ايران : الرقابة والعفة الفكرية لم تبقيا في المكتبات سوى القرطاسية

30-05-2007

ايران : الرقابة والعفة الفكرية لم تبقيا في المكتبات سوى القرطاسية

عندما انتقلت الى ايران عام 2000 للعمل كصحافي، كنت اتطلع للانتماء الى دائرة ادبية ليست على غرار تلك التي اهتمت بها نساء ازار نفيسي «قراءة لوليتا في طهران»، اللائي عثرن على الراحة من المجتمع السلطوي في عالم الروايات الخيالي.
وكانت اول الانطباعات على عدم نجاح خطتي هي عدم وجود مكتبات بيع الكتب، هناك مكتبات بيع الكتب وقرطاسية او مكتبات بيع كتب ومحلات ألعاب. وتصورت اشهر مكتبات طهران بكتبها القديمة على انها محلات لبيع الأنتيكات. وفي الداخل، كانت المساحة المخصصة للكتب هي ربع المساحة المخصصة للاكلمة، ونباتات الصبار وألعاب الليغو. وذكر لي صاحب مكتبة مؤخرا وهو يتطلع لكتب الرسومات الكارتونية «اشعر بالخجل من وصف نفسي بصاحب مكتبة». وفي خلال الساعة التي قضيتها اتبادل اطراف الحديث معه اتى الناس لشراء بطاريات للساعات وبطاقات عزاء، لم يشتر احد كتابا.
وعندما فشلت في اقناع أي من النساء اللائي اعرفهن بتشكيل نادي للكتاب، بدأت في التساؤل لماذا لا تلعب الكتب دورا مهما في حياة الاصدقاء المثقفين. ولكن خلال الفترات الطويلة التي قضيتها اتجول في المحلات المرتبطة بدور النشر في شارع كريم خان الزاند، بدأت في فهم رفضهم. الكتب التي يطلع عليها الايرانيون لا تؤدي الى مناقشات، الا مع المعالجين النفسيين.
فكتب المساعدات الذاتية وتلك الكتب النابعة عنها مثل الروحانيات الهندية وفينغ شيو تستمتع بأفضل الاماكن في المكتبات. وظهور مثل هذه النوعية من الكتب التي لم تكن موجودة قبل الثورة الاسلامية عام 1979، ربما يشير الى ثقافة تحاول مواجهة انكماش الادوار التقليدية للرجل والمرأة، او مع ارتفاع نسبة الطلاق والجنس ما قبل الزواج. الا ان المثقفين الايرانيين يسرعون بالاشارة الى «القهر الثقافي والازمة النفسية» كما اوضح رئيس تحرير مجلة ثقافية لي، او كما وضعها صديق يملك مكتبة لبيع الكتب: الايرانيون «فقدوا عقولهم». وادى نجاح ترجمات مثل «الرجال من المريخ والنساء من الزهراء»، قد ادى الى ظهور مجموعة من الكتاب المحليين الذين يتخصصون في تقديم النصائح الثقافية المحددة. وعنوان كتاب انتشر انتشارا كبيرا «رجاء لا تكن خروفا» لمحمود ناماني مستعار من عالم الاجتماع الاسلامي علي شريعتاري الذي ساهم في انطلاق الثورة. وعندما لا يطلع الايرانيون على كتب اليأس او الترتيبات المنظمة للمستقبل، فهم ينجذبون الى القصص الشعبية عن الحياة الاسرية والفضيلة والحب من طرف واحد. وبعد الثورة التي خلقت طبقة من النساء المتعلمات بدون اندية اجتماعية او مراكز ثقافية، تضخم سوق القصص الشعبية للنساء. وزاد الطلب على كتب مترجمة مثل كتب دانييل ستيل ونظرائها الايرانيات، مثل فهيمة رحيمي وام موادابور، لم تظهرا على شاشات التلفزيون (يستخدم التلفزيون في ايران لترويج ايديولوجية الدولة والصابون والأرز). واكثر الروايات شعبية في العقدين الاخرين هي رواية فاتنة حاج سيد جوادي «صباح كسول». وتدور أحداثها حول اسرة ارستقراطية عاطلة عن العمل في عهد القجار في القرن التاسع عشر، وقد بعد 185 الف نسخة وهو عدد لم يسمع به من قبل، منذ عام 1998 وادت الى عشرات من الاعمال المقلدة.
وعندما وصلت قبل سبع سنوات، كان الكتاب والناشرون يتكنون بنفس التوقعات بخصوص الموت المتوقع للقراءة الذي يتردد كثيرا في الولايات المتحدة. وفي امة من 70 مليون نسمة ونسبة الامية 20 في المائة فقط وتقاليد ادبية تعود لقرون، فإن مبيعات تصل الى 40 الف نسخة من الكتب الشعبية وما يتراوح بين الفي وخمسة الاف للروايات والاعمال الادبية غير الروائية ـ هو رقم ضئيل. وطبقا لمحمد رضا نعمتبور من دار نشر «ناشر الناي» فإن المبيعات بدأت في الانخفاض منذ عام 1979. وبالرغم من اسعار الكتب ليست غالية، فلا يزيد ثمن الكتب عن ثمن ساندوتشين» ـ فإن الحياة العامة لا تشجع الاطلاع. فلا توجد الا عدة مكتبات عامة ولا مسابقات للقراءة في المدارس وعدم ترويج الكتب. وحتى الحكومة بدأت في الشعور بالقلق. فقبل انعقاد سوق الكتاب الايراني في اوائل اشهر الحالي نشرت الصحيفة الحكومية «ايران» نقدا بعنوان «فلنتعلم كيف نقرأ».
وفي الفترة ما بين عامي 1999 الى 2002، خلال رئاسة الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي الذي كان رئيسا للمكتبة الوطنية الايرانية، يبدو ان ايران كانت تمر بمرحلة بعث ادبي. فقد بدأت دور النشر ذات المحلات الخاصة في الاستثمار في ديكورات جديدة، واضاءة افضل ومقاه. وكنت التقى بالاصدقاء لاحتساء القهوة واستعارة المجلات واخذ عدة كتب، والتي تحسنت اغلفتها.
ولكن مثل مرحلة خاتمي كلها، بدأ ربيع طهران الادبي نفسه يتلاشى. ونشر عدد من الصحافيين المستقلين عدة كتب جريئة اهمه كتاب اكبر غانجي «منزل الاشباح الاسود» الذي لمح الى مشاركة عدد من كبار المسؤولين في قتل المثقفين في اواخر التسعينات. ولكن المؤسسة المتشددة ضربت بيد من حديد ودخل عدة صحافيين ومؤلفين السجن، واغلقت العديد من مقاهي المكتبات بحجج متعددة. وتعرضت وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي الى انتقادات لتخفيف المستويات وبدأت في فحص الكتب قبل السماح بنشرها.
وتفحص الوزارة نصوص المؤلفات بحثا عن المخالفات الدينية والموضوعات الاوروتيكية. واليوم، اذا ما تم اقرار قصة، فإن معظم الايرانيين يعتقدون انه تم التلاعب بها وانه من الافضل البحث عن اعمال من عصر الشاه او نسخ من افلام تباع سرا. وحتى في الاعمال الروائية يجب التزام كل العلاقات بالقوانين الاسلامية. وفي احدث نسخة من «مدام بوفاري» على سبيل المثال تم تجاهل ارتكاب ايما للزنا. بينما تتحول الشخصيات التي تشرب الشمبانيا او الويسكي الى شرب مشروبات غير كحولية.
وفي بعض الاحيان، تتمكن قصة محلية من الالتزام بالمستويات الاسلامية. فرواية سيدة غود «كيميا خاتون» التي تدور حول حياة شمس التبريزي الصوفي الذي الهم شعر الرومي من وجهة نظر زوجته، هي مثال على ذلك. فقد نشرت عام 2004 واثارت ضجة كبيرة بسبب وجهة نظرها النسائية والاشارات الجريئة الى ان النساء في حياة اعظم شخصية ادبية فارسية، كنا يفضلن الوجود في مكان اخر.
وبالرغم من ذلك، فإن كل رواية ناجحة، يوجد 10 روايات لا توافق عليها الرقابة، او لا تنشر. وفي بعض الحالات تحظر السلطة نشر الكتب بعد الموافقة عليها. ونتيجة لذلك فإن العديد من الناشرين يترددون في اصدار اعمال جديدة. البعض ابتعدوا عن الاعمال الادبية المعاصرة.

ازاده موافني
المصدر: الشرق الأوسط

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...