ضبابية المعايير في إنهاء العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر

26-06-2010

ضبابية المعايير في إنهاء العلاقة الإيجارية بين المالك والمستأجر

بعد انقضاء ما يقارب الخمسين عاماً على قانون الإيجارات(111)الصادر عام 1952 وظهور الكثير من العيوب أثناء تطبيقه والتي عكسها الواقع الاقتصادي والاجتماعي والاجتهادات القضائية المتناقضة بين المحاكم، جاء قانون جديد للإيجارات رقم (6) عام 2001 تم تعديله عام 2006 وكان الهدف من القانون هو إعادة للتوازن في العلاقة بين المالكين والمستأجرين وتطبيق مبدأ العدالة بين الطرفين، واعتبر برأي المختصين قانون الايجارات الجديد من أفضل التشريعات الإيجارية المتوازنة الصادرة في سورية، إلا أنه وبعد تطبيق بعض مواده على أرض الواقع ظهرت مجموعة من الثغرات، خاصة المتعلقة بالفقرة (ب) من المادة الثانية ، حيث تنص هذه الفقرة( يحق للمالك في العقارات المؤجرة للسكن فيما عدا العقارات المملوكة للجهات العامة أو المؤجرة لها طلب إنهاء العلاقة الايجارية واسترداد العقار المأجور للسكن المشمول بأحكام التمديد القانوني مقابل التعويض على المستأجر بمبلغ يعادل نسبة 40% من قيمة البناء المأجور شاغراً وبوضعه الراهن بتاريخ الكشف والخبرة على المأجور من قبل المحكمة) والخلاف هنا ليس في النص بل في المعايير الموضوعة في تخمين العقارات من قبل الخبراء المكلفين من وزارة العدل، حيث ظهر تباين واضح من قبل الخبراء في تقدير النسبة للمستأجر الذي أجاز له القانون بنسبة 40% قبل إخلائه البيت للمالك والتي تبلغ نسبته 60% على ان تكون الأسعار الموضوعة وفق الأسعار الرائجة كما حددها القانون، فعندما يريد المالك إنهاء العلاقة الإيجارية بينه وبين المستأجر، تعقد لجنة من ثلاثة خبراء: خبير من قبل المالك وخبير من قبل المستأجر والثالث تنتدبه المحكمة المعنية، بهدف تحديد القيمة الحقيقة للعقار، إلا أن من التقيناهم من المستأجرين أبدوا تذمراً من التقديرات التي وضعها الخبراء والتي جاءت معظمها لمصلحة المالك.

إيجاد الضوابط ‏

السيد سمير اسحاق مستأجر ويقع بيته في العقار 290/4 جورة في دمشق القديمة ويحيط بمنزله فندق خمس نجوم ومطعم، فقد حصل على سعر المتر فقط 15400 ليرة من قبل الخبير الذي أحضره المالك ما اعتبره ظالماً ومجحفاً بحقه، فيقول اسحاق: لقد استغرقت مناقشات مجلس الشعب لقيمة التعويض للمستأجر المراد إخلاؤه وفقاً للقانون /6/ ست جلسات متتالية ومن بعدها أقر مجلس الشعب أن التعويض للمستأجر 40% من قيمة العقار،وفقاً لسعره الرائج بتاريخ الخبرة، وأنا كمستأجر أعتقد أن قانون الايجارات الجديد عادل ومنصف وان المشرع السوري قد أنصف المستأجر بشكل ممتاز، ولكن عند التطبيق نجد أن أسعار الخبرات في التخمين كانت اقل بكثير جداً من تخمين الاستملاك في المنطقة نفسها تقريباً،فسعر متر الاستملاك للأرض الزراعية في باب السلام بالقرب من باب توما حوالي 36 ألف ليرة سورية و12 ألف ليرة للبناء، فيكون المجموع 48 ألف ليرة،-حسب وثيقة صادرة عن محافظة دمشق برقم (28824/و)- بينما تخمين أحد الخبراء كان 15400 للمتر في منتصف باب توما، علماً أن السعر الحقيقي لقيمة الأرض الزراعية المستملكة هو 500 ألف ليرة. ‏

أسعار متدنية ‏

بينما السيد نضال سلوم ليس أحسن حالاً من اسحاق حيث استأجر والده البيت منذ عام 1955 في باب توما ويقول: لقد تفاءلنا خيراً بقانون الإيجار رقم 6، ولكن ما يحدث عند التخمين أننا نتفاجأ بالأسعار المتدنية التي يضعها خبراء المحكمة حيث بلغت قيمة المتر من العقار الذي أسكنه في ساحة باب توما حوالي 15 ألف ليرة سورية وهي منطقة سياحية كما تقع ضمن المحور التجاري لباب توما حسب قرار وزير الادارة المحلية /1655/ الذي قسم دمشق القديمة إلى محاور سياحية وتجارية. ‏

تعويضات هزيلة ‏

أما مشكلة السيدة هدى دريعي فهي ليست وليدة الساعة بل تعود إلى خمس سنوات ماضية، فالإشكاليات التي رافقت عملية إخلائها للبيت الذي كانت تقطنه منذ خمسينيات القرن الماضي، ترويها الدريعي بحرقة، فتقول : كنت أقطن في منطقة جناين الورد بالقصاع في بيت مساحته 80 متراً، وسعر المتر في المنطقة حسب الأسعار الرائجة 100 ألف ليرة سورية، وعند صدور قانون الإيجار رفع مالك البيت دعوى إخلاء حسب القانون 40 % للمستأجر و60% للمالك، وتم تشكيل لجنة خبراء، والمفاجأة أن اللجنة قدرت سعر المتر بخمسة آلاف ليرة سورية فقط، وتم حساب المنزل جدران وسقفاً دون أرض فكان مبلغ التخمين 150ألف ليرة سورية لحصتنا في منطقة تقع في وسط القصاع، وتم ترحيلنا خلال خمسة أيام. ‏

العدل تتجنب الإجابة ‏

كنا قد وجهنا مجموعة من الأسئلة إلى وزارة العدل عبر المكتب الصحفي في الوزارة للإجابة عن بعض النقاط حول قانون الإيجارات رقم 6 والأسس المتبعة في تقديرات الخبراء للتخمين، وقد مر كتابنا عبر القنوات الرسمية في الوزارة، أي تسجيله في الديوان بتاريخ 2/6/2010، تحت رقم 10236 وكانت الإجابة من الوزارة مقتصرة على كلمة للحفظ أي تجاهل لما طرحناه من أسئلة التي جاءت ضمن الآتي:1-هل يفترض أن يكون التعويض بالقيمة الحقيقية للعقار أم الأمر يبقى متروكاً للخبراء في تقديم التقييم ؟ 2-ما المسوغ القانوني الذي يستند عليه الخبير في التقديرات التي يضعها؟ ‏

3- لماذا لا تقوم وزارة العدل بتحديد سعر لكل منطقة ليكون معتمداً، وبالتالي ينحصر عمل الخبير في تقدير الأمور الفنية مما يقلل من احتمالات الخطأ؟ ‏

بالأسعار الرائجة ‏

الخبير المهندس أسامة موصلي يقول :إن خبرته جاءت في تخمين العقارات من خلال العمل في هذا المجال لسنوات عديدة حيث يتم تخمين أسعار البيوت وفق أسعار السوق الحالية /الرائجة/ بنسبة تتراوح ما بين 70-75%، لكون الأسعار في السوق تتفاوت حسب العرض والطلب، ويتم الحساب أثناء تخمين سعر البيت : الأرض والبناء ووضعه الراهن من حيث الكسوة، وتوزيعه الطابقي، وإذا القاضي لم يقتنع بالخبرة يعيدها بخبرة جديدة . ‏

وأشار موصلي إلى نقطة حول مساحة العقار حيث أوضح أنه إذا كانت مساحة العقار الكبيرة يقل سعره بينما إذا كانت المساحة صغيرة يرتفع ثمنه. ‏

أسس عديدة ‏

من جانبه الخبير المهندس فاروق الصباغ يقول : عند تخمين أسعار البيوت وفق قانون الايجار 6 يؤخذ بعين الاعتبار صعود ونزول أسعار العقارات، فعند إعطاء المالك المستأجر ما نسبته 40% من عقاره كاملة، نضع في حسابنا أن 60% للمالك ستتخللها ضرائب تترتب عليه أثناء الشراء ومصاريف أخرى كالدلالة، لذلك نعمل على تخفيض الأسعار بنسبة تتراوح ما بين 15-20% وبناء عليه يتم التحديد بسعر السوق، وطرح الصباغ مثالاً حول البيوت العربية حيث أشار إلى ان البيت العربي المقرر فيه محضر عشرة طوابق، لا يحسب للمستأجر بقيمة الأرض بل يحسب له طابق واحد. ‏

ويضيف الصباغ : إن الأسس التي نعمل بها تكون من خلال تحديد مجموعة من الأمور كالمساحة والموقع وطراز البناء والتوزيع الطابقي مع الأخذ بالأسعار الجارية ومراعاة الارتفاع والهبوط. ‏

وأشار الصباغ إلى نقطة مهمة حول قانون الإيجارات وقت صدوره بأن الكثير من الاجتهادات التي صدرت في تلك الفترة، وأبرزها حساب البناء منفصل عن الأرض ولكن عدل القانون وأصبح البناء يحسب كملتصق بالأرض . ‏

حسب السوق ‏

في حين الخبير المهندس مأمون القدة أوضح أنه في السابق قبل صدور قانون الإيجار رقم 6 كان يوجد ظلم واقع على المستأجر والمالك ولكن القانون الجديد جيد جداً وحل الكثير من الأخطاء التي كانت تقع، وحول الأسس التي يتعامل بها الخبير يقول القدة : حسب الأسعار الرائجة وحسب الشرائح التي تحددها المحافظة في كل منطقة ومهمتنا كخبراء أن نوفق بين سعر المحافظة الثابت والسعر الرائج وحسب السوق (العرض+الطلب). ‏

عمل المخمن ‏

الدكتور فادي عشي مدرس في كلية الحقوق أجاب عن بعض التساؤلات فيقول: إن مخمن العقارات هو شخص احترافي مستقل تقوم مهنته بكل حيادية لتحديد قيمة العقارات التجارية منها و السكنية و معرفته بسوق العقارات المحلي تسمح له بتشكيل مرجع لتحديد قيمة العقار وعلى المخمن تقدير القيمة الاستئجارية للعقار في السوق، من حيث قيمة العقار فيما لو تم بيعه خالياً أو مشغولاً، وقيمة الإخلاء، وقيمة إنهاء عقد إيجار و غيرها. أي إن عمل المخمن دقيق جداً و منتج لمفاعيل مفصلية و تشير الاجتهادات إلى انه لا يتم الاعتراض على الرأي الذي أدلى به الخبير لأنه من أمور القناعة و إن للمحكمة المعنية الأخذ برأي الخبير أو عدم الأخذ به. ‏

أسس التخمين ‏

ويضيف د.عشي :تقرير الخبرة مهم جداً في الفصل في العديد من الدعاوى حيث أقر القانون بوجود خبرة أحادية و ثلاثية، دون أن يذكر صراحة وجود خبرة خماسية او سباعية، و إن رأي الخبرة نهائي في كل درجة من درجات التقاضي. و مع الأسف فإن دحض رأي الخبرة في كل مرحلة من مراحل التقاضي و زيادة عدد المخمنين إنما ناجم عن عدم الثقة في رأي المخمن بسبب عدم وجود معايير ونظم مكتوبة لعمل المخمن و أسس إعطائه لقراره. ‏

فالمادة 2 الفقرة ب من قانون الإيجار تشير إلى ان أسس التخمين هي بنسبة 40% من قيمة البناء المأجور شاغراً بوضعه الراهن بتاريخ الكشف من قبل المحكمة. و قد تمت زيادة عبارة (أسعار العقارات السكنية الحالية في الأسواق الرائجة). من الطرق الأخرى المقترح على المخمن استخدامها وقت التقييم هي المقارنة حيث يتم تحديد قيمة العقار من خلال قيمة بيع عقار مشابه في الآونة الأخيرة، على أن يكون العقار مشابهاً من حيث وضعه و موقعه. أو يمكن تقييم العقار من تقدير الوارد السنوي الذي يقدمه تأجير العقار، كما ويمكن تقدير قيمة الاستبدال والتي تعني تقدير السعر و معرفة مدى نقصان قيمته في حال الاستهلاك. ‏

ويتابع د.عشي :إن الأسس في تقدير القيم السابقة تعتمد على معايير مثل ( الموقع- الكسوة- حالة العقار- طبيعته...) و ما إلى ذلك من معايير. و عليه و من أجل ضمان عمل المخمن بكل أمانة ونزاهة لابد من وجود معايير متكاملة تساعده في عمله و تحدد له حدود الخطأ الشخصي في العمل. ‏

و يقترح د.عشي تعديلاً لقانون الإيجارات ليشمل التخمين عدداً من الأساليب لإعطاء فكرة أدق عن سعر العقار على أن يترافق ذلك مع مشاركة الجهات المعنية و الجهات الخبيرة ( مثل النقابات أو الاتحادات الخبيرة إن وجدت، و من المفضل تأسيسها في حال عدم وجودها) بإنشاء دليل يشمل النظم و المعايير السابق ذكرها كي تساعد الخبير في عمله. ‏

مقترحات ‏

ويرى المحامي الأستاذ حازم الجزار أن التعامل مع قانون الإيجارات رقم 6 لعام 2001 والتعديل الجاري عليه بالقانون رقم 10 لعام 2006 أوجد قناعة لدى جميع المتعاملين بهذين القانونين من قضاة ومحامين ومواطنين أنهما غير مكتملين وبحاجة للتعديل وللإضافة إليهما، كما وان بعض موادهما بحاجة للتعديل الجذري كي يتماشيا مع متطلبات الحياة العملية . ‏

وكان الجزار قد أعد دراسة تتضمن بعض المقترحات، وأشار الجزار إلى أبرز بعض التعديلات الواجب الأخذ بها وهي : الفقرة /ب/ من المادة /2/ من القانون رقم /6/ لعام 2001 بحاجة لتعديل من حيث المبدأ والمفهوم وهذا الأمر القصد منه إيجاد حل سريع وعادل لقضايا إنهاء العلاقة الايجارية لقاء تعويض يعادل 40% من قيمة العقار المأجور ولقضايا تقدير الأجرة السنوية للعقار المأجور، بحيث يستعاض عنها بالآتي: ‏

-يكون للمستأجر الخيار بين أن يتقاضى التعويض بنسبة أربعين بالمئة من القيمة التي قدرها المالك ويسلم إليه العقار المأجور خالياً من الشواغر خلال مدة أربعة اشهر ويكون العقار المأجور ضامناً لسداد قيمة التعويض المترتب للمستأجر إذا اختار هذه الطريقة لإنهاء العلاقة الايجارية، أو أن يختار المستأجر شراء العقار المأجور بدفع نسبة تعادل ستين بالمئة من القيمة التي قدرها المالك في طلب إنهاء العلاقة الايجارية وعندها يصدر قرار محكمة الصلح الناظرة بالقضية بإنهاء العلاقة الايجارية وبتثبيت البيع وتسجيل العقار على اسم المستأجر شريطة أن يسبق التسجيل إيداع الثمن دائرة التنفيذ وذلك ضمن مدة لا تتجاوز الأربعة أشهر من صدور الحكم. ‏

-يجوز للمستأجر إذا اختار شراء العقار أن يحيل حقوقه في هذا الشراء إلى الغير على أن يعلم المالك بهذه الحوالة ببطاقة بريدية أو بخطاب موجه بواسطة الكاتب العدل يبلغ إليه أصولاً، وعلى أن يمارس المستأجر هذا الحق خلال مدة الأربعة أشهر الممنوحة له لسداد الثمن ويجري تثبيت حوالة الحق أمام دائرة التنفيذ التي يودع الحكم بتثبيت الشراء لديها. ‏

وأشار الجزار إلى مجموعة من النقاط في دراسته لم يتم ذكرها، إلا انه يرى أن اتباع هذا الطريق في إنهاء العلاقة الايجارية هو أسرع وأقرب للعدالة، ويضيف: فإذا قدر المالك في طلب إنهاء تلك العلاقة قيمة العقار المأجور بما يزيد على قيمته الحقيقية فانه سوف يضطر لدفع تعويض اكبر للمستأجر، أما إذا قدر قيمة عقاره بأقل من قيمته الحقيقية فسوف يخسر فارق القيمة إذا اختار المستأجر شراء العقار و دفع النسبة المتوجبة عليه من القيمة المقدرة، وهذا الأمر يجعل المالك ملزماً بتقدير قيمة عقاره بالقيمة الحقيقة والأقرب للواقع تفاديا للخسارة، كما وان اتباع هذا الطريق يؤدي إلى سرعة الفصل في هذا النوع من القضايا والابتعاد ما أمكن عن التقديرات الشخصية ومجال الخطأ في تلك التقديرات عند الاستعانة بالخبرة، فضلاً عن أن التقدير بواسطة الخبرة قد يمر عليه فترة زمنية لا بأس بها ما بين تاريخ التقدير وبين صدور حكم مبرم بالقضية قد تتغير خلاله الأسعار وتؤدي إلى خسارة أحد الطرفين، في حين أن اتباع هذا الطريق في إنهاء العلاقة الايجارية يتصف بالسرعة ويقطع دابر المماطلة والتسويف بحيث لا يكون أمام المستأجر سوى ممارسة الخيار الممنوح له ما بين قبض التعويض أو شراء العقار. ... كما وان منح المستأجر الحق في إحالة حقوقه في شراء العقار المأجور إلى الغير يجعله بمنجاة عن تعسف المالك أو استغلاله لعدم وجود موارد مالية لدى المستأجر،لكون معظم المستأجرين من ذوي الدخل المحدود. ‏

محمد مصطفى عيد

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...