البحث عن الكواكب الشبيهة بالأرض

29-04-2023

البحث عن الكواكب الشبيهة بالأرض

مع ازدياد عدد الكواكب المكتشفة خارج مجموعتنا الشمسية في درب التبانة، علينا أن نكون انتقائيين حيال الكواكب الخارجية التي نختارها للبحث عن إشارات للحياة.

حدد فريق من علماء الفلك بقيادة آنا شابيرو من معهد ماكس بلانك لأبحاث المجموعة الشمسية في ألمانيا خيارات بحثهم؛ إذ أفضى تحليل جديد إلى أن الكواكب الخارجية الشبيهة بالأرض ذات الكمية القليلة من المعادن نسبيًا التي تدور حول نجوم شبيهة بالشمس خارج المجموعة الشمسية تبدو محمية أكثر من الإشعاعات فوق البنفسجية الضارة التي يمكن أن تعيق تكوّن الحياة بالضرر الجينومي الذي يمكن أن تُحدثه.

قد يبدو هذا غير متوقع لأنّ النجوم ذات المحتوى المعدني المنخفض ينبعث منها مزيدٌ من الأشعة فوق البنفسجية، لكن عمل الفريق يشير إلى أن الكواكب الخارجية ذات المحتوى الكبير من الأكسجين في غلافها الجوي تملك طبقة أكثر سماكًة من طبقة الأوزون، ما ينجم عن ذلك عالَم يدور حول نجم فقير بالمعادن ويكون محميًا أكثر من تلك الكواكب الغنية بالمعادن.

ورد في بحثهم: «تشير أبحاثنا إلى أن الكواكب التي تستضيفها نجوم ذات خواص معدنية منخفضة تُعدّ الخيار الأفضل للبحث فيها عن إشارات للحياة المعقدة».

لا تتكوّن كلّ النجوم بالطريقة نفسها، إذ يمكن أن تكون صغيرة وباردة وخافتة، أو يمكن أن تكون كبيرة وساخنة ومشتعلة. ومع امتلاكها بعض العناصر الأساسية المشتركة، يمكن أن يكون تركيبها الكيميائي مختلفًا جدًا، ومردّ ذلك يعود إلى المراحل المبكرة جدًا من تاريخ الكون، إذ لم يكن للعناصر الثقيلة وجود، بل كان عنصرا الهيدروجين والهيليوم موجودان بوفرة.

كما تكوّنت النجوم الأولى التي تضغط الذرات معًا في نَوَياتها الضخمة لتكوّن ذرات أكبر وأثقل.

وبموت هذه النجوم، كوّنت عمليات الانصهار النجمي عناصرَ أثقل وقذفتها نحو الفضاء ليُستحوذ عليها لتكوين نجوم جديدة من سُحب الغبار بين النجمي.

تؤثر هذه العناصر في الإشعاعات الناتجة من النجم وتُغيّرها؛ إذ تُطلق النجوم ذات النسبة الكبرى من العناصر الأثقل من الهيدروجين والهيليوم أو العناصر ذات الخواص المعدنية العالية كمية أقل من الإشعاع فوق البنفسجي مقارنًة بالنجوم المكوّنة من عناصر أخف. ونعلم من خلال حياتنا على كوكب الأرض كيف أنّ الإشعاع فوق البنفسجي يُضرّ بالكائنات الحية الدقيقة التي تعيش على اليابسة مسببًا أضرارًا عدّة في حمضها النووي.

لم يُكتشف أثر التعرض للإشعاعات فوق البنفسجية في قابلية العيش في الكواكب الخارجية، لذا اتخذت شابيرو وزملاؤها من الأرض أُنموذجًا لأبحاثهم.

يمكن لحضارة خارجية تنظر إلى المجموعة الشمسية من مسافة بعيدة أن ترى أنّ الأرض غير صالحة للحياة؛ إذ إنّ مستويات التعرض للإشعاع فوق البنفسجي ذات الأطوال الموجية ضمن نطاق UV-B و UV-C تكون كما يقول الباحثون أعلى من المستوى المسموح به للحياة الأرضية.

لكن غلافنا الجوي يمنع وصول معظمها، من بينها الأكسجين الموجود في الغلاف الجوي العلوي الذي يمتص معظم الـ UV-C، وطبقة الأوزون الموجودة في الغلاف الجوي المتوسط الذي يمتص الـ UV-B.

تُسهم الأشعة فوق البنفسجية في تكوين وتدمير الأوزون؛ إذ إن الأطوال الموجية الأقل من 240 نانومتر تُفكّك جزيئة الأكسجين O2 إلى ذرة أكسجين وليدة O التي تصطدم وترتبط مع جزيء أكسجين لتكوّن جزيئة أوزون O3. والأطوال الموجية الأطول تُفكّك جزيء الأوزون بآلية التحلّل الضوئي. أمّا ذرات الأكسجين الناتجة يمكنها الاتحاد مجددًا لتكوّين جزيئة أكسجين O2.

تُؤثر عوامل عدّة في إنتاج النجم للإشعاع فوق البنفسجي، بما في ذلك خواصه المعدنية وحرارته، لذا عملت شابيرو وفريقها على عوالم شبيهة بالأرض تدور حول نجوم شبيهة بالشمس، وعدّلت العوامل المؤثرة في الإشعاع فوق البنفسجي لمعرفة تأثير ذلك في قابلية الحياة في الكواكب الخارجية، ولكن على نحوٍ مُعاكسٍ تمامًا لما افترضته، فالنجوم ذات الخواص المعدنية الأقل مع إشعاع فوق بنفسجي أكثر تميل إلى امتلاك عوالمَ قابلة للحياة فيها.


يُعزى ذلك إلى طريقة تفاعل الإشعاعات فوق البنفسجية مع الأكسجين في الغلاف الجوي التي كوّنت درعًا أفضل، ما أدى إلى وصول كمية أقل من الإشعاع إلى سطح الكوكب الخارجي.

وكتب الباحثون: «من المفارقات أنّه في حين أن النجوم ذات الخواص المعدنية العالية -التي ظهرت في وقتٍ لاحقٍ من تاريخ الكون- ينبعث منها مقدارٌ أقل من الأشعة فوق البنفسجية، لكن طيف الإشعاعات النجمي يُقلل من تكوّن الأوزون في الأغلفة الجوية للكواكب الغنية بالأكسجين، الأمر الذي يُعزّز من اختراق الأشعة فوق البنفسجية ما يجعل الظروف أقل ملائمة للمحيط الحيوي في الكواكب التي تدور حول تلك النجوم».

وأضافوا: «هكذا وجدنا أن سطوح الكواكب التي تدور حول النجوم الغنية بالمعادن مُعرّضة لإشعاعات فوق بنفسجية أكثر كثافة من سطوح الكواكب التي تدور حول النجوم الفقيرة بالمعادن. ولهذا السبب، فإن الكواكب الخارجية الموجودة في المناطق الصالحة للحياة هي من النجوم ذات الخواص المعدنية المنخفضة هي الخيار الأمثل للبحث عن الحياة المعقدة على اليابسة».

نتيجةً لما تقدّم، لا تكفي القدرة على استبعاد النجوم ذات الخواص المعدنية العالية حتى الآن، لكن تحليل ماهية الغلاف الجوي المحيط بالكواكب الخارجية وتوصيفها باستعمال أدوات مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي سيساعد العلماء على معرفة ما إذا كانت نتائجهم تسير على النحو الصحيح، الأمر الذي يجعلنا نقترب قليلًا من العثور على إشارات للحياة في عالمٍ خارجي.


ترجمة: فواز السيد

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...