تهويد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وأزمة المجتمع العلماني

02-10-2007

تهويد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وأزمة المجتمع العلماني

الجمل: ترتبط فكرة إسرائيل بـ(خطة الوضع النهائي للعالم) التي يعتمدها المنظور اليهودي الذي تتمسك به المؤسسة الحاخامية اليهودية المعاصرة التي أعادت إنتاج الصيغ التوراتية والتلمودية للعامل والمصير الإنساني.
وتأسيسا على ذلك يزعم الإسرائيليون بأن الصراع الإسرائيلي – العربي إذا تحول من صراع حقوق إلى صراع ديني فإن فرصة إسرائيل سوف تكون أكبر في تحقيق المزيد من الأهداف التي تتيح لها الاستفادة من الكثير من المزايا الجديدة.
• المؤسسة العسكرية الإسرائيلية قصة مذهبين:
ثنائية أثينا- أورشليم التي اقترضها الفيلسوف السياسي اليهودي الأمريكي (الألماني الأصل) ليوشتراوس هي ثنائية تفترض  تلازم الحكمة العقلية مع الوحي الإيماني، وبكلمات أخرى تمثل أثينا الحكمة العقلية وتمثل أورشليم الوحي والإيمان الديني، وعلى خلفية الواقع الإسرائيلي الحالي فقد أصبح واضحا أن هذه الثنائية قد انتقلت عدواها إلى عمق الواقع الإسرائيلي وتجسدت في شكل دولة يسيطر عليها الانقسام ضمن ثنائية الدولة العلمانية الديموقراطية التي تتباهى بنموذجها الغربي، وفي الوقت نفسه يتباهى ويلتزم سكان هذه الدولة بهويتهم الدينية اليهودية ويدفعون باتجاه إعلان إسرائيل دولة دينية يهودية.
المؤسسة العسكرية أيا كانت وفي أي بلد كان تتجسد فيها كل أبعاد القيم المجتمعية وفي إسرائيل تتجسد بالتمام والكمال إسقاطات ثنائية أثينا- أورشليم التي تحدث عنها ليوشتراوس، فمن جهة يدفع الإسرائيليون باتجاه بناء جيش علماني حديث عصري قومي يعتمد مذهبيات الجيوش الغربية المعاصرة.
ومن الجهة الأخرى يدفع نفس هؤلاء الإسرائيليون باتجاه بناء جيش يهودي عقائدي يعتمد مذهبيات التوراة والتلمود في حالتي الحرب والسلام... الأمر الذي جعل هيئة الأركان الإسرائيلية وجيشها موزعة بين (المدينة العلمانية الغربية) و(مدينة الرب يهوه اليهودي).
* المؤسسة العسكرية الإسرائيلية- إشكالية العلاقات المدنية- العسكرية:
 يقوم تاريخ إسرائيل ككيان سياسي زرعته الصهيونية العالمية في منطقة الشرق الأوسط على مثلث القوة- المال- الدين وضمن إطار ونفوذ عناصر هذا المثلث تشكلت البنية المؤسساتية للدولة الإسرائيلية والتي لعبت دورا كبير في تشكيل العلاقات وضبط التفاعلات المجتمعية التي يشارك فيها على السواء اليهود الموجودين داخل إسرائيل والموجودين خارجها.
تاريخيا وعلى مدى الستين عاما الفاصلة بين الآن ولحظة إقامة دول الكيان الصهيوني إسرائيل، ظلت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لا تفرض نفوذها على المؤسسات المدنية وحسب، بل ولها حضورها الفاعل القوي ضمن القوام المؤسسي والدور الوظيفي للمؤسسات المدنية وقد أشارت البروفيسورة الإسرائيلية تانيا راينهارت إلى ذلك في تحليلها لما أطلقت عليه تسمية (الإرث الشاروني) والذي أثبت في سيطرة العامل العسكري على العامل المدني الدولاتي والمجتمع الإسرائيلي وذلك على النحو الذي أصبح فيه جنرالات الجيش الإسرائيلي يضفون على أنفسهم المزيد من الهالات الأسطورية تماما على غرار الشخصيات الأسطورية اليهودية التي وردت في التوراة والتلمود.
ومن أبرز هؤلاء في تاريخ إسرائيل، أشارت البروفيسورة تانيا راينهارت تحديداً إلى الجنرال أرييل شارون باعتباره النموذج الأوضح والأقوى لهذه الظاهرة.
الطابع المدني الحالي للدولة الإسرائيلية هو في حقيقة الأمر مجرد شكل خارجي خادع يعمل كغطاء لدولة إسبارطية تعتمد القوة والخداع في كل شيء، ويدعم إسبارطية هذه الدولة الشعب الإسرائيلي نفسه الذي أكسبته القراءات  التلمودية الأسطورية عدوى مرض بيليكوزيا ولع الحرب... بحيث أصبحت ما من حكومة إسرائيلية تستطيع أو تيار أو حزب سياسي إسرائيلي يستطيع الحصول على دعم ومساندة الرأي العام الإسرائيلي إذا لم يكن مولعا بالحرب والعدوان.
• مستقبل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية: بين أزمة التهويد وتهويد الأزمة نقلت صحيفة الأخبار اليومية اللبنانية نقلا عن وكالة أنباء الـ(يونايتد برس انترناشونال) خبرا يقول بأن مؤسسة (نتيف) الإسرائيلية وبالتعاون مع الجيش الإسرائيلي والوكالة اليهودية قد عملت على تهويد 2213 جنديا مهاجرا من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق إلى إسرائيل.
وأشارت صحيفة ايديعوت احرونوت الإسرائيلية إلى أنه خلال الفترة  من نهاية عام 2001 وحتى اليوم استطاع 2634 جندياً مهاجراً  إلى إسرائيل إنهاء دورات التأهيل التهويدي وأن من بين هؤلاء استطاع 2213 النجاح في امتحانات محكمة التهويد الشرعية الإسرائيلية.
تستمر دورات تهويد الجنود لفترة ثلاثة أشهر وبعد يقوم الحاخام العسكري بتهويدهم أما خارج الجيش فتستمر فترة التهويد إلى 10 أشهر وحاليا يحاول مجلس الحاخامات في إسرائيل تمديد فترة تهويد الجنود لتكون عاما كاملا بدلا من مجرد ثلاثة أشهر.
وبالتأسيس على ما أوردته صحيفة الأخبار اللبنانية تتضح أبعاد المراوحة بين أزمة التهويد من جهة، وتهويد الأزمة من الجهة الأخرى وما يتضح حاليا أن الخيارات أمام قيادة الجيش الإسرائيلي سوف تصبح أكثر صعوبة.
• خيار تهويد أزمة يدفع قيادة الجيش الإسرائيلي إلى فرض دورات التهويد على المهاجرين لإسرائيل، وذلك عن طريق فرض (برنامج الهوية اليهودية- الصهيونية) الذي تشرف على إعداده وتنفيذه مؤسسة (نتيف) وبكلمات أخرى فإن أزمة ظاهرة وجود  جنود وعسكريين داخل الجيش الإسرائيلي غير يهود تلجأ قيادة الجيش الإسرائيلي إلى التغلب عليها عن طريق فرض برنامج التهويد.
• خيار أزمة التهويد: وهو خيار يفرض نفسه كل يوم وبشكل متزايد على قيادة الجيش الإسرائيلي وذلك لأن اعتماد البرامج اليهودية الدينية في التدريب والإعداد سوف يترتب عليه تحويل عناصر الجيش الإسرائيلي على غرار نموذج حركة طالبان، وبكلمات أخرى فإن (نموذج طالبان الأفغانية الإسلامية الأصولية) الذي نشأ من رحم ما يعرف بالمدرسة (الديدبندية).
وعموما مهما حاول الإسرائيليون إخفاء الطابع الحقيقي للكيان الإسرائيلي فإنهم في نهاية الأمر مواجهون بأزمة الدولة الدينية اليهودية والتي سوف تنشأ رغما عن كل جهودهم طالما أنهم يعتمدون مبدأ التهويد كأساس للمواطنة... وطالما أن مدارس التهويد الإسرائيلية ذات الطابع المدرسي الديدبندي الأفغاني مستمرة في القيام بدورها.
التوجهات الإسرائيلية التي وردت في خطاب وزيرة الخارجية الإسرائيلية ورئيسة الوزراء المرتقبة التي تخطط وتلعب بنجاح من أجل إقصاء ايهود اولمرت لتحل محله هي توجهات تشير إلى جانب من الموضوع وذلك لأن المخطط الإسرائيلي الهادف إلى تحويل الصراع العربي – الإسرائيلي  من صراع يدور حول الحقوق العربية المشروعة إلى صراع يدور كما وصفته تسيبي ليفني بين الديموقراطية والإرهاب.
وسوف تصبح مشكلة إسرائيل أكثر تعقيدا لو تحول الصراع آخذا شكل الصراع بين الديموقراطية والإرهاب وذلك لأن جانب الديموقراطية (الذي تفترض الوزيرة بأنه يتمثل في إسرائيل وحلفاءها) هو جانب سوف ينفرط عقده عندما ينكشف أمر (المدرسة الديدبندية) الإسرائيلية ودورها الوظيفي في (تهويد) القوات التي تحارب افتراضا ضد (الإرهاب الذي يمثله المسلمون والعرب) ومن أجل الديموقراطية التي يمثلها الذين تم تهويدهم.. وعندها سوف يكون الخيار صعبا للغاية أمام إسرائيل في مواجهة حركة حماس وحزب الله.. وغيرهم. ولا أحد في العالم الغربي كما يبدو سوف يقبل حينها بالوقوف مع أي من الطرفين.


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...