الإقبال على التقسيط كتأجيل مواجهة الحقيقة

26-08-2010

الإقبال على التقسيط كتأجيل مواجهة الحقيقة

يعتبر نظام البيع بالتقسيط أحد الحلول التي يلجأ إليها المستهلكون من جهة لتأمين احتياجاتهم والمؤسسات التجارية العامة والخاصة من جهة أخرى لتصريف منتوجاتها، فاستشرت هذه الظاهرة حتى أصبحت مقولة إن التقسيط (من الأسوارة حتى السيارة) أشهر المقولات الشائعة، وبينما تختلف الأسباب التي تؤدي إلى ذلك والتي يرجعها البعض إلى ضعف القوة الشرائية لدى المستهلك بينما أرجعها البعض الآخر إلى الركود الذي تعاني منه الأسواق والتجار بشكل عام فإن البعض يعيدها إلى عادات نسائية سببها حب سيدة المنزل إلى التفاخر ومجارات ما تملكه مثيلاتها في بيوتهن حتى لا تعطي مجالاً لإحدى الجارات (بشوفة الحال) وخصوصاً أن النسبة الأكبر من السلع التي يتم شراؤها بالتقسيط هي الأدوات الكهربائية والأثاث المنزلي وهي سلع تستخدمها المرأة في حياتها اليومية وتعتبرها ضرورات منزلية، وخصوصاً أن الإغراءات في هذا الاتجاه أصبحت كثيرة فكل يوم تواجهنا الكثير من العبارات الرنانة، التي نعجز في كثير من الأحيان عن إبعادها عن مساحة تفكيرنا مثل: من دون دفعة أولى... بالتقسيط المريح.... الدفعة الأولى علينا والباقي عليك... الفوائد صفر والقسط الأول بعد ثلاثة أشهر... والتقسيط بسعر النقدي... وغيرها من العبارات التي حتى وإن نجحنا بإبعادها عن مسحة تفكيرنا فإن ضغط الحاجة يعيدنا للتفكير بها وعلى الرغم من أن فكرة البيع بالتقسيط ليست جديدة على المجتمع السوري عموماً وذوي الدخل المحدود خصوصاً، أو حتى فئة الموظفين تحديداً فهاتان الفئتان موجودتان في أغلب مناطق دمشق وأحيائها وحاراتها وشوارعها وفي أغلب هذه الشوارع والحارات بقالون ولحامون غالباً ما تكون أسماؤنا مدونة في دفاترهم نسدد ما ترتب علينا فيها مع بداية كل شهر، لكن ما يستحق التوقف عنده هو اتساع هذه الظاهرة وشموليتها لكل احتياجاتنا الاستهلاكية والمنزلية.

- توسع عملية البيع بالتقسيط من إمكانية تلبية احتياجات المواطن إذ إنه يستطيع شراء عدة أدوات منزلية مقابل أقساط يرى أنه قادر على دفعها، وفي الوقت نفسه لا تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهله كما لو قام بتسديد ثمن سلعة واحدة دفعة واحدة وخصوصاً أن بعض التجار يلجأ إلى اتباع أساليب تريح المستهلك كالدفعات الأسبوعية أو الشهرية أو كما يحصل في الأعياد حيث تسعى الشركات لتصريف أكبر قدر ممكن من بضائعها ليقينها أن المستهلك قد ينتظر مناسبات كهذه تقدم فيها الشركات عروضاً وتنزيلات فيستغل هذه المناسبة لشراء سلعة هو بحاجة إليها.

- مع ازدياد المنافسة في السوق السورية لجأ أصحاب الشركات والمحال التجارية في الفترة الأخيرة نحو التقسيط المريح، والتساهل في الشروط، الأمر الذي أدى إلى زيادة الإقبال نحوها، فقد كان التقسيط في البداية محصوراً بالموظفين الحكوميين، وذلك لضمان سداد الأقساط، حيث تتم مطالبة الموظف بكتاب رسمي من دائرته بأنها الضامن للدفع، يقول أبو علاء كرباج صاحب صالة عرض أدوات كهربائية في جرمانا: عندما وجدنا الإقبال ضعيفاً ومحصوراً بفئة محددة عمدنا إلى شمول شرائح أخرى وإلغاء نسبة الفائدة وأعلنا البيع بسعر النقدي وشيئاً فشيئاً رفعنا شرط التوظيف وأصبحنا نقسط لكل الشرائح. أمر يؤكده أبو علي عدنان العامل في إحدى الجهات الحكومية الذي يبين أن أكثر من 75% من راتبه الشهري يذهب إلى أقساط الأدوات الكهربائية التي اضطر لشرائها بعد انتقاله إلى منزله الجديد الذي صرف عليه كل مدخراته.
يقول شادي العامل في إحدى صالات العرض في المجتهد التي تعرض التلفزيونات بأحجام مختلفة ومن النوعين العادي والبلازما التي أصبحت معلقة على جدران الكثير من البيوت وكذلك الثلاجات والطباخات والمكانس والمراوح والمكيفات الكهربائية وغيرها وحتى الموبايلات: إن آلية التقسيط لغير الموظفين تقوم على البيع بكفالة محل تجاري للزبون أو لأحد معارفه حيث يقوم مندوب الشركة بزيارة المحل وتقييم مدخوله وبناء على هذا التقييم الذي يكون على مسؤولية المندوب نقوم بإعطاء القطعة المراد تقسيطها للزبون بعد أن يكون الكفيل قد وقع على العقد المبرم معنا، فإذا كان سلوك هذا الزبون لا شائبة عليه وسدد جميع الأقساط المطلوبة في وقتها نقوم برفع التعامل معه إلى درجة أكبر من المرة الأولى فإذا كان قد اشترى قطعة واحدة في المرة الأولى تقسيطاً فإنه في المرة الثانية قد نبيعه قطعتين أو ثلاثاً.

- البيع بالتقسيط يقدم للمستهلك ميزة امتلاك السيارة بشكل رسمي وتسجيلها باسمه بعد أن يقوم بسداد الدفعة الأولى التي تختلف من شركة إلى أخرى ومن نوع سيارة إلى أخرى، ومن ثم يختلف القسط الشهري الذي يجب على المستهلك دفعه كما تختلف أيضاً الآلية المتبعة لذلك حسب رغبة الزبون، فالبعض يقوم بالسداد مباشرة إلى الشركة، على حين يقوم البعض الآخر باللجوء إلى البنوك على اختلاف أنواعها الخاصة والعامة التي تقوم بشراء السيارة من الشركة المستوردة وبيعها إلى المستهلك، الذي يقوم بدفع دفعة أولى أيضاً تختلف باختلاف البنك والشروط التي يعتمدها في هذا النوع من التعاملات ليبقى الشيء المشترك بين جميع هذه الأطراف أنها تضع إشارة رهن على سجل السيارة حتى يتم تسديد كامل أقساطها حيث استحوذت هذه الطريقة على فكر الكثير من الأسر ذات الدخل المحدود التي حاصرها غلاء المعيشة، وطوقتها أعباء الديون فوجدت في التقسيط حلاً سحرياً تخرج فيه من أزمتها في طريق بحثها عن لقمة عيش شريفة وأبو محمد صالح مثال واضح على ذلك فبعد سنتين من العمل سائقاً على تكسي أجرة ليست ملكاً له، أخذ قراره بشراء سيارة عمومية خاصة به وقال لنفسه فلأتعب خمس سنوات أفضل من أن أتعب العمر كله فجمع مدخراته وباع ما وجد من ذهب لدى زوجه واشترى سيارة سابا منذ ثلاث سنوات، ويؤكد أنه وعلى الرغم من عمله المتواصل صباحاً ومساءً فإنه لا يندم ولو للحظة واحدة على قراره، فقد أصبح سيد نفسه وسيصبح حراً أكثر بعد سنتين، عندما يسدد آخر قسط من أقساط السيارة. فرحة وتنهيدة نراها في وجه السائق أبو وليد الذي يؤكد أنه ملك زمانه بعد أن أصبحت سيارة الأجرة التي يعمل عليها ملك له بعد أن سدد آخر أقساطها منذ أشهر.

- بعض المستهلكين يفرح بشراء الجديد بالتقسيط وينسى أنه سيدفع ثمن هذه الفرحة باهظاً إذا لم يستطع التسديد وخصوصاً من يشتري سيارة وينسى أن المسألة ليست في قدرته على شرائها أو دفع أقساطها بل أيضاً في مصروفها الشهري فوسطي استهلاكها يتراوح بين 4-8 آلاف ليرة شهريا أمر قد لا يستطيع دفعه من يدفع قسطاً شهرياً يتراوح وسطياً بين 10-15 ألف ليرة ما دعا البعض إلى صف السيارة أمام البيت والتمتع بالنظر إليها وانتظار نهاية الأسبوع، من أجل مشوار عائلي إلى قاسيون أو طريق المطار كما تقول سهير، وهي تنظر إلى زوجها الذي يستدرك ليقول كان حلمي بيتاً وسيارة وبعد أن سددت جميع أقساط البيت للبنك العقاري، قمت بشراء السيارة، صحيح أن أقساطها مقبولة وأنا قادر على دفعها لكني أستمتع بتحقيق حلمي نهاية كل أسبوع.

- التقسيط ليس محصوراً بالموظف أو صاحب الدخل المحدود فالتجار أيضاً يقسطون لبعضهم البعض فهناك تاجر الجملة وتاجر النصف جملة وتاجر المفرق وهذه التصنيفات تأتي حسب علاقة التجار بالشركات الأم للمنتجات فإذا كان هناك وسيط بين تاجر التقسيط والشركة الأم فستتضاعف الأسعار لديه لأنه يدفع ربحاً للشركة وربحاً للوسيط ومن ثم فإن الزيادة يدفعها حكماً المستهلك، الأغنياء أيضاً يلجؤون إلى التقسيط، كما أن نظام البيع بالتقسيط يعد حلاً رائعاً لمن يتمنى شراء سلعة وهو قادر على شرائها نقداً ولكنه قادر أيضاً على إدارة أمواله واستثمارها، وبالتالي يحصل على السلعة التي يريدها وفي نفس الوقت تنمو وتستثمر أمواله.

- كلما زادت متطلبات الحياة زادت عروض التجار والشركات على ما يسمَّى التقسيط المريح جداً لإفراغ جيوب المواطن على المدى البعيد، والمواطن طبعاً لا حول له ولا قوة، فحاجاته أولاً، وعلى الرغم من أنه يرى الفارق الكبير في كثير من الأحيان بين سعر النقدي والتقسيط إلا أن أخاك مجبر لا بطل! أما عذر التاجر فإنه يؤمن احتياجات المواطن ولكي يستمر في ذلك فيجب أن يربح وخصوصاً أن من المستهلكين من لا يعيد الحقوق أو يتأخر في الدفعات لذا فإن على التاجر أن يحسب كل حساب حسبما يؤكد التاجر أبو أيمن الذي صادفناه في أحد محال البيع بالتقسيط، المطالبة المباشرة غالباً لا تؤدي إلى نتيجة مرضية -يتابع أبو أيمن- فحتى إن كان لدينا سندات أمانة وكفلاء إلا أنها قد لا تؤدي في أغلب الأحيان إلى نتيجة تذكر، لأن الحل بالتراضي سيؤدي بنا إلى التنازل عن جزء من المبلغ على حين التوجه إلى المحاكم يعني أنك يجب أن تنتظر سنة أو سنتين.
- تخضع عملية البيع بالتقسيط لقاعدة التراضي أي العرض والقبول، والسعر والفائدة يتم الاتفاق عليه بين البائع والشاري، ولكن نرى في كثير من الأحيان أن بعض التجار يضعون فوائد كبيرة تصل إلى أكثر من 30 % سنوياً، وتحت إغراء الدفعات الميسرة ينسى أو يتناسى المواطن تحت ضغط الحاجة أو الرغبة بالسؤال عن الزيادات التي تحمل على السلعة. فلا توجد قوانين تحدد أرباحها والقانون الحاكم هو قانون أفراد، فالعقد شريعة المتعاقدين، وكل يسير على هواه، وعلى ما تحدده حاجاته الشخصية فالمواطن دائماً بحاجة، والشركات دائماً جاهزة لسد هذه الاحتياجات أما الأرباح فتتراوح بين 10% و40%، حسب اعتبارات عديدة، كمدة التقسيط، ومقدار الدفعة الأولى، وأهم من ذلك كله الظرف الذي يحكم المستهلك، ومدى اضطراره لشراء السلعة!.

- ووفقاً للمهندس عماد الأصيل مدير مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد فإنه ما دامت السلعة محررة السعر وليست محدودة وبما أن السعر يتم التراضي عليه بين الطرفين فإنه لا يوجد مشكلة بالنسبة للبيع بالتقسيط، كما أنه إذا كانت السلعة محدودة السعر وبيعت بالتقسيط وكان ذلك برضا الطرفين وبعقد رسمي فلا مشكلة أيضاً، ذلك أن عرض السعر على القطعة وقبول المستهلك بهذا العرض يقع في خانة الرضا، وأضاف الأصيل: إن حاجة المستهلك الملحة لمادة ما لا تعني بالنتيجة أن السلعة محتكرة فهناك منافذ كثيرة تقوم ببيع السلعة ذاتها وأغلبها يفعل ذلك عن طريق التقسيط وهو أمر يندرج تحته السلع الاستهلاكية المنزلية سواء كانت غذائية أو غير ذلك كالأدوات الكهربائية أو أجهزة الموبايل حتى وصل الأمر في الفترة الأخيرة إلى السيارات حيث يقوم وكلاء بيع السيارات أو تجارها أو بائعوها باتباع أسلوب أن تكون الدفعة الأولى لثمن السيارة مرتفعة نسبيا أما باقي الأقساط فتكون مقبولة ومعقولة بالنسبة للمواطن. علماً أن البعض قد يتورط فلا يستطيع متابعة سداد ثمن السيارة فيضطر إلى بيعها. ويتابع الأصيل: إن هناك أسباباً تؤدي إلى رفع أو خفض سعر السلعة مثل فترة التقسيط وقيمة القسط الشهري، فكلها تلعب دوراً كبيراً في تحديد السعر النهائي للسلعة، وذلك إلى جانب الفترة الزمنية ويؤكد الأصيل أن مديرية حماية المستهلك لا تردها أي شكاوى إلا فيما يخص مدة الكفالة، فإذا تعرضت السلعة لأي عطل غير ناتج عن سوء استخدام ولم يأخذ البائع على عاتقه إصلاحها، على الرغم من صلاحية كفالتها، فعندها تقوم المديرية بتشكيل لجنة تحاسب التاجر وتبدل السلعة أو تعيد ثمنها إلى المشتري.

- على الرغم من أن تجارة البيع بالتقسيط ما هي إلا لعبة بامتياز، إلا أنها أصبحت الحل الوحيد لذوي الدخل المحدود والحاجات غير المحدودة ذلك أن ازدياد الحاجات الاستهلاكية والرغبة بالحصول على فرص تمويل هما السببان الأساسيان لنمو هذه التجارة التي يمكن تسميتها بالقيد الذهبي بالنسبة للمستهلك فالشراء بالتقسيط يغريه ليجد نفسه أمام دفع عدة أقساط لعدة سلع ما يرهق راتبه المحدود، ومن جهة أخرى فإن عبء الأقساط سيجر المستهلك للعمل أكثر وتحصيل اكبر للوفاء بالأقساط الشهرية، لتجنب تبعات التأخر وهو أمر يؤكده ماهر محمد الذي يقول إنه ومنذ أن دخل دوامة التقسيط فهو لا يعرف كيف يخرج منها على الرغم من أنه موظف في إحدى مؤسسات الدولة، ويعمل عملاً آخر، وهو الآن يبحث عن عمل ثالث في مسعاه للخروج من دوامة وضعته فيها الحاجة وضيق الحال ومتطلبات عائلة لا تكاد تنتهي، وعلى النقيض منه، ومن كل من يجد حلاً في التقسيط، تؤكد أم محمود أنها لم ولن تلجأ إلى التقسيط، بل وإذا استطاعت فإنها ستقف سدا مانعا أمام أي من أولادها في المستقبل يريد أن ينتهج هذا النهج وتبرر أم محمود التي تعيش حياة عصامية بسبب وفاة زوجها: أن ما يمكن دفعه قسطاً يمكن أيضاً توفيره ومن ثم عندما يكتمل في جيبها ثمن السلعة فإن الأمر سيختلف حكماً.

- تبدو هذه الظاهرة رغم سلبياتها الحل الوحيد للتغلب على عامل الزمن في الحصول على الاحتياجات وتأمين متطلبات الحياة التي تطول قائمتها يوماً بعد يوم، فهذا الزائر الثقيل قد دخل من الباب الواسع لحياة المستهلك السوري، وتغلغل في كافة مناحي حياته، فكيف يمكن ضبط هذا الدخول في وقت يبدو فيه الراتب مصاباً بنقص التروية وفيما يبدو أن ضخ دماء جديدة في عروقه أمر مستعصي في الوقت الراهن ليبقى الحل الوحيد في النهاية هو ضبط حقيقي للأسواق لكي نبعد المستهلك تدريجياً عن هذه الظاهرة، بعد أن أصبحت ثقافة التقسيط بدخول البنوك والمصارف الخاصة ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها.

 

عبد المنعم مسعود 

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...