مصر: كيف يتحول المتدين إلى جلاد؟

27-03-2013

مصر: كيف يتحول المتدين إلى جلاد؟

خلال الاشتباكات التي جرت يوم الجمعة الماضي في مصر بين المتظاهرين و«الإخوان المسلمين» في منطقة المقطم.. قبض «الاخوان» على المناضل اليساري كمال خليل وحبسوه في المسجد، حيث رأى بنفسه عدداً من المتظاهرين وقد تم تجريدهم من ملابسهم وجلدهم ببشاعة داخل المسجد حتى غاب معظمهم عن الوعي. كان «الاخوان» يستعملون كرباجاً كبيراً في ضرب ضحاياهم وقد سأل الأستاذ كمال صاحب الكرباج فقال له:
ـ ده كرباج سوداني، أنا ناقعه في الزيت من فترة طويلة.. الضربة الواحدة منه تقطع الجلد.
من حظ كمال خليل أن تعرف الى أحد جيرانه بين «الاخوان» فتوسط ومنع تعذيبه لكنه نشر شهادته عن سلخانة «الاخوان» على موقع «البداية»، ثم تواترت شهادات الضحايا في الصحف لتؤكد تعذيبهم ببشاعة، أما المتظاهر أمير عياد فقد اكتشف «الاخوان» أنه قبطي، فضاعفوا جرعة التعذيب، حتى شارف على الموت، وكانوا ينادونه بالكلب المسيحي. لقد ارتكب «الاخوان» في المقطم نفس الجرائم البشعة التي ارتكبوها من قبل أمام «الاتحادية» وفي معسكرات الأمن المركزي. قرأت شهادات ضحايا «الاخوان» وفكرت أن عضو «الاخوان المسلمين» الذي افتخر بكرباجه السوداني وزملاءه الذين يجلدون ضحاياهم بقسوة حتى يفقدوا الوعي، هؤلاء جميعا متدينون يحرصون على الصلاة والصيام ويحرصون في حياتهم ألا يفعلوا شيئا حراما او حتى مكروها، فكيف يتحولون الى جلادين؟ يجب أن نذكر أن ارتكاب الجرائم باسم الدين قد حدث في الأديان جميعا. فالكنيسة الكاثوليكية مثلا التي قدمت للعالم قيماً عظيمة في المحبة والتسامح هي ذاتها التي شنت الحروب الصليبية وعقدت محاكم التفتيش وقتلت مئات الألوف من اليهود والمسلمين. أي دين يمكن أن نفهمه بطريقة صحيحة فيجعلنا كائنات انسانية أرقى، ومن الممكن قراءته بطريقة متعصبة تؤدي الى ارتكاب الجرائم. السؤال: كيف يتحول المتدين الى جلاد؟ أعتقد أن المؤمن الحقيقي لا يمكن أن يرتكب مثل هذه الجرائم وإنما المتطرف هو الذي يتحول الى جلاد ويتم تحوله عبر الخطوات التالية:

أولاً: احتكار الحقيقة

ليس الدين وجهة نظر يمكن مناقشتها أو تغييرها وإنما الدين إيمان وجداني راسخ. الناس غالباً يستعملون العقل لتأييد الايمان ونادراً ما يكتشفون الايمان بواسطة العقل. الدين اعتقاد حصري بمعنى أن أصحاب كل دين يؤمنون بأن دينهم صحيح وكل الأديان الأخرى على خطأ. بالرغم من ذلك فقد ثبت في التاريخ أن الفهم الصحيح لأي دين يجعل صاحبه متسامحاً مع أصحاب الأديان الأخرى، إلا أن المتطرف يؤمن دائماً بأنه يحتكر الفهم الصحيح للدين أما الآخرون فهم في نظره كفار أنجاس أو فاسقون منحلون مقيمون على الخطايا. إن المتطرف يعتبر أنه مركز العالم وكل من يختلف عنه في الأطراف المهملة.. هذا اليقين باحتكار الحقيقة واحتقار الآخرين لا يستند الى حقيقة الاسلام الذي يحمل في جوهره تعاليم متسامحة مع البشر جميعاً، كما أن غطرسة المتطرفين تتجاهل حقيقة أن المسلمين يشكلون فقط خمس سكان العالم، ما يجعل المتطرف يحتقر أربعة أخماس البشر.

ثانياً: ممارسة الدين بالتميز

المتطرف ليس لديه تجربة دينية عميقة. الدين بالنسبة اليه ليس علاقة روحانية مع ربنا وإنما الدين عنده وسيلة لإظهار تميزه عن الآخرين. المتطرف يستمتع بإظهار تدينه لأنه يحس عندئذ أنه أفضل من الآخرين الأقل التزاماً بالدين منه. ان المتطرف غالبا ما يعاني من مركبات نقص يعالجها بتفوقه الديني على الآخرين. انه لا يمارس تدينه ليمنحه السكينة والسلام وإنما يستعمله لكي يقهر الآخرين ويسيطر عليهم. قد يحس بأن الآخرين أفضل منه تعليماً أو أكثر حظاً في الحياة لكنه يعوض ذلك بأن يمارس عليهم تدينه حتى يحس أنه أفضل منهم عند الله، كما أن المتطرف لا يكتفي بإظهار تميزه عن الآخرين وإنما يظهر غالباً احتقاره للمختلفين عنه كي يستمتع بتفوقه الديني.
ثالثاً: استعادة مجد الدين عن طريق الحرب المقدسة
لا بد للمتطرف أن يعيش في عالم افتراضي متخيل مريح في ظل فكرة وهمية تجعله يحس بأنه ليس مؤمناً عادياً وإنما هو جندي شجاع يجاهد في سبيل إعلاء كلمة الدين. لا بد أن يتخيل المتطرف أن هناك حرباً عالمية كبرى شرسة متعددة الأطراف ضد الدين الذي يؤمن به ويجب عليه أن يقاتل بضراوة أعداء الدين لإعلاء كلمة الله. ان المتطرف الذي يتمسك بعالمه المتخيل يشبه تماما الشخصية التي أبدعها الروائي الأسباني الشهير سرفانتس، دون كيخوته، الذي أحب أن يكون فارساً بعد أن انقضى عصر الفرسان فانتهى به الأمر الى محاربة طواحين الهواء. ان مشايخ الاسلام السياسي قد نجحوا في صناعة فكرة وهمية اسمها الخلافة الاسلامية.. مئات الألوف من أتباع الاسلام السياسي الذين تعلموا تاريخاً مزيفاً عن طريق مشايخهم يؤمنون بأن المسلمين حكموا العالم عندما اتبعوا تعاليم دينهم، فلما خالفوا الدين ضعفوا، واحتلهم الغرب، وهم ينتظرون عودة خليفة جديد ليحكم وحده كل الدول الاسلامية.. لا مانع بالطبع من تعاون الدول الاسلامية مع بعضها البعض ولا مانع من تعاون البشر جميعا. لكن استعادة الخلافة الاسلامية وهمٌ كبير، لسبب بسيط انها لم توجد أصلا حتى نستعيدها... يحتاج الانسان فقط الى قليل من القراءة الجادة ليدرك أن ما يسميه مشايخ الاسلام السياسي بالخلافة الاسلامية لم تكن خلافة ولم تكن اسلامية. على مدى قرون من الدول التي أنشأها المسلمون لم يستمر الحكم العادل الرشيد سوى 31 عاماً.. 29 عاماً في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة وعامان حكم خلالهما عمر بن عبد العزيز.. أما الدولة الأموية ومثلها الدولة العباسية فقد قامتا مثل كل الامبراطوريات بعد أن ارتكبت جرائم رهيبة وقتل آلاف الأبرياء من أجل تمكين السلطان من العرش. أما الخلافة العثمانية فلم تكن الا احتلالاً بشعاً لبلادنا وكل من يشك في هذه الحقيقة عليه قراءة المؤرخ المصري محمد ابن اياس الحنفي القاهري (1448 ـ 1523) عندئذ سيدرك الأهوال التي قاساها المصريون على أيدي الجنود العثمانيين (المسلمين).. بل ان الخليفة العثماني الذي يبكيه أتباع الاسلام السياسي كان من أسباب احتلال مصر عندما أصدر في يوم 9 سبتمبر 1882 قراراً بإعلان عصيان الزعيم عرابي مما أدى الى انصراف كثيرين عن جيش المقاومة ونتج عن ذلك هزيمة الجيش المصري والاحتلال البريطاني لمصر.. الخلافة الاسلامية لم توجد أساساً حتى نستعيدها، لكن للأسف، لا جدوى من محاولة إقناع المتطرفين بهذه الحقيقة لأنهم سيرفضون دائماً الخروج من العالم الافتراضي الذي صنعه مشايخهم.

رابعاً: نزع الطابع الإنساني عن المعارضين

عندما استنكر كمال خليل جلد المتظاهرين بهذه البشاعة داخل المسجد، حاول «الاخوان» إقناعه بأن ضحاياهم ليسوا ثواراً وإنما بلطجية مجرمون، كما انهم مدمنو مخدرات مسطولون لا يحسون بالتعذيب الذي يتعرضون له... يحتاج الجلادون دائما الى مثل هذا التبرير تجنباً لوخز ضمائرهم. لا بد من شيطنة الضحايا بشكل يبرر الاعتداء عليهم. ان كل من يعترض على جرائم «الاخوان» سرعان ما ينهالون عليه بالاتهامات لتشويهه، معارضو «الاخوان» في رأيهم إما من فلول نظام مبارك أو عملاء للصهيونية العالمية أو أتباع سريون للماسونية، أو في أفضل الأحوال فاسقون منحلون جنسياً هدفهم الأساسي في الحياة إشاعة الفاحشة في المجتمع والسماح للسحاقيات والشواذ بالزواج من بعضهم البعض. هذه الخزعبلات يرددها أكبر قيادات «الاخوان» بغير أن يستشعروا أدنى حرج وبغير أن يسألوا أنفسهم مرة: ما الذي جعل ملايين المصريين الذين احتفلوا بنجاح مرسي يطالبونه الآن بالرحيل عن الحكم؟ إن ذهن المتطرف عاجز تماماً عن رؤية الواقع، كما أن قيادات «الاخوان» لا يمكن أن يقنعوا شبابهم بجلد الناس بالكرابيج اذا اعترفوا للضحايا بأية فضيلة. من هنا يرتكب «الاخوان» جرائمهم وهم يكبّرون بحماس. إنهم يؤكدون عالمهم الافتراضي خوفا من تأنيب الضمير.. انهم يجتهدون كي يقنعوا أنفسهم بأنهم لا يرتكبون جرائم وانما يخوضون جهاداً دينياً مقدساً.

خامساً: إنكار كل ما يهدد العالم الافتراضي

خلال مذبحة مجلس الوزراء، التي قتل فيها جنود الجيش عشرات المتظاهرين، تمت تعرية فتاة متظاهرة ودهس الجنود جسدها العاري بأحذيتهم أمام الكاميرات، لكن «الاخوان» المتحالفين مع المجلس العسكري آنذاك سخروا من البنت المسحولة وشككوا في أخلاقها. وفي عهد رئاسة مرسي عادت الشرطة المصرية الى جرائمها فقتل 80 متظاهراً وعذب كثيرون، أحدهم تم سحله أمام الكاميرات، ورآه العالم كله، لكن «الاخوان» أنكروا كل هذه الجرائم وبرروها.. هنا نكتشف سلوكاً تقليدياً لدى المتطرفين جميعاً هو إنكار كل ما يهدد عالمهم الافتراضي مهما كانت الحقيقة واضحة. فالمتطرف، الذي أسس حياته في عالم افتراضي، يرى نفسه من خلاله جندياً في سبيل الله، لن يسمح أبداً بإقناعه بعكس ذلك. اذا حاولت إقناع المتطرف بعكس ما يعتقده فأنت تضيع وقتك وجهدك، وسيدهشك أن الذي يباهي بتدينه سيتحول الى شخص عدواني وقد يصب عليك أقذر الشتائم (كما يحدث على فايسبوك) لأنك تشكك في أشياء يعتبرها مسلمات. انه في الواقع قد بنى عالمه الافتراضي ولن يسمح أبدا لأي شخص بإعادته الى الواقع الحقيقي لأن ذلك سيؤدي الى انهيار الأساس الذي بنى عليه حياته.
بعد هذه الخطوات الخمس يتحول المؤمن الى متطرف ويكون مستعدا لارتكاب أية جريمة يأمره بها مشايخه... سوف يضرب النساء ويسحلهن ويشتمهن بأقذر الشتائم ويجلد المعارضين بالكرابيج ويصعقهم بالكهرباء. سيتحول الى جلاد لكنه سيظل مقتنعاً بأنه يمارس مهاماً مقدسة لأنه وحده صاحب الايمان الصحيح، وقد كلفه الله بالدفاع عن العقيدة واستعادة مجد الدين، كما أن المختلفين معه ليسوا في نظره كائنات انسانية كاملة الحقوق، وانما هم اما عاهرات أو عملاء أو أعداء للدين لا بد من ازاحتهم عن الطريق حتى ترتفع راية الاسلام على الدنيا كلها.
ان الجرائم التي يرتكبها الاخوان المسلمون تتزايد كل يوم وبالرغم من بشاعتها فهي تكشف حقيقة الاخوان. لقد اكتشف المصريون ان الاخوان لا علاقة لهم بالدين وعرفوا غدرهم وأكاذيبهم وخيانتهم للثورة. ان «الاخوان» هم الوجه الآخر لنظام مبارك. لقد استبدلنا بنظام مبارك نظاما قمعيا آخر يتاجر بالدين. استبدلنا بالفاشية العسكرية فاشية دينية. سيسقط حكم «الاخوان» قريبا وسيحاكمون على كل هذه الجرائم. الثورة مستمرة حتى تحقق أهدافها بإذن الله.

علاء الأسواني

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...