الدبلوماسية الوقائية السورية في التعامل مع الأزمة الإيرانية

27-07-2008

الدبلوماسية الوقائية السورية في التعامل مع الأزمة الإيرانية

الجمل: نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى تحليلاً أكد على أن الجهود الإسرائيلية – الأمريكية لجهة التصدي لإيران قد وصلت إلى خيار ضرورة التوصل إلى الحل النهائي الشامل لجهة القضاء على الخطر الشامل، وبشكل متزامن مع ذلك نشر موقع دبكة الاستخباري الإسرائيلي تسريباً يقول بأنه إذا فشلت المحادثات النووية الجارية حالياً مع إيران فإن الرئيس بوش سيصدر أمر الهجوم في الفترة الواقعة بين تشرين الثاني 2008 وكانون الثاني 2009م، وبشكل متزامن مع ذلك أيضاً، تزايدت التقارير والتسريبات التي تنذر باقتراب المواجهة مع إيران، كما برزت المعلومات القائلة بأن الرئيس السوري بشار الأسد سيقوم (بمباركة فرنسية) بالتدخل من أجل التوصل إلى حل أزمة البرنامج النووي الإيراني.
* دبلوماسية سوريا: الخصوصية الجيوبوليتيكية والدور الوظيفي الجديد:
لاحظ المراقبون والمحللون أن دخول دمشق كوسيط لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني هو أمر يشير إلى الآتي:
• بداية تشكل إدراك غربي إيجابي جديد تجاه دمشق خاصةً وأن الغرب في السنوات السابقة كان يتعامل مع دمشق باعتبارها المرادف لطهران.
• بداية تصحيح موقع سوريا على معادلة توازن الدور والمكانة لجهة أن مكانة سوريا ووزنها على خارطة شرق المتوسط تعطيها الحق والقدرة على القيام بدور وظيفي في حل النزاعات وتعزيز استقرار المنطقة.
* الدبلوماسية الوقائية السورية: إلى أين؟
توجد العديد من الأطروحات التي يمكن أن تندرج ضمنها دبلوماسية سوريا على خط باريس – دمشق، وعلى خط طهران – دمشق ولكن ما هو مناسب في هذه الحالة أن نشير إلى أن تحرك سوريا على هذين الخطين يندرج ضمن ما يعرف بالدبلوماسية الوقائية. الحديث عن دبلوماسية سوريا الوقائية يشير إلى قيام دمشق بمحاولة درء ومنع وقوع الصراع وتجنب الحرب، وبالضرورة، فإن تحرك دمشق لابد أن ينطوي على سلسلة واسعة من السياسات والمبادرات التي وإن اختلفت فهي تتفق إزاء هدف واحد يتمثل في تجنب استخدام العنف واندلاع الصراع.
* مجال الحراك الدبلوماسي السوري إزاء الأزمة الإيرانية:
برغم الخلافات والإشارات المتعاكسة حول مدى مصداقية قيام الولايات المتحدة بضرب إيران فإن هناك إجماع يقول بأن دبلوماسية الرئيس الأسد على خط دمشق – طهران تقع ضمن دائرة دبلوماسية الساعة الأخيرة، ويذهب البعض أبعد من ذلك لجهة المقاربة مع دبلوماسية الساعة الأخيرة التي جرت على خط موسكو – بغداد مع نظام الرئيس السابق صدام حسين عشية الغزو الأمريكي.
يتصور البعض بأن الحراك الدبلوماسي الوقائي السوري سيتم حصراً على خط دمشق – طهران، وبرغم صحة ذلك، يمكن الإشارة إلى أن خط دمشق – طهران يمثل محوراً في الحراك الدبلوماسي لأن هناك محاور تكتيكية أخرى ينبغي التحرك ضمنها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ينبغي معرفة ما الذي تريده باريس على وجه الدقة، خاصةً وأن باريس لا تملك الكلمة النهائية الفاصلة التي تحدد وقوع الضربة وعدم وقوعها، فباريس كما هو معلوم لا تمثل سوى طرفاً حليفاً لواشنطن الوثيقة الصلة والارتباط بإسرائيل...
• هل المطلوب التزام طهران بعدم إنتاج الأسلحة النووية مع السماح لها باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية؟
• هل المطلوب إلزام طهران بإيقاف كل أنشطتها النووية والالتزام بعدم ممارسة حق استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية التي كفلها لها القانون الدولي؟
• هل أزمة الملف النووي الإيراني مقصودة في ذاتها أم أن واشنطن أثارت هذه الأزمة بسبب رغبتها في ابتزاز إيران واستغلال قدراتها في دعم وتوطيد وتثبيت أركان الاحتلال الأمريكي في العراق؟
عودتنا خبرة تحليل الأزمات الإقليمية والدولية على وجود المعلن وغير المعلن وفي كثير من الأحيان كان غير المعلن يمثل العامل الحقيقي، بينما يمثل المعلن العامل الشكلي المظهري الذي يستخدم ضمن سيناريو توفير الغطاء.
* هل من سياق إقليمي – دولي جديد؟
حتى وقت قريب كان واضحاً أن محور واشنطن – تل أبيب قد استطاع أن يبني تحالفاً واسعاً ضد طهران وذلك عندما ضم إلى جانبه عواصم: لندن، باريس، روما، برلين وغيرها، إضافةً إلى الرياض والقاهرة وعمان. والآن، بعد مباركة باريس للحراك الدبلوماسي الوقائي السوري على خط دمشق – طهران هل يمكن اعتبار موقف باريس باعتباره نقطة البداية التي يمكن أن تؤدي إلى قيام خط باريس – دمشق كمحور يمكن أن يكون تطوره المستقبلي مشروطاً بمدى نجاح الدبلوماسية السورية في حل أزمة البرنامج النووي الإيراني.
* دبلوماسية الرئيس الأسد على خط طهران: حسابات الفرص والمخاطر:
القمة السورية – الإيرانية التي تسبق القمة السورية – الفرنسية سوف لن تكون مجرد لقاء ينطوي على تبادل النوايا والتأكيد على تطوير العلاقات الثنائي، وإنما ستكون قمة مصيرية بمعنى الكلمة لمستقبل الاستقرار والأمن في المنطقة الممتدة من جاكرتا وحتى سواحل موريتانيا والسنغال.
• الفرص المتاحة هي تجنب الحرب.
• المخاطر المحدقة هي اندلاع الحرب.
الحراك الدبلوماسي إزاء خيارات الدبلوماسية الوقائية الهادفة لجهة استغلال فرصة تجنب الحرب وتفادي مخاطر اندلاع الحرب، هو حراك دبلوماسي يقوم على أربعة استراتيجيات هي:
• الاستراتيجيات الهجومية: وفي هذه الحالة من الممكن أن تسعى إيران باتجاه الهروب إلى الأمام عن طريق محاولة تضخيم قوتها الداخلية والتقليل من شأن المخاطر والمهددات الخارجية ومن ثم تتمسك إيران بالإصرار على الاستمرار في برنامجها النووي وإطلاق التحذيرات بأن تعرضها لأي ضربة عسكرية سيترتب عليه إزالة إسرائيل من الوجود وإلحاق الخسائر الفادحة بالمصالح الأمريكية. ونفس الاستراتيجية يمكن أن نجدها على الجانب الأمريكي الذي يعتد بقوته العسكرية ويستند إليها في محاولة فرض الإملاءات الوحيدة الجانب التي تطالب حصراً بإنهاء البرنامج النووي الإيراني دون قيد أو شرط.
• الاستراتيجيات العلاجية: وفي هذه الحالة يمكن أن تسعى إيران لاستخدام المفاوضات من أجل كسب الوقت بما يتيح لها تغطية نقاط الضعف والانكشاف الأمني – العسكري، وعلى الجانب الأمريكي يمكن أن تستمر حالة التصعيد السياسي ضد إيران مع التشدد ورفع سقف المطالب بما يشمل الملفات الأخرى، وذلك بهدف إكمال تغطية نقاط الضعف والانكشاف الأمني – العسكري التي تعاني منها خطة ضرب إيران، ومن أبرز نقاط الضعف هذه ما يتمثل في نقص المعلومات الاستخبارية الأمريكية حول القدرات العسكرية الإيرانية خاصةً وأن واشنطن ما زالت تنظر بعدم المصداقية للمعلومات الاستخبارية الإسرائيلية حول إيران.
• الاستراتيجيات الدفاعية: وفي هذه الحالة يمكن أن تسعى إيران إلى المضي قدماً في العملية الدبلوماسية وفي الوقت نفسه المضي قدماً في تعزيز قدرات حلفائها المتمركزين في جنوب العراق وجنوب لبنان وقطاع غزة بما يحمل المزيد من إشارات الردع في مواجهة خصومها. وعلى الجانب الأمريكي يمكن أن تبدو مظاهر قبول العملية الدبلوماسية وفي الوقت نفسه تبرز مظاهر التعبئة العسكرية الإسرائيلية ضد جنوب لبنان ومظاهر التعبئة العسكرية الأمريكية ضد جنوب العراق وقطاع غزة.
• الاستراتيجيات الانكماشية: على الجانب الإيراني يمكن أن تظهر إيران تجاوباً مع العملية الدبلوماسية وتقرر إمكانية التراجع عن البرنامج النووي وعلى الجانب الأمريكي يمكن أن تظهر واشنطن تجاوباً مع العملية الدبلوماسية وتقرر إمكانية التراجع عن الضربة العسكرية.
على خلفية هذه الاستراتيجيات الأربعة المتعلقة بردود أفعال الطرف الإيراني والأمريكي، ستكون أمام دمشق مهمة تحديد الفرص والمخاطر المحيطة بالعملية الدبلوماسية. بكلمات أخرى، تحديد الفرص التي يمكن أن يؤدي استغلالها إلى نجاح العملية الدبلوماسية والمخاطر التي يمكن أن تؤدي إلى إفشال العملية ثم بعد ذلك القيام بمعايرة حسابات الفرص والمخاط على أساس معادلة تعظيم الفرص إلى أكبر ما يمكن وتقليل المخاطر إلى أقل ما يمكن.
* العملية الدبلوماسية كخيار استراتيجي لإنهاء الأزمة:
من الضروري التركيز على تعزيز إدراك أطراف الصراع بأن الخيار الأمثل لحل الأزمة هو التركيز على استخدام الوسائل الدبلوماسية باعتبارها السبيل الوحيد المؤدي إلى نتيجة رابح – رابح، طالما أن استخدام الوسائل العسكرية سيؤدي إلى نتيجة خاسر – خاسر، ولضمان استمرار العملية الدبلوماسية لابد من تعزيز إدراك أطراف الصراع على أن التمسك بالإملاءات الوحيدة الاتجاه أملاً في الوصول إلى نتيجة رابح – خاسر هو في هذا الوقت بالذات غير ممكن وبالتالي على أطراف الصراع أن تركز على إنجاح العملية الدبلوماسية عن طريق بناء القناعة والإدراك لجهة:
• التعاطي مع البدائل الاستراتيجية إزاء أزمة التعامل مع ملف البرنامج النووي الإيراني.
• تقديم البدائل الاستراتيجية عن طريق معايرة كل بديل وتقييم ملاءمته للوضع موضع التنفيذ.
• التعامل بموضوعية مع الجوانب الآتية باعتبارها ضرورة لابد منها لإنجاح أي عملية دبلوماسية:
- التوافق: ومعناه أن يكون البديل الذي يتم اختياره منسجماً مع مواقف الأطراف.
- المنفعة: ومعناه أن يحصل كل طرف على المصالح المباشرة وغير المباشرة.
- القبول: ومعناه أن توافق الأطراف على البديل أو البدائل التي يتم الاتفاق عليها.
- التطابق: ومعناه أن ينسجم البديل مع أهداف وغايات كل طرف.
وعلى هذه الخلفية يمكن القول بأن دبلوماسية سوريا هي الصيغة والإطار الأنسب والأفضل جدوى لجهة حل أزمة البرنامج النووي الإيراني ومن أبرز الأسباب والعوامل التي تعزز مصداقية دبلوماسية سوريا الوقائية إزاء الأزمة نجد الآتي:
• الرصيد الكبير من العلاقات السورية – الإيرانية.
• مصداقية دمشق في تعاملاتها الإقليمية والدولية.
• شفافية دمشق في التعبير عن مواقفها إزاء القضايا الإقليمية والدولية.
• عدم تورط دمشق في ملفات البرنامج النووي الإيراني بحيث لم يستطع أي من خصوم إيران إثبات أن دمشق كانت في يوم من الأيام طرفاً في دعم البرنامج النووي الإيراني.
* العملية الدبلوماسية وحسابات الربح والخسارة:
إن نجاح الدبلوماسية السورية الوقائية سيترتب عليه الآتي:
• بالنسبة لإيران:
- عدم حصول الضربة العسكرية.
- الحصول على الحوافز الأوروبية.
- إنهاء ملف مسلسل العقوبات الدولية.
- استقرار الاقتصاد الإيراني.
- إنعاش علاقات طهران مع السعودية وبلدان الخليج.
• بالنسبة للولايات المتحدة:
- عدم التورط في حرب جديدة بالإضافة إلى حربي أفغانستان والعراق.
- تأمين المصالح الأمريكية في منطقة الخليج وآسيا الوسطى والشرق الأدنى.
- تحسين صورة أمريكا باعتبارها بلداً يسعى لحل خلافاته بالوسائل العسكرية ويرفض الوسائل الدبلوماسية.
• بالنسبة لفرنسا:
- إعطاء باريس مكانة ووزن كبير باعتبارها الطرف الدولي الذي بادر بالدفع وحث دمشق من أجل مباشرة العملية الدبلوماسية.
- تحسين صورة باريس في الشرق الأوسط بعد فقدانها لمصداقيتها بسبب وقوفها إلى جانب أمريكا في الأزمة اللبنانية والصراع العربي – الإسرائيلي.
- إفساح المجال أمام باريس للعودة للشرق الأوسط هذه المرة عن طريق مسارات دعم السلام والاستقرار بدلاً من قرع طبول الحرب.
وحالياً، قد يكون من المبكر تحديد شكل المساومة الذي تتطرق له الوساطة السورية، ولكن من المؤكد أن كل طرف سيطرح شروطه محدداً ما يمكن أن يقدمه مقابل ما يريد الحصول عليه. وتأسيساً على ذلك، فإن على واشنطن أن تكون مستعدة لدفع الثمن ونفس الشيء بالنسبة لإيران، وذلك إذا كان الطرفان راغبين في تفادي صيغة خاسر – خاسر، التي يمكن بكل بساطة تحويلها إلى رابح - رابح إذا تعاون الطرفان مع العملية الدبلوماسية الوقائية السورية باعتباره فرصة اللحظة الأخيرة.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...