أميركا وإيران.. “شراكة” في منع الحرب الإقليمية!    

22-11-2023

أميركا وإيران.. “شراكة” في منع الحرب الإقليمية!    

«الحركة اتخذت قرار الهجوم على إسرائيل من دون أن تبلغ به إيران، وتالياً فإن طهران لن تدخل الحرب نيابة عن “حماس”، مع استمرار الدعم المعنوي والسياسي للحركة» هذا ما أسّر به مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي لرئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية لدى استقباله في طهران أوائل تشرين الثاني/نوفمبر وفقاً لما سربته وكالة “رويترز” .

ومنذ اليوم الاول لهجوم “حماس” على مواقع عسكرية إسرائيلية ومستوطنات في غلاف غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حرصت الولايات المتحدة على ترداد بأن لا دليل لديها على أن طهران كانت على علم بالهجوم، مع دون أن يلغي ذلك مسارعة الرئيس جو بايدن إلى إرسال حاملتي طائرات وأنظمة صاروخية للدفاع الجوي إلى الخليج وشرق المتوسط ونحو 3 آلاف من مشاة البحرية. كل ذلك ترافق مع تحذير أطلقه بايدن لخامنئي بالاسم من مغبة الإقدام على توسيع الحرب. سيل التهديدات الأميركية لإيران ليس حكراً على إدارة بايدن، فهذا السناتور الجمهوري المتشدد ليندسي غراهام يعتزم التقدم بمشروع قرار يُلزم البيت الأبيض بالرد داخل إيران إذا ما انضم “حزب الله” وإيران إلى الحرب على نطاق واسع. والسناتور الجمهوري الآخر مارك روبيو يُشكّك في ما إذا كان ما أرسله البنتاغون من تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، كافياً لردع إيران وثنيها عن الانضمام إلى الحرب.

أضحى تفادي توسع حرب غزة مصلحة أميركية، كما هو مصلحة إيرانية، وذلك على قاعدة شهيرة: يربح الحرب من لا يخوضها مما شك فيه، أن الهم الإيراني منذ اليوم الأول للحرب، هو كيفية إقامة توازن بين الخطاب المتشدد حيال إسرائيل ودعم محور المقاومة من جهة، وبين ضبط “الساحات” وعدم التدحرج نحو حرب شاملة في المنطقة من جهة ثانية. 

ربط المسؤولون الإيرانيون بين عدم توسع الحرب ووقف الهجوم الإسرائيلي على غزة، وأكدوا أكثر من مرة إن أقرب الطرق لعدم الوصول إلى الانفجار الشامل، يكمن في ضغط اميركا على إسرائيل، كي توقف الإبادة في غزة. كلام وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان لصحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية كان واضحاً :”أبلغنا الولايات المتحدة أن إيران لا تريد انتشار الحرب، ولكن أي خيار يصبح ممكناً.. في حال عدم توقف الجرائم ضد سكان غزة والضفة الغربية”.حتى تاريخه، الحرب في غزة لم تتوقف. وكذلك هجمات “حزب الله”من لبنان، واستهداف القواعد الأميركية في العراق وسوريا مستمر، وكذا يصح القول عن “أنصار الله” في اليمن.

ويتخلل ذلك رد أميركي “موضعي” على فصائل متحالفة مع إيران في سوريا. ذلك لا يرقى إلى الحرب الشاملة التي رسم جو بايدن خطاً أحمر أمام نشوبها، وليتلاقى مع الرغبة الإيرانية في عدم اندلاع نزاع إقليمي واسع. هكذا تفهم مشاركة الرئيس إبراهيم رئيسي في القمة العربية-الإسلامية في الرياض في 11 تشرين الثاني/نوفمبر والموافقة على بيانها الذي تضمن الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس. وكذا يفهم من المعلومات التي سُربت إلى “رويترز”، برغم صدور نفي لها من حركة “حماس” وتجاهل تأكيدها أو نفيها من الإيرانيين، وأيضاً لا يمكن إلا التوقف عند كلام ظريف في هذه المرحلة وعن ضرورة الحفاظ على الطابع الفلسطيني للصراع مع إسرائيل وعدم تحويله نزاعاً إقليمياً وصراعاً على النفوذ في المنطقة أو إظهار “حماس” بأنها تعمل بالوكالة عن إيران. وهذه نقطة غاية في الأهمية وتتفادى إلحاق مزيد من الضرر بالقضية الفلسطينية.

هنا يشبه كلام ظريف كلام الرئيس سابقاً محمد خاتمي إبان الإحتجاجات الواسعة التي تلت وفاة الشابة مهسا أميني في مركز للشرطة في أيلول/سبتمبر 2022، عندما دعا إلى ضرورة التفكير بادخال إصلاحات اجتماعية وعدم تجاهل مطالب المحتجين. ليس من دون دلالة أن تسمع أصوات التيار الإيراني المعتدل في أوقات الأزمات الصعبة. وقبل حدث 7 تشرين الأول/أكتوبر في غزة، كانت العلاقات الأميركية-الإيرانية تشهد انفراجاً ملحوظاً عقب صفقة تبادل السجناء وإفراج واشنطن عن ستة مليارات من الودائع الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية، بوساطة قطرية وعُمانية وكذلك بعض الدول الأوروبية. وتلا ذلك تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية أفاد عن إبطاء إيران وتيرة تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة. بدا ذلك، وكأنه مؤشر إلى احتمال نجاح الخيار الديبلوماسي في التوصل إلى اتفاق مؤقت بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي الإيراني مترافقاً مع خفض التوتر الإقليمي.

وفعلاً، كانت هجمات الفصائل العراقية على المصالح الأميركية قد توقفت في الأشهر التي سبقت حرب غزة. وعلى الضفة الاخرى، تنظر إدارة بايدن إلى إيران بصفتها جزءاً من محور يمتد إلى روسيا والصين وكوريا الشمالية. وإذا كانت واشنطن تفضل عدم الدخول في حرب مباشرة مع طهران، فذلك كي لا تزداد الإنشغالات الأميركية في العالم، من غزة إلى أوكرانيا إلى تايوان، بينما فتح جبهة في إيران ستكون له عواقب كارثية على الأطراف جميعاً.

ووقت تتعدد التحديات في مواجهة الولايات المتحدة، يُنوّه مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان بصوابية قرار بايدن بالإنسحاب من أفغانستان في 2021، ليتساءل عما سيكون عليه الحال لو انفجرت الحرب الروسية – الأوكرانية بينما الجنود الأميركيون يخوضون حرباً مع “طالبان”، وهل كانت الولايات المتحدة ستتمكن من تقديم المساعدات العسكرية والإقتصادية الضرورية لكييف كي تتصدى للغزو الروسي؟ اليوم، ينشد بايدن “تهدئة” الخلافات مع الصين، كي لا تنفجر تايوان وبحر الصين الجنوبي. هذا فحوى قمة سان فرانسيسكو بين بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ والتي كان إنجازها الأبرز استئناف الإتصالات العسكرية بين الجيشين الأميركي والصيني.

وعليه، أضحى تفادي توسع حرب غزة مصلحة أميركية، كما هو مصلحة إيرانية، وذلك على قاعدة شهيرة: يربح الحرب من لا يخوضها. ويرى الباحث الإيراني في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية راي تقية “أن المسألة النووية تبدو متمتعة بحصانة حيال كل الضغوط الأخرى وكل الاعتبارات الأخرى. أظن أن هذه المقاربة للحد من التسلح ستستمر معنا لبعض الوقت”.

وتستنج مجلة “الإيكونوميست” البريطانية أن الحرب في غزة جعلت اتفاقاً أميركياً-إيرانياً يبدو أكثر ضرورة من أي وقت مضى، لكنه في الوقت نفسه أكثر صعوبة من المتخيل. صحيح أن ثمة غلياناً في المنطقة، ولا يمكن الركون إلى ما يمكن أن يؤدي إليه أي خطأ في الحسابات، لكن التوتر ما يزال مضبوطاً من دون بلوغ حدود الانفجار الشامل.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...