مالحاجة إلى ناقد ؟

17-08-2023

مالحاجة إلى ناقد ؟

الجمل ـ ريم حبيب:

المجاملات العقيمة توهم في ظاهرها بالثراء الثقافي والتراكم المعرفي ، لكنها تمثل خطراً كبيراً على الإبداع، والدليل اليوم لدينا روائيين وليس لدينا رواية ولدينا أسماء كتّاب قصة ولكن ليس لدينا قصة فهذا التحدي سوف يلزم لاحقاً الكثير من تلك الأسماء على أن تبرر وجودها ثقافياً .
ومازاد الطين بلة الدخلاء على الدراسة النقدية، فهناك كم من المقالات عن روايات وكتب يقدمها  كتّاب،  أو هواة ،أو قراء ، لا يمتهنون القراءة النقدية فحولوا الدراسات النقدية، إلى  مجاملة ،ومحاورات ضبابية وإنشائية ، وحشو بمصطلحات موغلة بالغموض دون مرجعيات علمية تقنية، ومرجعيات ثقافية عامة  ودون الولوج في مسالك معرفية تعمق الهوية  في دلالتها العميقة الواسعة ،وهو ما لا يقبله عالم الأدب بأي حال من الأحوال .
فمهما تعالت أصوات المطبلين ، التي لا تمارس أي نشاط بحثي مضن يستوجبه الإطار المعرفي الذي يندرج فيه، لن تحقق أي وظيفة حضارية في تاريخ الثقافة العربية ، لكن كيف يتم توظيف بعض الأقلام في المواقع الإلكترونية التي نأخذ منها دراسات نقدية، تخلو من أي نقد، وإنما نجد عرضاً انتقائياً يتجاوز المعارف التفصيلية الجزئية إلى البحث عن الكليات الفكرية المنتجة المحركة لتلك المعارف، والتي تمكن القراء على اختلاف مشاربهم من تفهم بنية النص الذي سيكون له دوراً بعيداً في ترسيخ أعراف القراءة وثقافة التواصل بين المؤلف والقارئ وهذا بدوره سيمكن من إنتاج المعنى  وتقديم أنماط مختلفة ، وأنساق فنية مرنة لها صلة بالحياة التي يستقي منها الكاتب مادته الإبداعية  .
لذا يمكن أن نعد قيمة مايقدم لنا مرادفاً لمفهوم الوظيفة التداولية من سياق استعماله . فهناك دار نشر تطلب من ناقد جاهل أن يروج لكاتب جاهل . الحق أن مايطالعنا بين الحين والحين من كم هائل من المقالات في مجال تقديم الكتب لا يدل على أن هناك روحاً أدبية جادة في هذا الباب ، أو على أن هناك استراتيجية عامة أو خاصة لإنجاز أو للمضي في مشروع معرفي تنويري . بل إن عامة ما نطلع عليه من مقالات تدرج تحت مسمى دراسة نقدية تتضخم فيها الخطابات القائمة على العلاقات الشخصية والنفع المادي ،إذ استثينا بعض الأصوات  البحثية الجادة. .
يقول ادوار سعيد : لا تضامن دون نقد . فأياً كان الوصف إيجاباً أم سلباً فهو محدود الوظيفة، إلا أن المشهد المعرفي لا ينهض دون صياغة مدرسية للأساليب النقدية ،  فالمشروع الثقافي ، مشروع معرفي له مرجعياته الفكرية المرتكزة مكتسباته إلى سائر العلوم الحديثة ، فأعراف الكتابة وأعراف النقد وأعراف القراءة مواثيق بنيوية توجه أغراض النص ، وهذا الاتجاه هو في الحقيقة يوجه قراءة القارئ في كل مراحلها، بما يؤسس المجتمعات على أسس معرفية متينة .
واليوم تطالعنا مقالات تروج لكتب دون أن تكون وفية لمنهجها العام ، أو للمنحى الإجتماعي في قراءة المنجز النصي لتأتي أغلب هذه المقالات في  غاية الشكلية لا نرى له ارتباطاً بالخطاب الثقافي  فهي متشبعة غاية التشبع بالتملق والمديح المأجور الذي يصدر لنا كتابات بائسة وأسماء كتّاب دون هوية ودون مفهوم  .
الزمن التتابعي هو حدث يؤدي إلى حدث آخر ،  فالناقد الذي يمارس تجربته ولا يعرف هويتها وماهيتها  هو يكرس جهلاً  لا حدود له ، ولا يقدم فائدة واحدة ، فالمجتمعات وليدة مشروع جاد ومدرسة أصيلة .
فالمؤلف ، والناقد، والقارئ على اختلاف أنماطهم المعرفية هم لوحة فسيفسائية ، ومراجع مجتمعية كلما كانت منهجية ، كانت مرنة ومتحركة ، قادرة على التحول واجتياز ما يعرقل مسير الأمة ، فلطالما كان نضج المجتمعات من طبيعة تجاربها الأدبية الإبداعية .
يقول علماء النفس : إن حركة العالم ليست حركة الكل باتجاه الجزء، بل هي حركة الجزء المتناهي الصغر في اتجاه تكوين الكل متناهي الكبر .
النقد كان ومازال صورة للتبادل ، والتفاعل الدينامي بين المؤلف والقارئ ، فلا هو مدحاً ولا ذماً . وإنما رؤية الشيء كما هو على حقيقته .

* كاتبة وروائية سورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...