حرب المايوه والحجاب في تركيا تختصر صورة الصراع السياسي

24-05-2007

حرب المايوه والحجاب في تركيا تختصر صورة الصراع السياسي

تخلو اسطنبول في عطلة نهاية الأسبوع إلا من صيادي السمك بالصنارة من فوق جسري غلطة واتاتورك، ومن الأعلام التركية الضخمة التي ترفرف في كل مكان، وعلى السيارات والحافلات وتغطي واجهات الأبنية والجسور. تركيا واسطنبول ترتديان الأحمر. إنها أيام الشباب والرياضة التي تبدأ في 19 أيار يوم بدأ مصطفى كمال اتاتورك حرب التحرير الوطنية من سامسون العام ,1919 وتنتهي في 29 أيار الحالي يوم فتح محمد الثاني القسطنطينية العام .1453
تبدأ الاحتفالات بحماسة علمانية، وتنتهي بحماسة إسلامية. عشرة أيام حملت هذه السنة نكهة مغايرة: العلم التركي أراده العلمانيون رمزا لمعركتهم مع الإسلاميين، لكن «حزب العدالة والتنمية» رد بإصدار الأوامر بتكثيف المشاركة في الأعياد العشرية.
حال العسكر عبر المحكمة الدستورية دون إيصال إسلامي إلى رئاسة الجمهورية، وفي مراسيم الاحتفال بعيد الشباب والرياضة السبت الماضي علّقت إحدى الصحف على صورة رئيس الجمهورية الحالي احمد نجدت سيزير حيث يقف خلفه رئيس الحكومة ورئيس الأركان أنه لو سارت الأمور كما يريد «حزب العدالة والتنمية» لكان رئيس الأركان يقف في الصورة خلف وزير الخارجية عبد الله غول وليس خلف سيزير.
لن ينسى الإسلاميون ربما لوقت طويل «اغتصاب» العلمانيين رئاسة الجمهورية منهم. كلهم يقولون إنه لا المنطق ولا القانون ولا السوابق تفتي بنصاب الثلثين لجلسة انتخاب الرئيس، بل إن استمرار الرئيس الحالي في موقعه بعد انتهاء مدة ولايته يرى فيه النائب عن «حزب العدالة والتنمية» رسول طوسون انه اغتصاب لصلاحية، فالمادة 102 من الدستور تقول باستمرار الرئيس الحالي إلى أن يتسلم الرئيس المنتخب، والشرط هنا هو وجود رئيس منتخب، لكن بما انه لا يوجد رئيس منتخب فصلاحيات الرئاسة تذهب وفق المادة 106 من الدستور، إلى رئيس البرلمان.
احمد نجدت سيزير، إذاً، رئيس انتهت ولايته في 16 أيار الحالي، وسوف يبقى رئيسا إلى أن يُنتخب رئيس جديد، وهذا قد لا يتحقق حتى بعد انتهاء الانتخابات النيابية المقررة في 22 تموز المقبل في حال لم ينتخب رئيس توافقي. وحده فوز «العدالة والتنمية» بثلثي مقاعد البرلمان يتيح هذه الإمكانية، لكن أيضا غير المؤكدة مئة في المئة، إذ يجب انتظار موقف الجيش من هذا الاحتمال في ضوء تدخله الشهير في 27 نيسان الماضي ضد وصول غول إلى الرئاسة.
النائب الإسلامي السابق محمد بكار اوغلو، الذي يعمل على تأسيس حركة يسارية إسلامية تجمع بين القيم الإسلامية والليبرالية ومعاداة السياسات الأميركية في المنطقة، لا يستبعد حصول انقلاب عسكري. فبعد قرار المحكمة الدستورية لم يعد ممكنا استبعاد اي احتمال. ويقول انه بعد إنذار 27 نيسان، لا أوروبا ولا تركيا تشعران بالحاجة واحدتهما للأخرى، وكل الاحتمالات مفتوحة.
وبرغم أن الصراع بين هو بين مشروعين، وليس مرتبطا بشخص، فإن الرموز في تركيا تؤدي، برأي الكاتبة نوراي ميرت، دورا كبيرا في تحديد المواقف، ومن ذلك رفض العلمانيين وصول شخص زوجته محجبة إلى رئاسة الجمهورية. وربما كان الوضع اختلف في ما لو تم ترشيح وزير الدفاع وجدي غونيل للرئاسة حيث إن زوجته غير محجبة!.
لم تبدأ بعد على الأرض الحملات الانتخابية. وحدها بعض الصور لرئيس الحكومة رجب طيب اردوغان تنتشر في بعض الأماكن، وتحمل شعار «يوجد الكثير لنفعله» و«كفى! القرار للأمة»، والسبب يعود إلى أن الأحزاب لم تحدّد بعد أسماء مرشحيها رسميا، وسيكون ذلك في الرابع من حزيران المقبل.
ويبدو أن المعركة مقبلة على مواجهة شرسة. والعلمانيون مصممون على إضعاف الحزب الحاكم. وما كان خيالا في عهد بولنت اجاويد، منذ ,1983 تحقق في أيام قليلة: تحالف بين حزبي اليسار العلماني، أي «حزب الشعب الجمهوري» و«حزب اليسار الديموقراطي» حيث سيخرج زعيماهما دينيز بايكال وزكي سيزير معا للمرة الأولى في 26 الحالي في مدينة مرسين، على أن تكون حصة «اليسار الديموقراطي» من 20 إلى 25 مقعدا.
وعلى جبهة اليمين، تأكد التحالف بين حزبي «الطريق المستقيم» و«الوطن الأم»، علما بأن الهدف الأساسي لهذه التكتلات هو ضمان دخول اكبر عدد من الأحزاب إلى البرلمان، وإلا فسيكون ذلك لصالح «حزب العدالة والتنمية».
ومن اجل اكتساب أوسع قاعدة ممكنة من الأصوات بدأ بايكال المعارض للاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بتغيير مواقفه بعدم إنكاره «حقائق التجارة الحرة، وحركة العولمة الاقتصادية»، وان «تركيا ليست في موقع الصدام مع الاتحاد الأوروبي».
ويفسّر الكاتب الإسلامي علي بولاتش قلق العلمانيين والتحول الراهن بأن أوروبا وأميركا وإسرائيل قد غيّرت شركاءها في الداخل التركي، وهم يريدون استعادة دور الشريك الذي أخذه منهم «العدالة والتنمية».
وبدأ اردوغان سلسلة مهرجانات حزب العدالة والتنمية من أرضروم، واستكملها في فان شرقي تركيا، حيث وصف معارضيه بالبَيض الفاسد، معتبرا انه لو اجتمعت أربعون بيضة فاسدة فلن تنتج بيضة واحدة سليمة. ولا يبدو «حزب العدالة والتنمية» منزعجا من تحالفات اليسار واليمين، بل يقول نائب رئيس الحزب دنغير فرات إنه بعد اليوم لا أعذار لدى الخصوم من أنهم يُهزمون بسبب انقساماتهم. وحدة اليسار تسهّل مهمة «العدالة والتنمية».
ويسعى الحزب الحاكم إلى تبديد الصورة التي يحاول خصومه حشره فيها، وهي أنه حزب له «جدول أعمال إسلامي سري»، من خلال الدفع بأكبر عدد من المرشحّات غير المحجبات لخوض المعركة على لوائحه، واستقطاب أسماء علوية بارزة للترشّح، وقد نجح بالفعل مع المفكر العلوي البارز رها تشامور اوغلو.
ويؤكد حسين بورغي، رئيس بلدية بيرم باشا (أحد أحياء اسطنبول الكبيرة والبالغ سكانه250 ألفا)، والتابع للحزب الحاكم وكان له دور كبير في مساعدة سكان جنوبي لبنان ضد العدوان الإسرائيلي، أن الحزب سينتصر بكثافة في الانتخابات، وسيعود إلى السلطة لوحده.
لكن على جبهة الحالة الإسلامية لا يبدو أن رياح عدوى التوحد قد انتقلت إلى أحزابها، برغم التحديات الراهنة. وترى معظم التيارات الأصولية أن «العدالة والتنمية» لا يزال يتحرك بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وفي إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير. ولا يبدو في الأفق أي محاولة لتحالفات بين حزب «السعادة» وزعيمه الروحي نجم الدين اربكان ومجموعات إسلامية أخرى مع الحزب الحاكم.
وبرغم التجربة المريرة للنائبة المحجبة السابقة مروى قاواقجي، ومنعها من أداء قسم اليمين في البرلمان، فإن العديد من النساء المحجبات يردن الترشح إلى الانتخابات المقبلة في تأكيد على حق المرأة المحجبة في أن تكون ممثلة للأمة. الكاتبة والناشطة الإسلامية المحجبة يلديز رمضان أوغلو من بين هذه الفئة من النساء، التي تريد تأكيد هذا الحق، وتعتزم الترشح عن احدى دوائر اسطنبول.
غير أن الحملة العلمانية على حزب العدالة والتنمية متواصلة للتأكيد على أصوليته، ومن ذلك السجال الذي اخذ حيزا في الأيام الأخيرة، ويمكن وصفه بـ«حرب المايوه والحجاب» حول منع بلديات اسطنبول، المؤيدة لـ«حزب العدالة والتنمية» الإعلانات الخاصة بمايوهات البحر. لكن هؤلاء ينفون وجود قرار بالمنع، برغم أنهم يرون في هذا النوع من الإعلانات سوقا للرقيق النسائي وتناقضا مع القيم الاجتماعية للأتراك.
ويقول مصمم الأزياء والمايوهات الشهير زكي باش اسكي اوغلو إن صور النساء في الأناضول أنزلت، وهم لا يريدون صورا لنساء بمايوهات. ويضيف انه يلصق إعلانات المايوهات في عشرين دولة في العالم ولا يستطيع ذلك في تركيا. ولجأ، كطريقة للاحتجاج على المنع، إلى نشر إعلانات كبيرة على الطرقات وضع فيها صورا للخضار مثل الخيار والباذنجان الطويل بدلا من المايوهات.

 

محمد نور الدين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...