العولمة وحقوق الإنسان

28-08-2006

العولمة وحقوق الإنسان

هذا الموضوع متعدد الجوانب.. ويتضمن العديد من النواحي الاقتصادية والبيئية والثقافية والاجتماعية وغيرها.. إضافةً إلى النواحي السياسية والقانونية، وان تعدادها فقط ووصفها الموجز يتطلب تخصيص بروشور كبير، ومع ذلك هناك منارات ارشادية يمكن الاستدلال بها في هذا الموضوع.
جاء التأكيد، مثلاً في التقرير السنوي «فريدوم هاوس» الذي نُشِر في كانون أول عام 2005... إن 46٪ من سكان العالم ( وهذه النسبة تُعد ثلاثة مليارات نسمة!) يعيشون الآن فيما يُسمى بالبلدان «الحرة» أيّ في ظروف «المنافسة السياسية المفتوحة واحترام الحقوق والدرجة الكبيرة لتطوّر المجتمع ووسائل الإعلام المستقلة»، فمنذ ثلاثة عقود في عام 1973، عندما كان العالم مقسّماً إلى مجالات تأثير وكان يحلم بالعولمة..  عاش 35 ٪ من البشرية فقط في ظروف مثل هذه الحرية حسب معطيات هذا التقرير نفسه، أيّ أقل من ثلثها، أيّ ما كان متبعاً تسميته «بالمليار الذهبي» وبعبارة أخرى فإنه منذ ان أعلنت العولمة بقوة عن نفسها، تضاعفت كثيراً حصة المجتمعات المدمقرطة.. وبالتالي إن العلاقة بين العولمة وحقوق الانسان موجودة، وهذه العلاقة إيجابية من حيث الأساس.
والتغيّرات الأخرى ممتعة أيضاً: لقد تقلصت حصة البلدان التي وصفها تقرير «فريدوم هاوس» بـ «اللاحرة» من 47 ٪ إلى 36 ٪، أما حصة الحكومة الديمقراطية في العالم فوصلت إلى 46 ٪، هذا يعني ان ثلثي حكومات الدول الاعضاء في الأمم المتحدة تقريباً.. تُعتبر اليوم ديموقراطية.. بناءً على معايير المنظمة الدولية غير الحكومية المتشددة جداً، وهذا رقم قياسي دولي عام فعلاً، علماً بأن هناك أسساً للاعتقاد بأن هذا الرقم سوف يتم تجاوزه في السنوات القليلة القادمة.
وغالباً ما يُنظر إلى تفاعل العمليات المرتبطة بالعولمة من جهة، وإلى سيادة الدول من جهة أخرى، كأحد تناقضات العالم المعاصر، وان العديد من الدول ذات السيادة قد وضعت فعلاً ولفترة طويلة استقلالها المطلق على رأس الأولويات، ولذلك أعلنت عن ان حماية حقوق الانسان على أراضيها تُعد من شؤونها الداخلية، وان هذه الحالة لاتزال قائمةً حتى الآن في العديد، والكثير من المناطق بدرجة كبيرة، وأضاءت وسائل الإعلام العالمية والاوروبيةفي الاعوام الأخيرة وبشكل واسع المصادمات خلال جلسات البرلمان الاوروبي عندما كان يدور الحديث مثلاً حول حقوق الانسان في روسيا، والمجتمع الدولي يعرف أقل بكثير عن الموقف التمييزي تجاه اللغة الروسية في أوكرانيا، حيث يُشكّل السكان الناطقون بالروسية حوالي نصف السكان هناك، أو عن المضايقات التي يتعرض لها الروس في بلدان البلطيق، حيث الاقلية القومية الأكبر التي يصل تعدادها عشرات الآلاف تتمتع بوضع «اللامواطنة».
وإن انضمام دول البلطيق إلى الاتحاد الاوروبي، ومحاولات تعاملها مع المجال القانوني والثقافي الاوروبي الموحد.. يعطي الأمل بأن يتغيّر وضع حقوق الانسان في هذه البلدان نحو الأفضل.
معروف ان العولمة في العالم المعاصر تجري في الوقت نفسه مع عملية الأقلمة، أيّ مع تعامل مناطق العالم الكبرى الثقافية والاقتصادية والقانونية وغيره، ومن وجهة النظر هذه يمكن النظر إلى التعامل الاوروبي، الذي لا يتضمن العمليات التي تحدث على أراضي الاتحاد الاوروبي وحسب، بل وأوسع من ذلك، في المجالات الهائلة الممتدة حتى جبال الاورال وسلسلة جبال القوقاز الكبرى، وحتى تتخطاها كجزء من عمليات العولمة العامة والشاملة.
ان اوروبا المأخوذة ضمن هذه الحدودالواسعة هي المكان المناسب أكثر لتحقيق حقوق الانسان، فإن التجربة التاريخية الفنية والارادة العامة والمؤسسات الدولية والوطنية الفاعلة بما يكفي.. تسمح بدعم النظام الحقوقي الذي يستجيب إلى أقصى حدّ لمتطلبات الوثائق الدولية الاساسية الخاصة بحقوق الانسان.
لم يكن هذا الوضع متوفراً دائماً بالطبع في اوروبا، ففي القرن الماضي فقط شهدت هذه القارة أكبر حربين عالميتين ودمويتين في تاريخ البشرية، وقضت على النازية التي أخذت تُحوّل أراضيها إلى ساحة مشاريع وخطط.. ملؤها الكراهية للبشرية، وشهدت أيضاً ضعفاً، وقد وُضِع الميثاق الخاص بحقوق الانسان في اوروبا بصورة جوهرية في النصف الثاني من تسعينيات القرن الفائت، عندما تم توسيع الاتحاد الاوروبي على حساب اعضاء جدد من اوروبا الشرقية... وفي عام 1998 أُضيف البروتوكول /رقم 11/ إلى المعاهدة الاوروبية حول حماية حقوق الإنسان والحريات الاساسية.. الأمر الذي أعطى امكانية إعادة هيكلة المحكمة الدولية الخاصة بحقوق الانسان.
 وقد انتشرت دائرة اختصاص هذه المحكمة على كل الدول الاعضاء في المجلس الاوروبي، وهكذا لم تكن حقوق الانسان في الدول الاوروبية معلنةً فقط، بل وحصلت على حماية قانونية فوق قوانين الدول الوطنية، وحصل كل اوروبي على امكانية تحقيق حقوقه ضمن أُطر الإجراء القانوني الدولي.. وإن قرارات المحكمة تُعد ملزمةً لكل الدول الاعضاء في المجلس الاوروبي وتُمثل مصدراً من مصادر قانون الدولة الداخلي.
وهناك عمل كبير في مجال ملاءَمة التشريعات الوطنية مع معايير القانون الدولي، وهذه السياسة سوف تستمر دون شك أيضاً مع رئاسة روسيا للجنة وزراء مجلس اوروبا، التي بدأت منذ مدة قصيرة.


عن «ريا نوفوستي» 

المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...