اللوبي الإسرائيلي يناهض توصيات لجنة بيكر- هاميلتون

22-12-2006

اللوبي الإسرائيلي يناهض توصيات لجنة بيكر- هاميلتون

الجمل:   نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ورقة أعدها الباحث بالمعهد روبرت ساتلوف، وحملت عنوان (إغفال وتناسي نظريات الدومينو).
موضوع الورقة يأتي ضمن حملة  الهجوم المنظم الذي يقوم به ويتزعمه اللوبي الإسرائيلي على وجه الخصوص في أمريكا ضد توصيات لجنة بيكر- هاميلتون (مجموعة دراسة العراق). وتهدف هذه الحملة على وجه الخصوص إلى تحقيق عدة أهداف، أبرزها:
• تصعيد الحرب الأمريكية في العراق، أو على الأقل الإبقاء على الوضع الراهن.
• عدم إعطاء أي فرصة لإقامة حوار وتفاهم أمريكي- سوري حول موضوع العراق، لأن ذلك سوف يؤدي إلى اتساع نطاق هذا الحوار وانفتاحه على الملفات الشرق أوسطية الأخرى، وبالذات ملفات: الجولان، لبنان، فلسطين.
• دعم ومساندة أجندة وعناصر جماعات المحافظين الجدد، وتأمين استمرارية سيطرتهم على دوائر صنع واتخاذ القرار داخل الإدارة الأمريكية.
يقول روبرت ساتلوف:
الرجال (والنساء) العقلاء –قد- لا يعرفون تاريخهم، ويبدو ذلك واضحاً: فكل المسائل والقضايا الرئيسية في الشرق الأوسط، تترابط وتتداخل بشكل معقد وشائك يصعب انفكاكه، وعلى ما يبدو، فقد كان مؤلفو تقرير مجموعة دراسة العراق غير مبالين إلى حد فقدان الصواب بسياسات الشرق الأوسط السابقة خلال الخمسة وعشرين عاماً الماضية.
القضية –المترابطة- ليست جديدة، فالرئيس جورج بوش الأب، ووزير خارجيته آنذاك جيمس بيكر، حاول قبل 15 عاماً مضت، بناء عملية سلام عربية- إسرائيلية تستند إلى خلفية النجاح الأمريكية في حرب الخليج الأولى، في إدارة الرئيس جورج بوش (الابن) الحالية. بعض الذين كانوا يدافعون عن الإطاحة بصدام حسين، أصبحوا يرددون تلك الفكرة –أي فكرة عملية السلام المشار إليها- متكهنين بأن التغيير المرتقب وفقا لتوصيات لجنة بيكر، سوف يفتح المسارات والسبل الجديدة للقيام بعملية سلام إسرائيلي- فلسطيني.
يرى ساتلوف أن هذا النوع من الربط يتضمن جانباً ينذر بالكثير من السوء والشر المستطير، وما هو شائع ومشترك في الآراء المتداولة، يتمثل في الآتي:
- إذا لم يتم حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي فإن الصراع يمكن أن يفيض ويتحول إلى حرب شرق أوسطية واسعة.
- إن الصراع العراقي، أصبح يهدد بالتحول باتجاه تشكيل نقطة البؤرة المركزية للاضطراب وعدم الاستقرار في منطقة الخليج.
- إن تفاقم الأمور سوف يؤدي إلى خطر تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى منطقة الخليج، على النحو الذي يقوض ويؤدي إلى كافة البلدان الموالية لأمريكا والدول الغربية.
- العنف السني- الشيعي في العراق سوف ينتشر كالعدوى المرضية في سائر أنحاء المنطقة، بشكل يؤدي إلى إيقاظ وتنشيط إراقة الدماء والاستئصال والتطهير العرقي (وهو الرأي الذي طرحه روبرت غاتز أمام جلسة الكونغرس الخاصة باعتماده وزيراً للدفاع خلفاً لرامسفيلد).
يقول روبرت ساتلوف، محاولاً التشكيك في مصداقية هذه الآراء: عن مشكلة كل وجهات النظر هذه، تتمثل في انه بعد جيل كامل من التنظير حول (دومينوهات) الشرق الأوسط، فإن الدليل الشاهد يقول بوضوح: إن هذه الارتباطات بكل بساطة غير موجودة.
• أولا: النجاح العسكري في الخليج من غير الممكن ترجمته إلى نجاح دبلوماسي في المنطقة، فعملية مدريد، من الممكن (باعتبارها مبادة إقليمية) أن تكون جلسة البداية الواعدة.
ولكن بمجرد أن تم إخضاعها للمساومة الحقيقية فقد حدث أن كبرت وتفاقمت متصاعدة باتجاه مضاد ومناوئ للوقائع الصريحة القاسية المتعلقة بالخلافات الفلسطينية- الإسرائيلية والسورية- الإسرائيلية. ويضيف ساتلوف قائلاً: إن فكرة البناء على عملية إنهاء صدام حسين، بهدف إحداث تطوير ونقلة على الجبهة الإسرائيلية- الفلسطينية من الممكن أن تكون قد دفعت بحركة ياسر عرفات إلى دائرة النسيان والتجاهل، وأرست الأرضية السياسية الفلسطينية الداخلية المحبطة للوقائع التي أتت بعد رحيل ياسر عرفات.
• ثانياً: الكوارث المحلية لا يمكن ترجمتها إلى كوارث إقليمية: برغم تخريب، وإرهاب، وغطرسة إيران، وخطورة تهديدها، فإن كل دولة عربية سوف تظل تعاني وتعايش خطر تصدير الثورة الإسلامية. وعلى الرغم مما يشبه الإجماع التام الذي تتلقاه فضيلة ضرورة وضع خطة عمل حكيمة خاصة بالشرق الأوسط، فإنه لا يوجد دليل أو برهان يدعم الأطروحة أو الفرضية القائلة: إن العنف الإسرائيلي- الفلسطيني له امتدادات وتداعيات ومضاعفات إقليمية كبيرة هائلة، وإذا تم تركها وتجهلها فمن الممكن أن تقود إلى حرب إقليمية.
البرهان الأفضل لهذا الاستنتاج الحدسي المضاد، تقدمه الانتفاضة الفلسطينية التي بدأت بعد انهيار قمة كامب ديفيد التي تم عقدها في عام 2000م، وبوقوع أكثر من 3000 قتيل فلسطيني و1000 قتيل إسرائيلي، تكون عملية سفك الدماء التي حدثت في السنوات الثلاث التي أعقبت ذلك هي الأسوأ في تاريخ الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.
وفي الوقت الحالي يمكن القول: إن التأثير الإقليمي لهذه العملية، بوضوح، هو لا شيء.
فلم تهدد دولة عربية واحدة بالقتال إلى جانب الفلسطينيين، بل ولم تأتِ أي واحدة من هذه الدول لمساعدتهم عسكرياً. وما حدث بالفعل هو أن إيران البعيدة، حاولت إرسال الأسلحة للفلسطينيين. كذلك لم يتظاهر (الشارع العربي) ساخطاً وشاجباً. ولم تقم الأردن ولا مصر بإلغاء سلامهما مع إسرائيل، ولم تواجه إي دولة عربية مظاهرات أو احتجاجات كبيرة. ومن ثم، فالصراع الذي مثل تجربة مرعبة ومخيفة للإسرائيليين والفلسطينيين، قد تم احتواؤه.
الدرس الذي قدمه الجيل الماضي، يتمثل في أن معظم دول الشرق الأوسط العربية قد أصبحت أكثر قوة، وليس أكثر ضعفاً. والزعماء العربي ظلوا دائماً أكثر اهتماماً، وفي المقام الأول قبل كل شيء باستمرارية بقائهم، وهو أمر يعني بوضوح حماية مصالحهم الوطنية، وعدم المشاركة في الأفكار والمفاهيم الرومانطيقية ذات الطابع الاثني أو الأيديولوجي الديني. وعلى ما يبدو، على سبيل المثال، فإن هذا هو السبب الذي دفع روبرت غاتز-وزير الدفاع الأمريكي الجديد- إلى التحذير من تدخل الدول العربية في العراق بهدف الدفاع عن اشقائهم العرب السنة، إزاء عملية التطهير الاثنية الشيعية الملتهبة الحماس.
هل ستقوم القوات المسلحة السعودية بعملية غزو العراق؟ والإجابة تقول: على العكس، فالسعوديون يتأملون ويعتزمون إقامة وبناء جدار أمني على غرار النموذج الإسرائيلي على طول الحدود العراقية، وذلك لأنهم يرغبون في إبقاء واحتجاز مشكلة العراق ضمن وداخل العراق. وهل سيتدخل الجيش السوري المخيف إلى حدّ ما؟ والإجابة: بصعوبة، فالموجودون في دمشق سوف يستمتعون بمنظر أمريكا وهي تتلوى بوجع في العراق، وفقط هناك فرصة ضئيلة للقول: إنهم سوف يقاتلون إلى جانب المتطرفين والأصوليين السنة، الذين يخافون من وجودهم جداً في وطنهم. وبالطبع لا يمكن توقع اندفاع الكويتيين عبر الحدود من أجل تقديم المساعدة للمقاتلين العراقيين.
الحقيقة الواقعية الصريحة المباشرة، والخالية من أي تعقيد، تتمثل في أن ميليشيات الشيعة تحاول تنفيذ عملية تطهير اثني ضد العرب السنة، وواشنطن لا تتوقع من جيران العراق العرب، القيام بأي شيء، سوى وضع الحواجز الحدودية لمنع التدفق الكبير للاجئين العراقيين. وفقط على غرار ما حدث عندما واجه المسلمون مجازر الحرب في الكويت والبوسنة وكوسوفو، فإن البلد الذي على الأرجح سوف يجني ويساعد المسلمين الذين يواجهون الخطر داخل العراق، سوف يكون هو الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالطبع، فإن تقوية وتعزيز الدول العربية ليس أمراً خاضعاً لمعيار موحد، ولا أمراً مقدساً، باستثناء سوريا. والمضاعفات والتداعيات الأكثر سلبية في التأثير، ظلت تتمثل في صعود الأنظمة ذات الطابع البوليسي- السري: الحكومات التي تقوم في نهاية الأمر بتدوير كل دولار فائض لديها، في خدمة ومصلحة خدمات أجهزة المخابرات التي تطوق كل شيء. والنتيجة النهائية إزاء الأسوأ أو الأفضل، تتمثل في أن هذه الأنظمة العربية –باستثناء سوريا- باتت تعرف كيف تهتم وتعتني جيداً بنفسها.
وفي النهاية يخلص ساتلوف إلى أن أمريكا تحتاج إلى التركيز على مجموعة من المشاكل المتمايزة والمختلفة في الشرق الأوسط، -من الصراع العربي الإسرائيلي وإلى الطموحات النووية الإيرانية- وذلك في كافة الاعتبارات المتعلقة بأي من هذه المشاكل يتميز بالأهمية، ويعود بالفائدة لمصلحة أمريكا، فالطريق إلى بغداد برأي ساتلوف لا يمر عبر طهران، ولا عبر دمشق، ولا أورشليم أو غزة، وهو طريق مسدود يبدأ وينتهي حصراً ضمن وداخل العراق وحده فقط لا غير.
وأخيراً نقول: في مطلع عام 2003م وتحديداً عند بداية قيام القوات الأمريكية بعبور الحدود العراقية- الكويتية، والتقدم داخل العراق، ارتفعت أصوات ساتلوف، وبقية الباحثين والمحللين التابعين لمعهد واشنطن، وجماعة المحافظين الجدد، مطالبة الإدارة الأمريكية، بعدم الاكتفاء حصراً بإسقاط نظام صدام، واحتلال العراق، وبضرورة التقدم نحو المحطة التالية، التي تكمل وتحقق النجاح المطلوب، وذلك تحت ذريعة أن الخارطة واحدة، وأن العراق وسوريا يمثلان بيتاً واحدا.. كذلك عندما قامت إسرائيل بالاعتداء على لبنان في حرب الصيف الماضية، ارتفعت أيضاً نفس هذه الأحداث مطالبة بتوسيع نطاق العدوان الإسرائيلي لتمثل وتغطي دائرة سوريا، وذلك لأن سوريا ولبنان يمثلان بيتاً واحداً.
واستناداً إلى القول الشائع: ما أشبه الليلة بالبارحة، نقول: إن الليلة لا تشبه البارحة عند ساتلوف ومعهد واشنطن وجماعة المحافظين الجدد، والفضل يرجع إلى تقرير لجنة بيكر- هاميلتون، الذي جعلهم يتنازلون عن كل ما كانوا يقولونه ويطالبون به، بحيث أصبحوا يجهدون للفصل بين سوريا والعراق ولبنان، بدلاً من جهدهم للربط بينهم سابقاً.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...