاً من أن يجد نفسه وقد وقع ضحية للمكاتب العقارية التي لايهمها سوى العمولة»، ويستطرد: «وفي النتيجة فإننا نجد آلاف الدعاوى القضائية المرفوعة سنوياً ضد أصحاب المكاتب العقارية بسب تلاعبهم في عمليات البيع والشراء». ‏

وفي رأي لنقيب محاميي دمشق الأستاذ محمد جهاد اللحام يقول: «هناك قاعدة اجتهاد قانونية تقول: ان بيع المالك عقاره ثانية لا يشكل جرم الاحتيال ما دام العقار مسجلاً باسمه في السجل العقاري ولم ينتقل إلى اسم المشتري الأول». هذه القاعدة بتصوري تشكل منفذاً يستغله المحتالون، لتنظيم عدة بيوع واتباع أساليب الاحتيال في ذلك، ولا ندري تبريراً منطقياً لهذه القاعدة، «كما تتم معظم عمليات التلاعب عن طريق البيوع التي تتم عبر المكاتب العقارية والتي تسجل لدى الكاتب بالعدل في مناطق المخالفات إذ لا صحيفة عقارية للشقة». ‏

والحل من وجهة نظر لحام: « ونحن نعيش ثورة التحديث والمعلوماتية، أن يتم ربط جميع الكتاب بالعدل في مختلف المناطق والمحافظات بشبكة حاسوبية واحدة تبين أي معلومة تطرأ على أي عقار في أي مكان، وبذلك نحد من عمليات التلاعب والاحتيال». ‏

ويوضح لحام: «هنالك فكرة خاطئة يحملها بعض المواطنين تجاه التعامل مع المحامي ظناً منهم أن أتعابه مرتفعة، ولذلك فهو يفضل التعامل مع معقبي المعاملات ـ ومع ما يحمله ذلك من مخاطر على صحة البيع والشراء ـ لكي لا يتعامل مع المحامي ومع ذلك فهو يفاجأ بعد الكلام المعسول الذي يسمعه في المكاتب العقارية بمبالغ لم يكن يتوقعها. ‏

ويقول: «مع تأكيدي على خطأ هذه النظرة تجاه المحامي أؤكد ضرورة إحداث قانون يشترط لصحة عقد البيع العقار الذي يتجاوز مبلغ الـ 500 ألف ليرة سورية مثلاً أن ينظم من قبل محام أستاذ ليمنع من وقوع المواطن في مغبة الاحتيال أو التلاعب، مع اقتراحي بضرورة تحديد تسعيرة محددة للمحامين في تنظيم عقود البيع منعاً من المغالاة. ‏

حمود المحمود

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...