قصف رسمي وحزبي على «جبهة» خدام ـ البيانوني

28-03-2006

قصف رسمي وحزبي على «جبهة» خدام ـ البيانوني

خرج عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية السابق من المشهد السياسي السوري من باب السلطة الواسع, ليعود إليه من نافذة المعارضة الضيقة, عبر تحالفه مع علي صدر الدين البيانوني المراقب العام لـ«الاخوان المسلمين», باجتماعهما في العاصمة البلجيكية بروكسل قبل اسبوعين, وإعلانهما تشكيل جبهة «الخلاص الوطني من اجل التغيير».
وإذا كان هذا التحالف خلاصاً لخدام ليعود مجدداً الى السلطة التي استثمرها مدة 43 عاماً, فهل ينطبق هذا على المعارضة؟

جاء اجتماع بروكسل قبل انتهاء الجدال الذي أثاره «إعلان دمشق» الصادر في تشرين الاول €اكتوبر€ 2005, ليضيف أزمة جديدة على جملة الأزمات التي تعانيها المعارضة في الداخل والخارج. فإعلان دمشق لم يحقق القبول المطلوب رغم أهمية ما يمثله كأول إعلان يصدر عن جهات معارضة في الداخل, منها التجمع الوطني الديمقراطي والتحالف الديمقراطي الكردي ولجان إحياء المجتمع المدني والجبهة الديمقراطية الكردية وحزب المستقبل واللجنة السورية لحقوق الإنسان وشخصيات مستقلة, وبتأييد كامل من الإخوان المسلمين, وبعض الجهات المعارضة في الخارج؛ فقد نحا «إعلان دمشق» الى «صيغة توفيقية بين قوى وطنية علمانية متعددة والأخوان المسلمين» عبر تأكيده أن الإسلام دين الأكثرية. وكان من أهم الانتقادات الموجهة لهذا الميثاق, العودة إلى تحقيق ديمقراطية التراصف الطائفي والإثني والعشائري, الحاملة في ثناياها بذور التفتيت والتشظي والحروب الأهلية. وتجنب الميثاق ذكر الولايات المتحدة الأميركية ولو بكلمة واحدة, مغيّباً المشروع الأميركي الصهيوني €مشروع الشرق الأوسط الكبير€ واستهدافه للمنطقة. لذلك رأى فيه البعض تكراراً لتجربة المعارضة العراقية في العام 2003 التي شكلت غطاء للاحتلال.
لم يتجاوز البيان الصادر عن اجتماع بروكسل أياً من تلك الانتقادات, بل ربما زاد عليها, إذ بدا خدام الذي دعا مع البيانوني الى عقد اجتماع تشاوري, كأنه يسعى الى تزعم المعارضة, في مفارقة فاقعة تنطوي على محاولة تجيير جهودها من اجل تصفية حساباته الشخصية مع السلطة السورية, متحملاً المسؤولية عن ما تتعرض له سوريا من ضغوط سببها قرارات وضعت البلاد في بؤرة الخطر وأعطت الذرائع للمتربّصين بها, ليهددوا أرض الوطن وسيادته, دون أن يسمي البيان هؤلاء المتربصين, بل برر استغلال المناخ الدولي والإقليمي لإحداث التغيير وفق آليات تم تحديدها, بخمس عشرة نقطة على الصعيد الداخلي, تتضمن الدعوة إلى عزل النظام دولياً وعربياً, وتعبئة الجماهير من أجل العصيان المدني, وتشكيل جمعية تأسيسية تقوم بتغيير دستور 1973 وإيجاد البديل الوطني. وقد بدا واضحاً التأثير الطاغي لخدام في لغة البيان الذي لم يأت بجديد على ما تطرحه المعارضة السورية بخصوص التغيير السلمي من جانب, ولا على ما تطرحه الحكومة السورية من جانب آخر, سواء ثوابت السياسة الخارجية من حيث استعادة الجولان والتزام حدود 1967, والموقف من القضية الفلسطينية, ودعم حق العودة وإقامة دولة عاصمتها القدس؛ كذلك الموقف من العراق, ودعم العملية السياسية, والتزام المواثيق الصادرة عن الأمم المتحدة والاتفاقيات التي وقعتها الحكومة السورية, أو التغيير الداخلي لتحسين الواقع المعاشي للمواطن, واعتماد اقتصاد السوق الاجتماعي. وكأنما قام البيان بسرقة غالبية توصيات المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث, ودمجها مع مطالب المعارضة, بصيغة سياسية حزبية بائدة تنفض الغبار عن مصطلحات «الفكر التعبوي», وهي صيغ ومصطلحات تتناسب مع تسمية «الجبهة الخلاص» أصر خدام عليها بحسب مصادر إعلامية, ليتضح طغيانه على اجتماع بروكسل, في حين دأبت المعارضة على تسمية تجمعاتها بمفردات تنأى عن معاني المواجهة والتصادم, فكانت تستخدم كلمات مثل «الميثاق» و«التجمع» و«الإعلان»... ومن المؤكد أن هذه ليست هي الأسباب التي جعلت المعارضة السورية في الداخل ممثلة بإعلان دمشق وغيرها في الخارج ترفض اجتماع بروكسل, وإنما ترفض مبدأ التعاون مع عبد الحليم خدام. وقد وصف المعارض هيثم مناع المقيم في فرنسا تحالف خدام ـ البيانوني بأنه «ضد الطبيعة»
وإذا كان مناع قد اكتفى بالتساؤل والتشكيك, فإن رياض الترك هاجم الاجتماع, معتبراً أن البيانوني انفرد بموقف يذهب إلى التعاون الخطير مع خدام خارج إعلان دمشق, فيما كان عليه ألا يستعجل لقاءً لا يوحد المعارضة السورية, بل على العكس يُدخلها في خلافات جديدة هي في غنى عنها. وكان يجب على البيانوني أن ينسق مع إعلان دمشق, معتبراً أن قيادة إعلان دمشق غير راضية عن تحركاته الأخيرة مع خدام. ولم ينأَ حسن عبد العظيم الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي €ائتلاف خمسة أحزاب معارضة€ عن رأي الترك, متهماً البيانوني بأنه «أخطأ مرتين, مرة في اللقاء مع خدام وتشكيل جبهة الخلاص, ومرة أخرى بعدم التشاور مع إعلان دمشق» أي معارضي الداخل؛ وأضاف «إن قيادة الداخل هي الأكثر قربا من الأحداث والأكثر فاعلية. قوى الخارج نحترمها وعملها مكمل لقوى المعارضة في الداخل وليس بديلا».
واليوم, إذا كان تأجيج الخلافات في المعارضة السورية أولى نتائج التحاق خدام بها, فعلامَ تراهن «جبهة الخلاص» لتحقيق أهدافها ؟
رغم رفض المعارضة بشكل قاطع لأي دعم خارجي, فهي تعول على الافادة من المناخ الدولي! ما فسره مراقبون بقبول غير مباشر لمساعدات أميركية وفرنسية, بالإضافة إلى الدول الغربية المعنية بالشأن السوري, وهذا يتلاقى مع موقف الولايات المتحدة الذي عبر عنه آدم إيرلي الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية عبر نفي علمه بوجود اتصال بين بلاده وخدام, وفي الوقت ذاته تأييد تشكيل حكومة سورية «تمثل رغبات الشعب», وهناك معلومات عن اتصالات حصلت مع مسؤولين أميركيين وفرنسيين بقيت طي الكتمان, وذلك للاطلاع على استعدادات المعارضة للفترة المقبلة, فيما كانت باريس تمنت على خدام التوقف عن التصريح من على الأراضي الفرنسية, وقيل ان ذلك تم بطلب سعودي بعد البلبلة التي أحدثتها تصريحاته التي أعلن فيها انشقاقه في وسائل الاعلام السعودية, كما يتم التحضير لعقد لقاءات بين معارضين سوريين ولبنانيين نهاية الشهر المقبل, بعدما كثف خدام في الآونة الأخيرة اتصالاته مع مسؤولين لبنانيين.
وفيما أعلن عن لقاء ثان في بروكسل لـ«جبهة الخلاص» بعد 49 يوماً من انعقاد الاجتماع الأول, تم الحديث عن لقاء لمعارضين سوريين في قطر على هامش «ندوة الحوار حول منظمات المجتمع المدني», الأمر الذي تم نفيه لاحقاً بعدما تم ربط تلك الأنباء بالزيارة الخاطفة لوزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى الدوحة وتسليمه رسالة شفهية إلى الأمير حمد بن خليفة آل ثاني من الرئيس بشار الأسد.
على غير العادة, لم تصمت الحكومة السورية عن تحرك المعارضة الأخير في بروكسل, فوصف نائب وزير الخارجية فيصل المقداد, تحركات المعارضة بفقاعات هنا وهناك «لا تؤثر في الزخم الشعبي والتأييد الجماهيري الذي تلقاه الحكومة في سوريا», مؤكداً أن «سوريا لم تكن موحدة خلف قيادة الرئيس بشار الأسد كما هي اليوم». وقال المقداد إن «سوريا تعرضت في تاريخها الحديث لكثير من التحديات والصعاب التي كانت تفرض عليها دائماً من الخارج», ورأى أن «هذه مخططات خارجية ترتبط بمخططات خارجية في الوقت الذي تمارس فيه أشد أنواع الضغوط على سوريا».
كما نشرت الصحف السورية الرسمية تبليغاً يطلب من خدام وجميع أفراد عائلته المثول أمام المحكمة في بانياس في نيسان €ابريل€ المقبل. ولم يستثن الإعلان أي فرد من عائلة خدام, بما في ذلك أحفاده. وجاء في الإعلان: «بما أنكم مجهولو محل الإقامة تقرر تبليغكم بالصحف لحضور الجلسة في الساعة العاشرة من يوم الاثنين 24€4€2006 وإلا ستجري بحقكم المعاملة القانونية». وذكر الإعلان أن «رئيس مجلس الوزراء محمد ناجي العطري ووزير المالية محمد الحسين تنوب عنهما إدارة قضايا الدولة بطرطوس يمثلان الجهات المدعية». وتتعلق التهم بالاستيلاء على أراض من أملاك الدولة وأملاك بحرية, إضافة إلى قروض من المصارف السورية لم تسدد, إلى جانب أملاك تتعلق بأولاده.
ويرى محللون أن اهتمام الشعب السوري بملاحقة خدام قضائياً, يفوق كثيراً اكتراثهم بأخبار التحاقه بالمعارضة, إذ يعتبر الكثيرون انه من الخطأ منح خدام الفرصة لتنظيف ماضيه الفاسد بمنديل المعارضة, لأن ذلك سيشجع أمثاله من الفاسدين على السير خلفه, على أمل عودتهم الى السلطة على أكتاف المعارضة وكأن شيئاً لم يكن. من جانب آخر, اعتبر مصدر دبلوماسي عربي أن حسابات خدام خاطئة, بتعويله بشكل أساسي على نتائج التحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري والشهادة التي أدلى بها, كما يورط البيانوني معه, في حسابات ستنعكس على المعارضة بشكل سلبي. فالقول أن النظام «السوري استوفى كل أسباب الانهيار» لا يرتكز على قراءة واقعية, حيث أولى أسباب الانهيار هي أن النظام لم يعد له قاعدة شعبية, ومعزول داخلياً وخارجياً, إذ تنأى هذه الرؤية عن الدقة, لأن الضغوط الأميركية على سوريا والوضع في العراق والحملة الإعلامية من بعض وسائل الإعلام اللبنانية, جعلت السوريين يعطون الأولوية للأمن والاستقرار, عبر الالتفاف حول الرئيس بشار الأسد والعمل على دفع برنامج الإصلاح التدريجي رغم بطئه الشديد. ناهيك عن أن القوى الأساسية التي بإمكانها إحداث التغيير لا تزال تحت السيطرة الكاملة للنظام, وهي الجيش والأمن ورأس المال والإعلام. كذلك لا تشكل العزلة الدولية سبباً للانهيار, فالنظام العراقي الذي عزل تماما لأكثر من عشر سنين لم ينهر إلا بالتدخل العسكري, ناهيك عن أن سوريا لم تعزل دولياً سوى من أميركا وحلفائها الأوروبيين فرنسا وبريطانيا, أما عربياً فما زالت أقوى دولتين عربيتين €السعودية ومصر€ تبديان حرصاً شديداً على استقرار سوريا, مما يعني أن الطريق مازال طويلاً, وهذا ما تدركه كثير من أطياف المعارضة الداخلية الوطنية التي على تماس مع الواقع.

 

سعاد جروس - الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...