عن إعلان مشروع رؤية سياسية فلسطينية جديدة

10-06-2008

عن إعلان مشروع رؤية سياسية فلسطينية جديدة

هناك حقائق بسيطة و أساسية في نفس الوقت , أن القضية الفلسطينية بقدر ما مثلت رافعة لمقاربة نقدية للواقع فإنها أيضا كانت مدخلا لأطروحات ليس فقط غير واقعية بل و ساذجة و ربما عدمية , و أيضا ضحية مقاربات مؤدلجة ظاهريا و مزيفة داخليا كونها تعكس مصالح أنانية ضيقة لفئات مختلفة أبعد عن أن تمثل الشعب الفلسطيني أو حلمه الوطني أو رغبته بالخلاص من الاحتلال..من السخف في حقيقة الأمر مثلا هذا الاعتقاد شبه العام بأن الانتصار على عدو على هذه الدرجة من القوة و الدموية سوف يتم حسمه استنادا إلى نسبة التكاثر السكاني المرتفعة للجماهير الفلسطينية..هذه السذاجة أيضا هي ما تجعل هذه القضية مناسبة لكي تستغل من جانب أي طرف مثلا ضد الحداثة إن شئت كحالة مرتبطة بالغرب حامي و داعم إسرائيل أو كجزء من الاتهامات أو الإدعاءات في سياق المناورات السياسية القائمة بين القوى و الأنظمة الإقليمية أو الدولية أو حتى لتبرير قمع أو سيطرة بعض القوى و الأنظمة من جهة , و من جهة أخرى كهدف سهل نسبيا للتشكيك بمجمل الطرح المقاوم و توجيه صدمة للوعي الجمعي بتفكيك و استهداف هذه السذاجة عن إمكانية هزيمة الاحتلال لصالح حقائق الأمر الواقع أي هيمنة الاحتلال..ليس فقط أن خيار الدولتين قد أصبح وهما , بل إنه في حقيقة الأمر أصبح تشريعا و قوننة للاحتلال بتحويل المناطق التي يفترض أن تتشكل الدولة الفلسطينية عليها إلى معازل متفرقة على الطريقة الجنوب أفريقية و يحول مجمل القضية إلى قضية معابر و حواجز و جدار فصل و استمرار الإمداد بالغذاء و الكهرباء و الوقود و الدواء أو عبور المرضى و جمع الأسر من جديد..إن الحديث عن دولة علمانية ديمقراطية واحدة يحمل منطقا داخليا لا لبس فيه ذا موقف محدد من مسائل الاحتلال و الحرية الفردية و الجماعية , من مسألة الهوية , هي مقاربة إنسانية في جوهرها , و إن كانت مغيبة نسبيا وسط قعقعة السلاح طوال عقود الصراع الماضية , يجب أيضا الاعتراف أن السذاجة الثورجية بالإضافة إلى شعبوية معاداة الخصم المطلقة تفرض على هذه المقاربة إلى حد ما أن تدفع ضريبة مثل هذا الموقف أمام السائد السلطوي بإمكانياته أو الشعبوي بمنطقه الساذج المؤدلج لكنها ضريبة أفترض أنها ضرورية لخلق صدمة حقيقية للرؤية الشعبوية الساذجة أو للرؤى التي تقوم على تغييب الإنسان لصالح أية إيديولوجيا , هنا في صلب هذه المقاربة أيضا محاولة لإعادة تعريف الهوية الفلسطينية بمضمون أكثر إنسانية , بمضمون يضع الإنسان الفلسطيني بالضرورة في مركز هذه الهوية و ليس أية رؤية مؤدلجة ما للصراع , و من هنا تستمد مشروعية الحديث عن حالة تضمن المساواة السياسية و الاجتماعية و الفكرية و العقيدية للإنسان كأساس للحل..لقد عانى الإنسان الفلسطيني من محاولة إلغاء استثنائية في بشاعتها و في الحقيقة فإن المسألة اليوم , وفق المقاربات السائدة , هي بين الدعوة للاستسلام لهذا الواقع مع تجميل بعض تفاصيله الثانوية بحجة مناعة هذا الواقع على التغيير و بين رفض هذا الواقع المحق من دون شك لكن من دون أي اعتبار للبشر , للفلسطينيين أنفسهم كمركز للقضية و حتى استبعادهم من صيغة الحل القادم , الغامض البعيد الهلامي و المؤدلج بالضرورة , بل و حتى تحجيم المساهمة المطلوبة منهم لإنجاز هذا الحل بإرجاع القدرة على إنجاز التغيير إلى قوى غيبية أو تاريخية تقوم على بداهة ساذجة عن انتصار الحق على الظلم أو إلى قوى فوقية أو حتى قمعية و فردية أو بيروقراطية فاشلة في حقيقتها , ما يزعم هذا الإعلان أنه يريد فعله هو أن يعيد الاعتبار للفلسطينيين الواقعيين أبعد من مجرد صورة متواصلة للظلم و القمع اللذين يمارسهما الاحتلال قابلة لتندرج في إطار هذه الرؤية المؤدلجة للواقع و للصراع أو تلك , و أن يعيد تركيب القضية حولهم , سواء من حيث الغاية أو الأساليب أو التعريف العام...

مازن كم الماز

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...