التعليم الموازي والقضاء المحاذي

25-01-2008

التعليم الموازي والقضاء المحاذي

الجمل- د. عمار سليمان علي: من نافل القول: إن نجاح تجربة ما في قطاع ما يشكل مبرراً كافياً, بل وملزماً, لتكرار نفس التجربة في قطاعات أخرى, مع تغييرات وتعديلات تتعلق بطبيعة وظروف كل قطاع على حدة. وبما أن تجربة التعليم الموازي ـ على ما يصرح المسؤولون عنه والقيمون عليه ـ قد أتت أكلها وحققت أهدافها, وبما أن ونستون تشرشل الشهير قد أطلق قبل عشرات السنين قولته الشهيرة: إذا كان التعليم والقضاء بخير فالبلد بخير. فإن من المنطقي والمجدي والمفيد أن تنسحب تجربة التعليم الموازي على توأمه ـ في مقالة تشرشل ـ أي القضاء, ويمكن أن تسمى التجربة ـ منعاً لأي التباس بين التوائم ـ القضاء المحاذي. وتطبق فيها نفس مبادئ وأسس التعليم الموازي, وإن بأشكال مغايرة بسبب الاختلافات التكوينية والبنيوية والشكلانية والعملانية بين القطاعين التوأمين.
فالمبدأ في التعليم الموازي هو حرمان نسبة معينة ( ولتكن عشرة بالمائة) من الطلاب الذين أحرزوا علامات فرع جامعي معين تابع للدولة ويرغبون فيه من تحقيق رغبتهم, ومنح تلك المقاعد (العشرة بالمائة) لزملاء لهم لم يحرزوا العلامات اللازمة لذلك الفرع ولكنهم يمتلكون المال الذي يدفعونه مقابل تحقيق رغبتهم في دخوله. وعلى هذا الأساس يكون مبدأ القضاء المحاذي ـ توأم التعليم الموازي ـ هو حرمان نسبة معينة من المتقاضين الذين يمتلكون كافة الثبوتيات اللازمة وغير اللازمة من كسب دعاويهم والحكم فيها لصالح خصومهم الذين يفتقرون للثبوتيات اللازمة ولكنهم يمتلكون المال الذي يدفعونه مقابل كسب الدعاوى.
أما بالنسبة للأهداف المتوخاة من القضاء المحاذي فهي مشابهة ومشتقة من مثيلاتها المتوخاة من التعليم الموازي. فالهدف الأول للتعليم الموازي هو زيادة إيرادات الجامعات المالية بما يمكن أن يساهم في تأمين احتياجاتها وتلبية متطلباتها ورفع سويتها العلمية وتحسين شروط البحث العلمي. وقد تحقق هذا الهدف بشكل منقطع النظير, حيث ضعف البحث العلمي بنفس نسبة تضاعف أعداد الطلاب في التعليم الموازي!. يقابل هذا الهدف في القضاء المحاذي زيادة الإيرادات المالية للمحاكم وللهيئات القضائية والمؤسسات العدلية بما يمكن أن يساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي, وربما بما يمكن أن يفيض عن الحاجة, لإشباع القضاة والمحامين وما بينهما... إن كانوا يشبعون!.
أما الهدف الثاني للتعليم الموازي فهو منع تسرب الطلاب والأموال إلى خارج القطر, كما كان يحدث سابقاً, حيث كان معظمهم يحصلون على شهاداتهم بعرق أموالهم وتعب آبائهم. أما الآن فباتوا في التعليم الموازي يحصلون على شهادات مماثلة لشهادات زملائهم الذين تفوقوا عليهم في الثانوية, وإن كان ذلك أيضاً بعرق أموالهم وأموال آبائهم, ولكنها في النهاية تصب في خزينة الدولة. ويقابل هذا الهدف في القضاء المحاذي منع تسرب الأموال خارج خزينة الدولة, لأن ما كان يدفع كرشاوى وهدايا وتسهيلات وسمسرات يتحول بشكل شرعي ومقونن إلى خزينة الدولة, وربما يؤسس له صندوق خاص يسمى صندوق القضاء المحاذي, وتوضع القوانين والتعليمات اللازمة لإدارته بكل عدل ونزاهة وصدقية وشفافية.
يبقى الهدف الأخير للتعليم الموازي وهو انتفاء الحاجة إلى الاستثناءات التي كانت تمنح لطلاب مدعومين للتسجيل في فرع جامعي معين لم يحصّلوا العلامات اللازمة له, حيث أصبح بإمكانهم التسجيل بشكل عادي ونظامي ومقونن في التعليم الموازي. وهذا ما يقابله في القضاء المحاذي انتفاء الحاجة إلى الكثير من التدخلات في شؤون القضاء من قبل جهات أو شخصيات نافذة سياسياً أو مالياً أو اقتصادياً أو أمنياً أو رياضياً أو فنياً لتمرير حكم ما لصالح شخص مدعوم أو ضد شخص مغضوب عليه, أولشطب دعوى معينة مرفوعة ضد جهة أو شخصية نافذة أو مدعومة أو مهمة, أو للتنازل عن قضية محقة تسيء إلى سمعة البلد والناس والشعب, حيث يصبح بإمكان تلك الجهات والشخصيات النافذة اللجوء بشكل عادي ونظامي وقانوني إلى القضاء المحاذي.
تبقى ملاحظة أخيرة: إذا لم تكف نسبة العشرة بالمائة المخصصة للتعليم الموازي في مجال القضاء المحاذي بسبب غزارة الطلبات, فيمكن زيادتها إلى عشرين أو ثلاثين أو حتى خمسين بالمائة. ويمكن أيضاً التفكير جدياً ـ وهذا أجدى ـ في تحويل القضاء كله إلى القضاء المحاذي. وعليكم وعلى القضاء السلام.
 

 الجمل

التعليقات

يقول تعالى : إذ قالت الأعراب آمنا بل قولوا أسلمتم و لم يدخل الإيمان قلوبكم... هذه العبرة الإلهية تؤرخ لمستقبل أمتنا ذاك اليوم و كل يوم. التلفيق آفة تجعل حياتنا مسرحية بلا نهاية : تشبه العيش دون أن تمنح الحياة. هذا كنت أعتقد أن نقود الفساد الإداري تستخدم في شراء السلاح من السوق الدولية خارج الأوراق الحكومية لأسباب تتعلق بالشرعة الدولية و إلا من يفسر هذا التعلق المريض برجالات الدولة المتسربلين بحبر الفساد و لعنات العامة و بصاق السيدات الغاضبات عندما لا يجدن ما يطعمن به أبنائهن. لكن يبدو أن الفساد موجود ليفتت الدولة من خلال جعلها دولة تلفيق بامتياز. فعوضاً عن احتفاء الدولة بأبطالها و رموزها تدب الغيرة في قلب المسؤول و يحلو بعينيه بريق النصر في جبهة الالأبطال فيقرر عوضاً أن يلعب دور الأب و المسؤول أن ينقض على المؤسسة التي تنتج الأبطال و يجتبي منها شهادة لنفسه و أولاده و زوجته التي تغازل سائقه في أيام الجمعات عندما لا يذهب الجواهري الى مشغله و يقتلها الملل. المشكلة هي ان المسؤول المغرق في فساده يضيع على نفسه كل فرص البطولة و النجاح: فمدينة جميلة هي نجاح و الإزدهار العمراني هو نجاح و ارتفاع القيمة الشرائية للعملة هو نجاح و زيادة الصادرات هو نجاح و التصدي للبرد و التغلب عليه هو نجاح و البحث الطبي نجاح و نهوض المجتمع نجاح و تراجع العنوسة نجاح... و لكن المسؤول يريد النجاح و لا يسلك مسالكه وإنما نجده في آخر السباق على خط النهاية و على منصة التتويج فهو يعتقد أنه يضحك كثيراً من يضحك آخراً و يختصر الحياة كلها بخبر كاذب يسوقه صحفي أكذب ضمن تظاهرات أشرس كذباً! المشكلة هي ان صعود التفاهة يتجاوز الحكومات او السياسات العربية او العالم الثالث ليمتد الى العالم كله فجميع مؤسسات العالم ينخرها الفساد و التلفيق, فتكريس جاك شيراك لكامل تاريخ الدولة الفرنسية في خدمة سعد الحريري تكاد تتحول الى خيانة عظمى لفرنسا و محبي فرنسا. و صعود جورج بوش الى سدة الحكم حول الحلم الأميريكي الى كابوس دولي و حول سيدة الحرية- التمثال- الى ميدوزا. صعود التفاهة الكونية يزيح عنا لعنة الشبهة السياسية لأننا عندما نلعن الفساد لا نسقط في الخاص بل نصل حدود المطلق, تماماً كمن يكفر بالله : فقد يحاسبه بن لادن ولكن لن تحاسبه الدولة. ثمة ارتجال للمتنبي رداً على رجلين تفاخرا بحجم الجرذ الذي قتلاه و كان المارة مجتمعين على الحدث مأخوذين بالجرذ الصريع : --لقد أصبح الجرذ المستغيرأسير ----المنايا صريع العطب-- رماه الكناني والعامـري----وتلاه للوجه فعل العـرب-- كلا الرجلين اتلـى قتلـه----فأيكما غل حـر السلـب-- وايكما كـان مـن خلفـه----فإن به عضة في الذنـب-- هذه الأبيات هدية مجانية مع قوله تعالى لكل الملفقين و أبطال التفاهة.

بما أن الجميع يعرف هذا الكلام حتى الذي لم تلده أمه بعد,ماذا تنتظرون ..... وما الذي سيتغير أو بالأحرى سوف يتغير. ما ذكر من كلام كله صحيح وكل الناس تعرفه ومللت منه حتى صار روتينا عاديا ,وأوله طغى على اخره,ونحن ما زلنا نعد ونعد ونكتب ونذكر ونحلل ونخلل بالكلام,(إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر )لربما نحن فهمنا الحياة على غير ما فهمها الشاعر ,فحياتنا أصبحت إشباعا لغرائزنا وأولها اسكات جوعنا إن لم تكن اخرها,وكأننا نعيش حتى يأتي موعد نومنا .

التحويل من التعليم الموازي الى التعليم النظامي نفس الفرع ما هي الشروط الواجب توافرها

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...