اورلي أزولاي حمامة «سلام» إسرائيلية تهبط في الرياض

07-04-2007

اورلي أزولاي حمامة «سلام» إسرائيلية تهبط في الرياض

لم تصدق اورلي ازولاي انها فعلا في المملكة العربية السعودية, وهي تسير, وقد غطت رأسها بوشاح, في مطار الرياض. كانت قد قدمت جواز سفرها الى المسؤول السعودي الذي رحب بها بحرارة قائلا: «ان اسمك على اللائحة. اهلا وسهلا بك في المملكة».
قبل ايام معدودة كادت رحلتها ان تتحول الى ازمة دبلوماسية, إلا انها حصلت اخيرا على تأشيرة دخول لتكون بذلك اول صحفية اسرائيلية يسمح لها بدخول السعودية, فالامين العام للامم المتحدة بان كي ­ مون اراد في اطار سعيه لدعم مبادرة السلام السعودية, وكسر الجليد بين الجانبين السعودي والاسرائيلي تأليف وفد اعلامي يضم صحفيين عربا وممثلة عن الاعلام الاسرائيلي.
وقد اعتبر مون زيارة اورلي اول نجاح دبلوماسي له منذ توليه منصب الامانة العامة قبل 3 شهور, وأبلغها انه مسرور جدا لذلك, وردت عليه: انا مسرورة بدوري.
كانت اورلي قد علمت ان مون ينوي زيارة الشرق الاوسط, فطلبت الانضمام الى الوفد الاعلامي الذي سيرافقه, وبعد يومين تلقت جوابا ايجابيا من مكتبه حيث ابلغت «ستكونين على الطائرة», فقدمت جواز سفرها مع طلب الحصول على تأشيرة الدخول.
اعيدت الجوازات الى اعضاء الوفد, باستثناء جواز اورلي ورفض منحها التأشيرة, فالمندوب السعودي في الامم المتحدة ابلغ الامين العام ان وجود اورلي غير مرغوب به في السعودية. الرفض لم يفت من عضده, وطلب من اورلي الانضمام الى الوفد مؤكدا لها بأنه سيتابع مساعيه اثناء الجولة مع السلطات السعودية.
كان الوفد قد توقف في القدس, ومن هناك اتصل مون بوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل وطلب منه التدخل لمنح التأشيرة لأورلي, ورد عليه الوزير السعودي بأنه سيفكر بالامر, وخلال لقاء مون مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت حدثه عن الجهود التي بذلها من اجل تمكين اورلي من دخول السعودية, وقال له: لقد حاولت كل شيء, ولم اتلق اي رد ايجابي, ولم اعد متفائلا.
لكن قبل بضع ساعات من اقلاع الطائرة وصلت رسالة من الوزير سعود الفيصل تتضمن دعوة اورلي لحضور القمة, فرفع مون اصبعيه بعلامة النصر.
بعد ظهر الثلاثاء حطت الطائرة القطرية التي تقل الوفد الاعلامي في مطار الرياض وقد سأل مندوب وزارة الاعلام الذي جاء لاستقبال الصحفيين ونقلهم بالسيارة احد اعضاء الوفد هل انه مطلع على قضية الصحفية الاسرائيلية التي رغبت بالقدوم الى السعودية, إلا انه تم رفض طلبها, وغرق الصحفي بالضحك وقال له: لقد حصلت على التأشيرة وبدعوة من وزير الخارجية, وعلت الدهشة وجه المسؤول الاعلامي وسأل متى ستصل وأين هي الآن؟ ورد الصحفي انها معنا الآن في السيارة وأشار الى اورلي باصبعه.
نظر مندوب وزارة الاعلام الى اورلي, ولم ينبث بداية بكلمة واحدة ثم قال لها: «اهلا بك في الرياض. لا تخشي شيئا. سوف نسهر عليك. انت ضيفتنا» ثم دقق في لائحة الصحفيين المعتمدين للقمة, فوجد اسم اورلي واسم صحيفة «يديعوت احرونوت» التي تمثلها.
في رأي اورلي ازولاي ان السعودية تصبح بصورة متدرجة قوة مسيطرة في الشرق الاوسط, فالولايات المتحدة قد ادركت ان دعمها اسرائيل ورغبتها في فرض الديمقراطية, قد اغضبا العالم العربي, وأخفق دورها كوسيط في ازمة الشرق, وبالتالي قررت في الاسابيع الاخيرة تبديل سياساتها والتقرب اكثر من العرب. هذه القرارات حولت السعودية الوثيقة الصلة بالادارة الاميركية الى جسر بين الادارة الاميركية والدول العربية, لكن بما انه لا توجد وجبات طعام مجانية فمقابل دخولهم الى مسار السلام حصل السعوديون على تعهدات من الاميركيين بممارسة ضغوط لاتخاذ قرارات صعبة توصلا الى اتفاق يسمح للفلسطينيين بإقامة دولة مستقلة لهم, وبموجب ذلك تحصل اميركا على ما يشبه مظلة عربية في اي عمل دبلوماسي او حربي ضد ايران, ويكون بإمكان السعودية التباهي امام العالم العربي انها نجحت في حمل اسرائيل على القبول بتسوية.
وفي رأيها ان المصريين كانوا وحدهم خائفين في القمة, وهم يشاهدون كيف تولت السعودية زعامة المنطقة بعدما كانت معقودة لهم, فالازمنة قد تغيرت, والمسارات في الشرق الاوسط وإفريقيا سوف تتمحور قريبا في بلاط الملك عبد الله.
رأي اورلي ازولاي في العلاقات السعودية ­ الاميركية يتناقض مع رأي آخر كتبه المعلق الاميركي المعروف جيم هوغلاند في صحيفة «النيويورك تايمز» وفيه يقول ان الملك عبد الله قرر عدم حضور الحفلة التي كان الرئيس بوش ينوي اقامتها على شرفه في البيت الابيض في اواسط الشهر الحالي, من دون ان تُعرَف الاسباب الحقيقية التي حملته الى اتخاذ هذا القرار وبصورة فجائية, واعتبر هوغلاند ان هذا الرفض دليل على عجز الادارة الاميركية في تحقيق اهداف سياستها الخارجية, فالاصدقاء والاعداء على السواء يرون حاجة, او فرصة, الى ابعاد نفوسهم عن رئيس محاصر سياسيا في الداخل.
وكان مستشار الامن القومي السعودي الامير بندر بن سلطان قد زار واشنطن في الاسبوع الماضي, حيث نقل الى بوش ان هناك مشكلة في جدولة الموعد لكن بوش لم يكن مقتنعا, خصوصا عقب مساعي السعودية لمد الحوار مع ايران, وكذلك مع «حماس» و«حزب الله» عوضا من مجابتهم في اطار مشروع رايس في اعادة تقسيم الشرق الاوسط بين معتدلين ومتطرفين, وربما مرد الامر ان رايس تدلي بدلوها في بئر جافٍّ, وتدير ازمة اكثر مما تلعب دورا دبلوماسيا كبيرا, واللافت ايضا ان الملك الاردني عبد الله الثاني, وهو الذي زار واشنطن اكثر من اي رئيس في العالم قد ابلغ البيت الابيض بدوره انه لن يستطيع القيام بزيارته الرسمية المقررة في ايلول €سبتمبر€ المقبل, وطلب تأجيلها الى العام 2008.
ليست اهمية زيارة اورلي بأنها اول صحفية اسرائيلية تتلقى دعوة رسمية من السلطات السعودية لزيارة المملكة, او في التسهيلات التي قدمتها هذه السلطات لها لارسال تقاريرها الى صحيفة «يديعوت احرونوت», مع انه طلب اليها في الوقت نفسه ان لا تكثر من الظهور اللافت وتعتمد الظل الخفيف برغم ما قاله لها صحفي سعودي التقت به في مركز الاعلام في قصر المؤتمرات: وجودك هنا امر جيد, فمسار السلام يتعزز اذا ادرك العالم العربي اننا راغبون فعلا باحلال السلام. او قول احد المسؤولين السعوديين لها: ان وجودك هنا كممثلة لصحيفة اسرائيلية ليس مصادفة... انه رمز وحدث تاريخي, وليس مجرد اشارة الى اسرائيل, وإنما الى العالم العربي لنقول له: التحادث مع الاسرائيليين ممكن, او اخيرا قول احد مندوبي وزارة الاعلام الذي كان يرافق الصحفيين: ربما ذات يوم سنكون ضيوفا عليكم في بلدكم.
لقياس مدى التحول في الموقف السعودي يذكر انه في العام 2002 عندما اطلقت مبادرة السلام السعودية للمرة الاولى, ادخلت تعديلات على نظام منح تأشيرات الدخول في اطار السعي لاجتذاب السياح, وبموجب هذه التعديلات كما نشرت على موقع الانترنت للجنة السعودية العليا للسياحة, لا تمنح التأشيرات للذين لا يحترمون التقاليد السعودية بما يتعلق بمظهرهم الخارجي وسلوكهم, والذين تحت تأثير الكحول وللشعب اليهودي, وذلك بخلاف الاجراءات السابقة التي كانت تحظر التأشيرات فقط لحاملي جوازات السفر الإسرائيلية او حاملي جوازات السفر التي تحتوي على تأشيرات اسرائيلية, وقد حمل هذا الامر النائب في الكونغرس الاميركي انطوني وايز الى الطلب من الحكومة الاميركية التدخل, وربما بتأثير من الضغوط الاميركية ازيل البند المتعلق بحظر منح التأشيرات لليهود في وقت لاحق.
الرحلة الى السعودية ليست اول رحلة مثيرة للجدال تقوم بها اورلي, ففي العام 2005 رغبت بزيارة ايران لتغطية الانتخابات في البلد الذي وصفه رئيس الحكومة الاسرائيلية آنذاك اريال شارون «الخطر رقم واحد» على اسرائيل, للاطلاع على اوضاع الجالية اليهودية المقيمة هناك. وزير التربية الايراني السابق في عهد الشاه منوشهر غانجي والمقيم في باريس التي لجأ اليها منذ صدور حكم باعدامه مع وصول الامام الخميني الى الحكم نصحها بعدم الذهاب, لكنها كشفت له عن حصولها على تأشيرة دخول فقال لها: «لا تذهبي. انهم ينصبون فخاً لك». ازاء اصرارها لم يجد سوى تحذيرها: لا تستقلي في جميع الاحوال سيارة تاكسي متوقفة قرب الفندق. سائقوها هم عملاء للحكومة ومخبرون. سيري بضعة امتار. استقلي تاكسي لمدة 10 دقائق ثم قومي بتبديلها, واقصدي المكان الذي تنوين الذهاب اليه.
نصيحة اخرى قدمها لها غانجي هي انها تخضع للمراقبة في الفندق, ويستمعون الى مكالماتها الهاتفية في البهو, واذا كان عليك اجراء مقابلة هامة اذهبي الى الحدائق العامة. لا تجري المقابلة داخل الفندق, وحذار في جميع الاحوال من التحدث باللغة العبرية او اليديشية.
وتقول اورلي: النصيحة كانت من ذهب: لقد تعرفت الى جميع الحدائق في العاصمة الايرانية, كما اصبحت خبيرة في تبديل التاكسيات, وتمكنت من التهرب من المخبر الذي كان يلاحقني كظلي.
قبل ان تذهب الى ايران اتفقت مع زميل لها في واشنطن على بعض الرموز في مكالماتها الهاتفية, فإذا قالت له مثلاً: اشتريت سجادة حمراء فذلك يعني انني في ورطة, وبالتالي يبدأ مساعيه لاخراجها من ايران.
وكادت ان تلفظ هذه العبارة.
فبعد يوم واحد على وصولها انفجرت قنبلة في الساحة الرئيسية في طهران, وكانت اورلي قد زارتها في الليلة السابقة, وجاء ممثل لوزارة الاعلام الايرانية الى الفندق الذي تقيم فيه وابلغ الصحفيين الاجانب ان عملاء وكالة الاستخبارات المركزية والاسرائيليين قاموا بالتفجير من اجل خلق الفوضى في ايران, حبست اورلي نفسها في غرفتها, وخططت لابلاغ زميلها في واشنطن عن شرائها «سجادة حمراء» لدى سماعها اول طرقة على الباب. لكن الباب لم يطرق.
وخلال وجودها في ايران ذهبت لزيارة الكنيس اليهودي الذي يقع في الشارع 5 من العاصمة ويتألف من طابقين, لكن البوابة كانت مقفلة, وما من احد يرد على الانترفون, فعرض عليها سائق التاكسي زيارة المقبرة اليهودية في دارمفز, وهي قرية صغيرة تقع على بعد 50 كلم من طهران وتشرف على بحر قزوين قائلاً: ان جد الرئيس الاسرائيلي مدفون هناك, وعندما سألته عن اسم الرئيس اجاب: موشي ديان.
زارت اورلي المقبرة التي تعود الى مئات السنين, ورأت الاضرحة التي كتب على بلاطاتها باللغتين الفارسية والعبرية, لكن بعضها كان يتعرض للسرقة من قبل لصوص القبور الذين يبيعونها مقابل مبالغ ضخمة, ولم يعد في المنطقة سوى اعداد قليلة من اليهود, فإما هم مدفونون في المقبرة او رحلوا عنها الى المدن الكبرى كطهران واصفهان وشيراز, وقد عادت اورلي من ايران دون ان تعرف عدد الباقين منهم, فاليهود يقدرون عددهم بـ30 الفاً, فيما تقول السلطات الايرانية ان هناك 100 الف يهودي.
وبالرغم من الحظر الكلي على الكحول في ايران, لاحظت اورلي انه يسمح لليهود باستخدام النبيد في صلاة القدوس, كما لاحظت ان هناك مدرسة داخل العاصمة الايرانية تدرس اللغة العبرية للتلامذة اليهود.
ليلة الجمعة قررت اورلي العودة الي الكنيس الذي يبدو من الخارج مهجوراً, لكن الاضواء تسطع في داخله فوق العرش المقدس وعلى الادوات الفضية التي يمتزج بها السيراميك الازرق وتضم زهورا بيضاء.
قال لها الرجل العجوز داخل الكنيس وهو ينظر اليها بغضب وريبة وكان الوحيد بين الحاضرين الذي يتكلم الانكليزية: ماذا تريدين؟
قالت له بأنها يهودية تزور ايران, وطلبت منه السماح لها بالمشاركة في صلاة ليل الجمعة. بدا انه لم يصدق ما تقوله, فرد عليها: لم نرَ يهودياً من الخارج منذ 30 عاماً, وعلمت منه ان لديه عائلة تعيش في كيبوتز في اسرائيل, واقارب في الولايات المتحدة, وقد زارهم مرة, بل حضر احد الدروس العبرية في اسرائيل, لكن منذ بضع سنوات سحبت السلطات الإيرانية جوازات سفر اليهود الايرانيين وصار من الصعب عليهم مغادرة البلاد.
وتطرق الحديث الى الانتخابات, فأبلغها العجوز اليهودي بانه لم يدلِ بصوته, ويعتقد ان الكثيرين من اصدقائه لم يصوتوا ايضاً, وسألته هل سعى اي مرشح للحصول على اصوات اليهود. لزم الصمت فترة طويلة ثم قال: لا اريد التحدث بهذا الامر. لا يأتي من السياسة الا المشاكل.
والمعروف ان لليهود, كما بقية الاقليات في ايران, ممثلين في البرلمان الايراني, ويمثل اليهود موريس سوتامندار الذي يعتبر مؤيدا للنظام القائم.
داخل المعبد تجلس النساء المتزوجات في الطابق الاول, وفي الناحية المقابلة يجلس الرجال, الكبار منهم ناحية اليسار, والشبان ناحية اليمين, فيما تجلس العازبات في الطابق الثاني, بحيث يستطعن التعرف الى الشبان, وتبادل النظرات معهم. فهناك صعوبة في الزواج لقلة اعدادهم واعدادهن, لكن حاليا تتم المراسلات عبر الانترنت.
رحلة مثيرة ثالثة قامت بها اورلي, في انضمامها كضيفة على الجيش الاميركي في مطاردة اسامة بن لادن في افغانستان, وقد انتابها الهلع, لكن لم يكن بن لادن مصدر خوفها, وانما الطائرة التي ركبتها من اسطنبول, وقد كانت قديمة جداً ويقودها طيار من غانا, ومساعد من السنغال, وقد احتل تقريرها نصف الصفحة الاولى تحت عنوان صارخ بالاحمر «المطاردة» مع صورة لها ترتدي سترة الفلاك مع المقاتلين الذين لا يزالون يبحثون الى الآن في كهوف تورا بورا عن بن لادن. وقد سخرت اورلي من المطاردة قائلة: لا عجب ان بن لادن يشير اليهم بأصبعه منذ اكثر من اربع سنوات من مخبئه, في الواقع عادت اورلي من زيارتها دون ان يكون لديها مادة مميزة للنشر, مع ذلك ابرزتها يديعوت احرونوت وكأنها بدورها تشير بأصبعها الى قرائها.
بصورة عامة تتسم كتابات اورلي بالاعتدال, الا انها انتقدت الزيارة التي قام بها شارون الى واشنطن وقالت انه طمع بالحصول على امتار ولم يحصل الا على سنتيمترات, وان المسؤولين الاميركيين قد دهشوا ولم يصدقوا آذانهم انه قد طلب منهم ما طلبه.


حسان كورية

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...