حكاية الوجوه عند فيلليني

01-04-2010

حكاية الوجوه عند فيلليني

 هناك استعراض كبير للوجوه والأشخاص في أفلام فيلليني. بعض تلك الاستعراضات تتميز بشخصيات مهذبة أقرب إلى الحياة الحاضرة، كما الحال في "تمرين أوركسترالي"، لكن معظمها تتميز بشخصيات تبدو غريبة، مجنونة ومثيرة للخوف أو للضحك أو الاثنين معاً. بدأ فيلليني الرسم صبياً، وكان هذا هو حبه وولعه الأول من بين سائر الفنون. يستطيع المرء أن يجد العلاقة بين تلك الهواية الأولى التي احترفها، والكيفية التي يقدم فيها نماذجه من الشخصيات، فهي أيضاً تماثل الرسومات في غرائبيتها وعدم واقعيتها. لكن الأمر في مدلولاته ليس مجرد استكمال معيّن لولع سابق، وليس مجرد انتقال ذلك الولع من وسيط فني إلى آخر. هناك الكثير من الأسئلة تثيرها تلك الشخصيات: من هم هؤلاء؟ لماذا يثقلون كاهل فيلليني؟ كيف يستطيع أن يلتقط معانيهم؟ أين يجدهم وماذا يريد منهم؟ في كتابه "فيلليني: مفكرة مخرج" يقول حول شخصياته: "نعم، أعلم أن الأمر يبدو مشيناً وقاسياً، لكني معجب بكل هؤلاء الأشخاص الذين دائماً ما يطاردونني من فيلم إلى آخر. كلهم مجانين إلى حد ما. يقولون إنهم في حاجة إليّ، لكن الحقيقة إنني في حاجة إليهم أكثر. إن قيمهم الإنسانية كثيرة، كوميدية وأحياناً مشوقة".
لدى فيلليني شغف كبير بهؤلاء: الفتى السمين، المرأة القبيحة، الأقزام، ذوو الوجوه النحيفة أو العيون البارزة. الكاميرا تقطع عليهم في لقطات كثيرة. أحياناً في مشاهد طويلة، وهم كثيراً ما يتطلعون إلى الكاميرا في حديث مباشر غالباً ما ينتهي بضحكة. هم، شكلاً على الأقل، مهرجون يتجاوزون العدسة وينظرون إليك بالعين كما لو كنت حاضراً. حضورك مزدوج: على الكرسي الذي جلست عليه لتتفرج، وايضاً من خلال الشخصية "العاقلة" الوحيدة التي تمر بين كل هؤلاء. هذه الشخصية قد تكون فتى جميل الوجه ("ساتيريكون") أو رجلا عاديا يحلم في قطار ("مدينة النساء") أو صحافياً على ظهر سفينة ("والسفينة تبحر").
نحن الذين لا نعلم الكثير عن حياته الأولى (بقيت غامضة في الكثير من أجزائها) يمكننا أن نتلقف شيئاً عن ماضيه من خلال مراقبتنا بعض علاقاته بتلك الشخصيات وخصوصا من حيث تصويره للمرأة في معظم أفلامه ووضعها في أنماط "كاريكاتورية" متعددة اضطر في النهاية إلى أن يجمعها معاً ويضعها في "مدينة النساء"، بحيث صار لدينا نماذج المرأة الفاتنة والمرأة القوية والمرأة ذات الحاجات الجنسية النهمة وكثيرات أخريات معظمهن يعكسن شعوراً داخلياً لدى بطل فيلليني أو فيلليني نفسه بالخوف منهن.
يبقى أن شخصياته لا تزال تحمل في ثناياها الكوميديا الخفية. أحياناً السخرية وأحياناً أخرى ذلك اللون الهزلي الذي يتقنه السينمائيون الإيطاليون أكثر من غيرهم. وهذا ما يساعد في اعتبار نماذجه المتعددة مهرجين احتشدوا في قطار، كل عربة فيه تحكي قصة.

محمد رضا 

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...