تعددت وتنوّعت أحجام وألوان الباصات لكن الخدمة بقيت دون الطموح

28-06-2009

تعددت وتنوّعت أحجام وألوان الباصات لكن الخدمة بقيت دون الطموح

النقل الداخلي في المدن والضواحي المحيطة بها.. وسيلة نقل حضارية حتى في أرقى دول العالم، لدرجة أن المعنيين في تلك البلدان يركنون سياراتهم الخاصة في الكراجات، ويفضّلون الركوب في الحافلات وعربات المترو، نظراً لسرعتها وأمانها ودقة مواعيدها، حيث تُخصص لها مسارب خاصة، منعاً للاختناقات المرورية والحوادث.
أما عندنا، وبعد عقود مرت على اعتماد تجربة النقل الداخلي، فلم نستفد من التجربة، نظراً لغياب التخطيط السليم والعشوائية، والتسرع باتخاذ القرارات الخاصة بقضايا النقل والمرور... واليوم.. وبعد أن تحوّلت شوارع دمشق إلى كراجات ومواقف للسيارات، يفكر المعنيون في المحافظة ووزارة النقل بفتح أو تخصيص طرق خاصة لحافلات النقل الداخلي، ويبشّروننا ويعدوننا بولادة مترو الأنفاق بعد سنوات، تُعدّ على أصابع اليد الواحدة «عالوعد يا كمون».. هذا يعني أن دمشق ستعاني من مخاض أليم طوال السنوات القادمة لحين ولادة المترو، إذا ما صدقوا هذه المرة بوعودهم!.. ولن ينفعها وجود /350/ باصاً جديداً يعمل حالياً، ولا الـ /100/ باص القادمة على الطريق، ولا حتى الباصات القديمة، التي تجاوز عمرها الثلاثين عاماً، وتصرّ الشركة على تشغيلها وتأجيرها داخل المدينة وخارجها، دون مراعاة واحترام للمواطن، وخاصةً في الباصات المؤجّرة لإحدى الشركات كاستثمار مقابل أجر شهري، يُصرف بأكمله على صيانة الباصات القديمة، والتي باتت عبئاً على الشركة.. ولكن ماذا ستفعل هذه «المسكينة» ولا خيارات أو بدائل أمامها؟!.
هذا السؤال.. كان من جملة أسئلة أخرى طرحناها على المهندس كميل عسّاف، المدير العام لشركة النقل الداخلي في دمشق، والتي حاولنا من خلالها رسمَ صورة مكتملة إلى حدٍّ ما عن واقع الخدمة فيها، وخاصةً بعد أن كثرت الشكاوى على السائقين، وغياب الباصات، وعدم التزامها على الخطوط مع حلول الليل.
عسّاف كان متفائلاً، وبنظره أمور النقل الداخلي في دمشق بألف خير، ولكن «المواطن لا يعجبه العجب..» على حدّ قوله، فهو -والكلام للسيد عسّاف- اعتاد على خدمة السرفيس، الذي ينقله من أمام منزله إلى مكان عمله، وهذا غير متوفر في حافلات النقل الداخلي، التي تتقيّد بالمواقف وبمواعيد الانطلاق، وتلتزم بالإشارات المرورية، وهذا كله قد لا يناسب أصحاب السرافيس، ولا حتى بعض المواطنين المستعجلين!.

رحلة العذاب مع باصات النقل الداخلي، بدأناها من خطّ قدم عسالي، ركن الدين، بعد أن كثُرت المشاكل والشكاوى على مستثمر الخطّ، جرّاء الباصات المهترئة، التي لا تليق بالمواطن، لا بشكلها ولا بمضمونها، وما يزيد الطين بلّة «عنجهية» سائقيها، الذين لا يعيرون أيّ احترام للركاب!!.. كل ذلك يحدث دون حسيب أو رقيب!.
المهندس عسّاف.. اعترف بوجود هذه المشكلات، ولم ينفِ علمه بها، وأعلمنا بوجود عدة إنذارات بحق المستثمر، وهناك إنذار أخير بخصوص الاهتمام بنظافة الباصات من الداخل والخارج، وبحالتها الفنية، إضافةً إلى تنبيه السائقين، وحضّهم على احترام المواطن الراكب ومعاملته بشكل لائق!. وقال عسّاف: إذا لم يلتزم المستثمر بهذه الشروط، فسنعمل على فسخ العقد.
«عفواً مهندس عسّاف.. هذا الكلام نسمعه منذ زمن، دون أن نرى شيئاً على أرض الواقع، ويبدو أن المستثمر يستغلّ نفوذه ويضرب بإنذاراتكم عرض الحائط!!».

نيّة الشركة وتوجهها لفسخ العقد، قادنا إلى سؤال مديرها عن البديل في حال لم يلتزم المستثمر.. فقال: سوف يتم إيقاف تشغيل الباصات القديمة على الخطّ المذكور، نظراً لعدم توفّر عدد كافٍ من السائقين للعمل على الباصات، والواضح أن الشركة تعاني من نقص كبير بعدد السائقين... وعن أسباب ذلك قال عسّاف: الأمر خارج عن إرادتنا أو خارج صلاحياتنا، علماً بأننا نطالب باستمرار، برفد الشركة بسائقين جيّدين، ومؤخراً حصلنا على موافقتين من وزارة النقل، الأولى تقضي بتعيين /130/ سائقاً، والثانية بـ /700/ سائق، وقد مضى على هاتين الموافقتين أكثر من سنة دون أن نرى شيئاً!.. هذا عدا السائقين، الذين تمّ ترشيحهم عن طريق مكاتب العمل، والذي يفوق عددهم أضعاف ما طلبناه، ولكن بالنتيجة لم يستمر معنا إلا /600/ سائق من أصل /800/، وهو عدد غير كافٍ لتشغيل الباصات.

< وردّاً على سؤال بخصوص هروب السائقين من العمل في الشركة، أو ترددهم بالتعاقد معها، نفى عسّاف ذلك، مشيراً إلى أن من ترك العمل كان بحكم إحالته إلى التقاعد، «أما من يتردد، فهذا شأنه.. فنحن قطاع حكومي رواتبنا محددة، وحوافزنا كذلك، ولا نجبر أحداً على البقاء أو العمل عندنا».
< وسألته: على الرغم من حاجتكم الماسّة إلى السائقين، نراكم تفسخون عقود بعضهم.. فما هو السبب؟!.
<< السبب يكمن بسوء الأمانة، حيث ثبت أن هناك العشرات من السائقين، الذين بيتزون المواطنين، فتمّ فصل حوالي /60/ سائقاً عام 2008.. أما هذا العام، فوصل عدد الذين فُسخت عقودهم من السائقين بحدود الـ /10/، وهذا مؤشر إيجابي يدلّ على أخذ العبرة.

< هل تشعرون بأن هناك من يحاول أن يعرقل عملكم، ويفرض عليكم مالا طاقة لكم عليه؟!.
<< بصراحة.. هناك تعاون وثيق بيننا وبين الجهات الوصائية علينا، سواء وزارة النقل أم المحافظة، حيث يُؤخذ برأي المديرية في كل أمر يتعلق بالنقل الداخلي.
< ولكن الواقع يقول: إن المديرية كالشمّاعة، التي تُعلّق عليها أخطاء الآخر بخصوص قضايا النقل الداخلي.
<< هذا الكلام ليس بصحيح.. فنحن نعمل وفق توجّهات تخدم المواطن ومصلحته بالدرجة الأولى.

< كم هي حاجة دمشق من الباصات، وهل شوارعها قادرة على الاستيعاب بشكل يحقق الراحة والأمان؟!.
<< من خلال الدراسات، التي أُجريت على مدينة دمشق، تبيّن أنها بحاجة إلى حوالي /2000/ باص، والمتوفر حالياً وبحالة جيدة أقل من ربع هذا العدد، أي حوالي 20٪.
 أما بالنسبة لقدرة وإمكانية شوارع المدينة على استيعاب الـ /2000/ باص إذا ما توفرت، فأستطيع القول: إنها قادرة عندما يتمّ الاستغناء عن السرافيس، التي يجب الاستغناء عنها، لأنها وسيلة نقل غير حضارية، وغير لائقة اجتماعياً، عدا كونها من أهم أسباب تلوّث البيئة.

< وقلت للمهندس عسّاف: لديكم في المديرية باصات أسوأ فنياً بكثير من السرافيس، وما زلتم تصرّون على تشغيلها.
<< هذا الكلام صحيح، ولكننا مجبرون على ذلك لتأمين حاجة المواطن، الذي نعده باستبدال القديم بجديد في المستقبل القريب، كما وعدت بذلك وزارة النقل.
< هناك من يقول: إننا سنترحّم على السرافيس، بالنظر لعدم تقيّد باصات النقل الداخلي بالفترات والخطوط المحددة لها.
<< أنا لا أنكر بأن عدد الباصات قليل، ولكن لا أوافق على أنها لا تتقيد بخطوطها وساعات عملها.. ولدينا مراقبون لهذه الغاية، لكن تبقى المشكلة في المواطن مع احترامنا له، وأعني أن السرفيس عوّده على الكسل والخدمة من على الباب، غير أن هذا ليس سبباً كافياً لبقاء السرافيس.

< باختصار شديد.. ما هي أهم مشكلات النقل الداخلي؟!.
<< ظاهرة الركوب المجاني، والذي يساعد على ذلك، قِدم الحصالات المركبة في الباصات مند عام 1982، والتي أغلبها لا يعمل، وهذا الأمر شجع أو فسح المجال أمام ضعاف النفوس من المواطنين والسائقين للغش والتزوير.
والمشكلة الثانية.. هي نقص عدد الباصات أمام الطلب المتزايد عليها، وخاصةً الضواحي الريفية القريبة من المدينة، ولكن «ما باليدّ حيلة»، هذه هي إمكاناتنا حالياً.
نأمل أن نكون قد قدّمنا صورةً مقبولةً عن واقع النقل الداخلي في دمشق، الذي بدأ يحظى باهتمام المعنيين في السنوات الأخيرة، ولكن بعد أن طفح الكيل، وضاقت مساحات الحلول المناسبة، ويبدو أننا سننتظر طويلاً حتى يصبح النقل الداخلي ظاهرةً حضاريةً في شوارع مدننا!.

على ذمّة المدير العام

< أكد مدير عام النقل الداخلي، أن الحالة الفنية للباصات الصينية الجديدة جيدة، وتعمل بشكل لائق، وهناك رضا عنها من قِبل المواطنين. وعن مشكلة غلاء قطع الغيار لهذه الباصات.. أشار إلى أن الدفعة الثانية من الباصات، لا تزال ضمن فترة الضمان والكفالة.. أما الدفعة الأولى، فقد انتهت مدة كفالتها أو ضمانها مند أسابيع، وتعمل الشركة الآن على استلامها ضمن الأصول، واعترف بغلاء قطع التبديل، الأمر الذي دفع الشركة إلى البحث عن مصادر أخرى أقل كلفةً من الصين، ونجحت الشركة بذلك من خلال استيرادها من بعض الدول الأوروبية، كما نجحت بتصنيع بعض القطع محلياً، وقد نالت إعجاب الجانب الصيني المورّد للباصات وثقته.
< وذكر عسّاف وجود عدد من الدراسات، يتمّ التشاور والتنسيق بشأنها بين وزارة النقل ومحافظة دمشق، لتخصيص مسارب خاصة لباصات النقل الداخلي، وفي حال نجحت التجربة، سوف يتمّ تعميمها على جميع الخطوط.. ويأتي هذا ضمن توجّه وزارة النقل بتشجيع صاحب السيارة الخاصة على ركوب الباص، عندما تصبح هناك طرق خاصة تؤمّن السرعة والسلامة.
< لدينا في دمشق أربعة خطوط تعمل /24/ ساعةً، بما فيها خطّ عسالي، ركن الدين، ومن يثير الشكاوى حول هذه الخطوط هم أصحاب السرافيس، الذين يحاولون العودة.
< وبخصوص جديد المؤسسة العامة للنقل الداخلي، أكد عسّاف أن وزارة النقل بصدد دعم أسطول النقل الداخلي بـ /150/ باصاً، ستكون حصة دمشق منها حوالي مئة باص، وسيكون لذلك أثر في دعم وتحسين الخدمة على الخطوط ضمن التعرفة الاجتماعية المعتمدة.. وبيّن أن قدوم الباصات الجديدة، لا يعني الاستغناء عن القديمة، بل سيعملان معاً، على الرغم من مساوىء القديمة، ريثما يتوفر البديل الكافي والمناسب.
< كل سائق يربح يومياً بمعدل /200/ ل.س، جرّاء بيع التذكرة، التي تُباع للسائق بـ /9/ ليرات، بينما هو يبيعها بـ /10/ ليرات، وهذا برأي مدير عام الشركة خلق حافزاً عند السائق على المحافظة على الباص، وفي الوقت نفسه، ساهم ذلك بارتفاع قيمة إيرادات الشركة، التي كانت في عام 2008 /9/ ملايين ليرة سورية، وحالياً وصل الإيراد إلى /30/ مليونَ ليرة سورية.

غسان فطوم

المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...