ما هي تداعيات غياب الصين عن قمة الثماني

11-07-2009

ما هي تداعيات غياب الصين عن قمة الثماني

الجمل: شهدت مدينة لاكويلا الإيطالية في الفترة من يوم 8 إلى يوم 10 من هذا الشهر انعقاد مؤتمر قمة مجموعة الثماني الذي يضم الدول الكبرى: أمريكا – روسيا – كندا – فرنسا – ألمانيا – اليابان – بريطانيا – إيطاليا. وقد كان لافتاً للنظر غياب الصين الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات ونقاط الاستفهام حول نوايا بكين القادمة؟
* قمة لاكويلا: ماذا تقول المعلومات؟
درجت العادة أن لا تنعقد قمة الثمانية بحيث تقتصر حصراً على الدول الصناعية الثمانية وبدلاً من ذلك فقد تم تعزيز لقاءات قمة الثمانية بحيث تكون ضمن صيغة مجموعة الثمانية + خمسة، أي "G8+5" عن طريق توجيه الدعوة الروتينية لزعماء الصين والبرازيل والهند والمكسيك وجنوب إفريقيا لحضور القمة. وتقول المعلومات أن الزعيم الصيني هو جينتاو تغيب عن حضور القمة، هذا وتجدر الإشارة إلى هو جينتاو وصل إلى إيطاليا ثم عاد فجأة إلى الصين، وبرغم بعض التفسيرات القائلة أنه عاد بسبب أحداث إقليم سينغيانغ فإن هذه التفسيرات لم تكن مقبولة بشكل كامل خاصة وأن أحداث سينغيانغ كانت محدودة، ولا تشكل خطراً حقيقياً يهدد النظام الصيني.
* غياب الصين عن القمة: أبرز النظريات التفسيرية:
حتى الآن لم تصدر بكين الأسباب والذرائع المقنعة التي تفيد لجهة توضيح أسباب غيابها عن القمة وبرغم ذلك أسفرت آراء وتحليلات المراقبين عن النظريات التفسيرية الآتية:
• النظرية التفسيرية الأولى: تقول بكين أنها لم تعد تقبل بأن تكون عضواً هامشياً يتم دعوته إلى القمة ضمن الضيوف الخمسة، لأن بكين أصبحت أكثر اهتماماً بتعزيز مكانتها الدولية ومن غير الممكن أن تكون دول كإيطالياً وبريطانيا وكندا وألمانيا و حتى فرنسا تتمتع بعضوية كاملة وحق في التصويت بينما يتم وضع الصين جنباً إلى جنب مع المكسيك والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا، وبالنتيجة لما كانت بكين تفهم وتدرك وزنها كثالث قوة كبرى عالمية إضافة إلى أمريكا وروسيا فإن قبول الصين بالمشاركة في قمة الثمانية بهذه الصورة ينطوي على قدر كبير من التهميش والتقليل من مكانة الصين الدولية والإقليمية.
• النظرية التفسيرية الثانية: وتقول أن قمة لاكويلا كان محدداً لها أن تنعقد في منتجع لامادالينا في جزيرة سردينيا ولكن بسبب أن القمة ستنظر في ملف إعادة توزيع أموال مساعدات المناطق التي ضربتها الزلازل فقد تم تحويل القمة في إلى مدينة لاكويلا الإيطالية التي ضربتها مؤخراً زلازل مدمرة وبالتالي لما كانت منطقة غرب الصين قد شهدت هي الأخرى زلزالاً مدمراً مرتفع الشدة أدى إلى وقوع خسائر تفوق أضعاف المرات خسائر لاكويلا الإيطالية فإن بكين رأت في الاهتمام المفرط الأوروبي – الأمريكي بزلزال لاكويلا وتجاهل زلزال غرب الصين نوعاً من المعاملة التمييزية المتحيزة، وبالتالي من هنا جاء رفض بكين لحضور القمة.
• النظرية التفسيرية الثالثة: تقول أن الصين تنظر إلى الاضطرابات العرقية التي اندلعت في مقاطعة التيبت وسينغيانع باعتبارها تنطوي على قدر كبير من الاستهداف الأمريكي – الأوروبي لزعزعة استقرار الصين إضافة إلى الاستفزازات الأمريكية في بحر الصين الجنوبي والشرقي ومناطق اليابان والكوريتين والحدود الصينية – الهندية وتحديداً في بوتان ونيبال، إضافة إلى ذلك تدرك بكين أن هذا الاستهداف أصبح يأخذ طابعاً مزدوجاًَ شديد الغرابة فالأمريكيون والأوروبيون يدعمون إشعال الاضطرابات في غرب الصين (التيبت وسينغيانغ) وفي الوقت نفسه يستخدمون المنظمات غير الحكومية والحكومية الدولية لاتهام الصين بانتهاك حقوق الإنسان، وتأسيساً على ذلك رأت بكين في هذا السلوك المزدوج قدراً لا يطاق من التآمر والاستهداف الذي بدأ غير معلن ثم تحول إلى شبه معلن وفي النهاية بات معلناً واضحاُ، وبالتالي قررت بكين عدم حضور القمة على سبيل الردع الرمزي لأمريكا وحلفائها الأوروبيين من مغبة التمادي في هذا المخطط التآمري المزدوج بما يجعل من بكين ترسل إشارة قوية تفيد لجهة أنها سترد في المراحل القادمة بأسلوب أكثر قوة في حالة استمرار عمليات استهداف الأمن القومي الصيني.
هذا، وإضافة لغياب بكين فقد ترافق انعقاد القمة مع العديد من المظاهرات والاحتجاجات التي قام بها مناهضو الهيمنة الأمريكية وأنصار حماية البيئة وجماعات حقوق الإنسان المهتمة بإعطاء الأولوية لمحاربة الفقر والمرض إضافة إلى مناهضي مشروع الحرب الأمريكية – الأوروبية ضد الإرهاب.
* ما هي تداعيات غياب الصين؟
تتميز الصين برغم التهميش الأمريكي – الأوروبي بمكانة وحضور قوي مؤثر في جدول أعمال النظام الدولي وعلى سبيل المثال لا الحصر نشير إلى دور الصين المتعاظم ضمن أجندة مجموعة الثمانية:
• تعتبر الصين ثاني أكبر وأهم طرف في قضايا حماية البيئة والمناخ بعد أمريكا وبالتالي فإن أجندة اتفاقيات حماية البيئة والمناخ لا يمكن أن تكسب المعنى والحضور إلا إذا كانت الصين طرفاً ملتزماً ببساطة لأن الصين ثاني أكبر بلد في العالم بعد أمريكا لجهة حجم الانبعاث الحراري والكربوني.
• خطط تحفيز النمو الاقتصادي العالمي لا يمكن تحقيقها في غياب الصين بسبب قدرة الأخيرة في دعم وتائر النمو الاقتصادي العالمي وعلى أساس اعتبارات المكانة فإن الصين تحتل المركز الثاني بعد أمريكا في هذا المجال.
• درء مخاطر انهيار التجارة العالمية وما يمكن أن يترتب على ذلك من أزمات اقتصادية هو أمر غير ممكن في حالة غياب الصين لأن الصين وبسبب قدرتها على إغراق السوق بالسلع الرخيصة السعر عالية الجودة، تستطيع أن تسبب مشكلة حقيقية في تهديد السلع الأمريكية والأوروبية في السوق العالمي.
• غياب الصين عن قمة الثمانية سيترتب عليه إرباك جدول أعمال منظمة التجارة العالمية وتحديداً  في جولة الدوحة القادمة.
تعتبر هذه النقاط بمثابة ما يمكن أن يترتب على غياب الصين عن مجموعة الثمانية، كذلك فإن انقطاع الصين سيفيد في حد ذاته لجهة احتمالات نشوء حرب باردة أمريكية – صينية، وأوروبية – صينية بشكل يمكن أن يؤثر سلباً على موقف القوات الأمريكية وقوات الناتو في المسرح الأفغاني والباكستاني إضافة إلى تحول الصين باتجاه الدعم المفتوح لخصوم أمريكا وأوروبا مثل إيران وغيرها. وهو تحول سيترتب عليه تغيير في موازين القوى العسكرية في غير صالح حلفاء أمريكا والغرب الأوروبي خاصة وأن الصين تملك ثاني أو ثالث أكبر ترسانة عالمية من الأسلحة المتطورة، وعموماً ستسعى واشنطن وحلفائها باتجاه محاولة إعادة بكين إلى دائرة مجموعة الثمانية، ولكن كيف سيكون ذلك؟ وهل ستقبل الصين بسيناريو العودة دون مقابل أم أنها ستسعى لفرض  شروط أقلها عدم التدخل في شؤونها الداخلية وعدم تعرض المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية للأوضاع السياسية الداخلية؟

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...