آفاق.. فن الإعلان التجاري

08-06-2018

آفاق.. فن الإعلان التجاري

لا شكّ في أن الدعاية التجارية ذات تأثير بالغ في تسويق أي منتج، ولا شكّ في أنّ المؤسسات الاقتصادية الأمريكية كان لها باعها الطويل في جعل الدعاية عنصراً داعماً للمنتج المادّي، وفي جعلها فنّاً قائماً بذاته، تحت مسمّى الـ (بوب آرت) الذي شكّل إحدى العلامات الواسمة للثقافة الأمريكية خلال القرن العشرين. مع التذكير بأن اللغة المستعملة في فن الإعلان التجاري الأمريكي، لغة مدروسة بشكل ذكيّ ودقيق، وهو ما جعلها مادّة بحثية رصينة احتلّت موقعاً بارزاً بين الأعمال العلمية التي أنجزها أحد كبار علماء الألسنيات في القرن العشرين هو (جاكوبسون) التشيكي/الروسي، (الأمريكي، لاحقاً) الذي أتقن أكثر من اثنتي عشرة لغة أوروبية، ومنح عصرنا عدداً وازناً من البحوث في اللغة، وفي فكرتها وفكرة الشعرية، وماهيتها، ووظائف اللغة، وغير ذلك. 

ما يحدث في إطار مؤسساتنا الاقتصادية -الرسمية والخاصّة- أنها أخذت فكرة الدعاية على عواهنها، من غير أن يكلّف أحد نفسه ببذل أي جهد يرمي إلى جعل الدعاية ترقى إلى المستوى اللائق بمخاطبة الجمهور السوري ذي الذائقة الرفيعة، والحساسية الجمالية المميزة. فكانت مشكلة الدعاية في بداية انطلاقها مكوّنة من شطرين:

يتمثّل الأول في وجود دعاية طنانة لمنتج ضئيل القيمة إلى حدّ التلاشي، حيث أُتخم الجمهور بموادّ إعلانية فضفاضة جدّاً على منتج رديء سخيف، وكانت دعاية فارغة بالمعنى الدقيق للعبارة (على سبيل المثال، بقيت العلكة تشكّل فخر الصناعة السورية عشرات السنوات بموجب الدعاية المخصصة لها). 

ويتمثّل الثاني في استغباء المتلقّي السوري إلى أقصى درجات الاستغباء، عبر مدّه، وشحنه بموادّ إعلانية رديئة بالمعنى الفني الذي يتضمّن رداءة الفكرة، ورداءة المعالجة، وباتت هذه الموادّ الرديئة تزحم شاشة القنوات التلفزيونية السورية. الأسوأ من الدعاية التجارية الغبية التي تبقى تستخدم أساليب لا تنسجم مع العقول، دعاية تقتحم اليوم المسلسلات الرمضانية وتقتحم ساحة الوعي العام بطريقة لا تقلّ خطورة عن الطريقة التي اعتمدتها الجهات الإجرامية في اقتحام حياتنا السورية بوساطة السلاح. كأنّ مسؤولي التلفزة، ومسؤولي الدعاية التجارية على حد سواء يقولون لنا: 


سنعرض لكم مسلسلات تلفزيونية جيدة، ولكننا سنجعلكم تلعنون الساعة التي جعلتكم مرتبطين بهذه المسلسلات، والسبيل قائم في مصادرة المسلسل الجيد، وجعله منبراً لصفع المشاهد بعدد ضاغط من الدعايات الغبية التي تضاهي مدّة عرضها -على القناة الدرامية- مدّة عرض المسلسل.

 


د.صلاح صالح

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...