(التحرش) الغزل بأسوأ طريقة ممكنة

16-02-2010

(التحرش) الغزل بأسوأ طريقة ممكنة

الذكور يتحرشون بخشونة... والنساء بخجل السيارات والبلوتوث وسائل التحرش الحديثة
لم تكن ظاهرة التحرش بالمعنى الشامل لها حكراً على فئة عمرية أو اجتماعية أو حتى مكان أو منطقة دون أخرى، ويحتل التحرش بالجنس الآخر المساحة الأكثر اتساعاً على رقعة هذا التعريف. 
 نقول التحرش بالجنس الآخر لأن البعض من الجنسين أصبح يمارس هذه «العادة» إزاء الجنس الآخر بأشكال مختلفة وبالطريقة المتاحة والميسرة للمتحرش، ولكي لا ندخل في متاهة هذه الألوان والأطياف المختلفة للتحرش وتصنيفاته المعقدة - بين تحرش عن بعد وهو معنوي (تلطيش) أي عبر الاكتفاء بإسماع الطرف الآخر الكلمات فقط، أو تحرش عن قرب (فيزيائي) عبر إلغاء «مسافة الأمان» التي يسعى كل شخص للحفاظ عليها بينه وبين الأشخاص من الجنس الآخر – سنكتفي بالتطرق إلى هذين الصنفين: المعنوي والفيزيائي بمعناهما المباشر، لأن التحرش لا ينحصر بهذين النوعين السابقين فقط، فالوسائل والمظاهر تعددت وإن اشتركت في آثارها... وإلى جانب «التلطيش» وإلغاء «مسافة الأمان» يتجلى التحرش باستخدام العينين وتحريك اللسان أو زم الشفتين أو بإشارة ما من اليدين.
كما أن لوسائل أخرى مكانها المخصص والمتجدد فجاء التحرش باستخدام الهاتف، والجوال مع أن هذا الأسلوب يأخذ تسمية الازعاج أكثر من صفة تحرش، وأصبحت المواقع الإلكترونية الاجتماعية على شبكة الإنترنت مرتعاً للمتحرشين والمتحرشات دون أن يخفي أي من الطرفين التلذذ بهذا الأمر.
وكذلك المدرسة والجامعة ومكان العمل، الحديقة، الشارع، وسائل النقل، و«أماكن الازدحام» أضحت مطارح للتحرش شئنا أم أبينا.. بعيداً عن القصص الكلاسيكية حول التحرش التي اعتدنا على سماعها وقراءتها دائماً إلى درجة اعتبارها مبتذلة أو أنها «عودة على بدء»، نجد أنه من الأفضل عدم إعادة سرد أقاصيص لحاق المتحرش بالمتحرش به... وكيف أنه تحين الفرصة المناسبة للاستفراد به ونهشه ليس لأن هذه المظاهر ليست بمشكلة وإنما بسبب ظهور أساليب وأصناف جديدة من الأفضل الإتيان على ذكرها. والأفضل من ذلك كله البدء بضرب الأمثلة.

لم أكن أبداً لأصدق القصة التي حدثت مع مجموعة من الطالبات الجامعيات لولا أن إحداهن تربطني بها زمالة عمل روت لي أنه وبينما كانت مع مجموعة من زميلاتها في الجامعة قبل فترة يمشين في شارع العابد بمدينة دمشق توقفت سيارتان نزل منها مجموعة من الشبان المدللين بدؤوا بإسماعهن بعض الكلمات اللطيفة سرعان ما تحولت إلى كلمات نابية وتهديدات تطورت إلى درجة الإمساك بأيادي بعضهن لإجبارهن على الصعود بالسيارات أمام مرأى ومسمع جميع من في الشارع دون تدخل أحد من ذوي المروءة!.
هذا وصف بسيط وسريع للحادثة وليتخيل كل واحد منا بنفسه التفصيلات البشعة والشتائم التي حملتها صفحات هذه القصة المتسخة، ولنتأمل بجدية الأسباب التي دفعت هؤلاء الشبان الشاذين عن الطبيعة إلى التجرؤ لارتكاب مثل هذه الحماقة، ولنتساءل أيضاً عن الأسباب التي جعلت جميع من في الشارع مجرد مشاهدين لا دخل لأي واحد منهم بما حدث!.

من منا لم ير كل يوم سيارة تقف من دون سبب مقنع في مكان غير مناسب وبجانب فتاة ذنبها الوحيد أنها تنتظر إحدى وسائل النقل العامة لتقلها إلى مكان ما، ليأتي سائق هذه السيارة الذي يحمل أعلى درجات الوقاحة يدعوها للصعود معه بدافع «الشهامة»!.
تقول مجموعة من الفتيات التقينا بهن: إن الفتاة الواقفة وحدها في الشارع ستتعرض لهذه المضايقة حتماً، وأكدن أن كل فتاة تتعرض لمثل هذه المواقف تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعها على ألا تعيش هذه اللحظات المخجلة التي تمر وكأنها ساعات ثقيلة يزيد في عبئها أن السائق الوقح غير آبه أبداً بالمجتمع الذي يحيط به وكأن سلوكه أصبح من المسلمات التي لا نقاش ولا دخل للأخلاق والعادات فيها. ولكي لا نبخس الموضوع حقه، يجدر القول إن البعض من المتحرشين يتمادون في سفاهتهم إلى درجة لا توصف من الرذالة تصل إلى لمس فرائسهم الأمر الذي يعتبر إهانة وأذية كبيرة بحق هذه الفتاة أو تلك وهو ما لا يجب السكوت عنه أو التساهل معه أبداً، وعلى جميع أفراد المجتمع العمل على محاربته حتى قبل أن يتطور ليصل إلى هذه الدرجة التي لا تحتمل.
أما التلطيش فهو يتنوع بين الكلام المضحك أحياناً وهو ما لا تمانع معظم الفتيات سماعه مادام يثير العجب أو الضحك، وبين الكلام البذيء الذي لا ينبع إلا من أناس فاقدين لأدنى درجات الإنسانية التي يتطلبها الولوج في المجتمع، وتجتمع التحليلات على أنهم غالباً ما يعانون من كبت شديد يؤدي بهم إلى فقدان الصواب والانضباط ضمن الوسط المحيط.

وصلت الدراسات بتعريف التحرش على أنه سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يضايق الشخص أو يتسبب بعدم شعوره بالأمان، ولكن التعريف هنا يختلف في حال كان صادراً من الجنس اللطيف فهو في هذه الحالة يبقى غير لائق ولكنه لا يتسبب بشعور الرجل بعدم الأمان فحسب وإنما يجعله في حالة من الاستغراب الشديد وأحياناً يضعه في الخوف والقلق.
ما أن يتم التطرق إلى مسألة التحرش حتى ينبري الجميع بالحديث عن تحرش الذكور بالجنس اللطيف وهذا مسوغ بالتأكيد لأنه غالباً ما يصدر من قبل الطرف الأول صاحب الباع الطويل في هذا السلوك. ومادامت دوافع هذا التحرش «دوافع جنسية» في أساسها فإن ذلك لا يعصم أياً من الجنسين عن التجرؤ للقيام بذلك لأسباب ليس من المستحسن ذكرها!
في الماضي والحاضر يزخر التاريخ بقصص التحرش والإغواء التي مارستها المرأة إزاء الرجل، قصص خلدها التاريخ والبعض منها مر دون أي ذكر لها. بينما كنا نقضي السهرة في منزل أحد الأصدقاء دخل صديق إلى مكان وجودنا، وقبل أن يلقي السلام والتحية صرخ بأعلى صوته أنه سيقوم يوماً ما بكتابة مقالة صحفية مستوفية تفاصيلها حول تحرش الجنس اللطيف بالذكور. وتتلخص قصته على الشكل التالي: صعدت إحدى الفتيات إلى جانبه في مقعد الميكروباص فبدأت حديثها معه بسؤاله عن الوقت وأنها تأخرت عن موعدها، وعندما سألها – من داعي اللطافة - عن هذا الموعد سرعان ما استبدلت الفتاة لغة الحديث الشفهي بلغة الجسد المخجلة، لغة لم تكف مفرداتها عن الالتصاق به وتلمس بعض الأماكن القريبة من أماكن حساسة في جسد صديقنا المسكين القابع في كرسيه الضيق، فقفز من الميكروباص عند أول موقف مع أنه كان بعيداً مئات الأمتار عن نقطة وصوله. امتلأت الغرفة بالضحك الجنوني واحمر صديقنا خجلاً وسوغ ذلك بأنه فضل النزول (الهرب) على أن تبادره هذه «المتحمسة» بتهمة قد تودي به إلى المجهول. وبصراحة بقي هذا الصديق لثلاثة أيام متتالية فاقداً صوابه مستغرباً هذه الحادثة العجيبة، وهو اليوم لا يخفي ندمه على عجلته غير المسوغة وذلك بعد أن قمنا بإقناعه أنه كان مخطئاً ومستعجلاً بعض الشيء في هربه.
ما إن فرغ الصديق الذي تعرض للتحرش من إحداهن حتى بدأ الآخرون ممن كانوا حاضرين بالحديث والتأكيد أن هذا الأمر يحصل مع بعضهم من حين لآخر، وسرد أحدهم أن إحدى السيدات التي تجلس خلفه في الميكروباص قامت بتلمس كتفه عمداً مستغلةً خلو المقاعد الخلفية من الركاب، فالتفت إليها ببطء حذر لتعرب هذه السيدة بعد ثوان من الصمت المخجل أنها حركة عفوية وعن غير قصد. والأنكى من ذلك أنه بقي مقتنعاً أنها حركة عفوية حتى أعاد حساباته من جديد ليتقين من أن هناك حماقة ارتكبتها هذه السيدة. وسارع أحدهم ليؤكد أن التحرش الذي مارسته عليه زميلة له في العمل طوال أشهر عديدة تحول عند تجاوبه معها إلى شكوى ودموع وبكاء من قبل هذه المتحرشة فوضعته في موقف محرج للغاية، وأكد أنه بعد مضي فترة من الزمن على الحادثة عادت المتحرشة لسلوكها من جديد ولكن بأسلوب آخر تجلى في طلبها منه أن يقدم لها بعض الدروس الخصوصية خلال أوقات فراغه في مكان العمل.

أياً كانت دوافع أو مسببات التحرش فإنه بمنزلة هدم يومي ومستمر لأخلاقيات المجتمعات ولاسيما عندما تتسارع وتيرته وتتسع رقعته ليصل إلى درجة الخطر كما حصل في أحد المجتمعات العربية المجاورة. وهنا يجب على كل جهة أن تأخذ مهامها في التوعية والتحذير من مخاطر اتساع الرقعة كما تطالعنا يومياً قصص وحكايا الناس اليومية بهذا الصدد.
وأزعم أن للأسرة دوراً كبيراً في اقتلاع جذور هذه الظاهرة يأتي بعدها دور المعلم في المدرسة، وتستكمل جوانبها سلطات رقابية تحدد العقوبات الصارمة لهذه العادة.

حسان هاشم


التحرش .. كرة عيب يتقاذفها الجميع في الجامعة

العطر الصارخ الذي يستخدمنه يشق أرجاء المكان، الجسد المكتنز في بنطال الجينز «البضي» الذي يظهر من البدن أكثر مما يخفي، الكعب العالي الذي يعزف على أوتار الغرائز ويجعل الحواس تختلط والأفكار تتزاحم، اللّفتات، الضحكات، الوجوه الملطّخة بألوان أعرفها وأخرى لا أعرفها، كلّها حبال تقود الرجل من عنقه نحو الخطيئة فيرتكبها دون وعي منه.
 بهذه الكلمات بدأ (باسل.ع) الطالب في قسم الإعلام سنة رابعة دفاعه عن مجتمع الطلاب أمام ظاهرة التحرش في الجامعات ليعود ويستهل دفاعه بالهجوم على الطالبات بقوله: من المهم جداً أن نعطي لكلّ ذي حق حقّه، فلا يمكن أن نحمّل الطالب المسؤولية بأكملها، فالكثير من الطالبات حولن الجامعة إلى مكان لعرض الأزياء وكل فتاة تحاول لفت الانتباه إليها إما بارتدائها آخر صرعات الموضة ولا يهمها إن قل القماش أو كثر وإما بلبسها الملابس الضيقة التي تظهرها وكأنها من دون ملابس مع روائح العطور المثيرة إضافة إلى مسابقة من تضع ميك آب أكثر من الأخرى لتفوز بحسب تفكيرها بلقب أجمل البنات ولا ننسى التصرفات والحركات التي لاتنفك تغري الشباب وتنسيهم ماجاؤوا من أجله فكيف نتهم الرجل إذن بعد كلّ ما ذكرت؟ ومن أين لي القوة لأصمد أمام «الإيحاءات المباشرة وغير المباشرة التي قد أتلقّاها...؟

أما الطالبة (أ.ح) القادمة من الحسكة وتدرس في قسم الإعلام سنة أولى وتقيم في المدينة الجامعية فكان لها رأي الطالبة المستجدة في الجامعة والتي لا يهمها أي اتهام حيث قالت: أتيت إلى الجامعة وأنا أحلم بعالم جديد أتحرر فيه من مراقبة أهلي لي (لا أين ذهبت وماذا فعلت) وهي فرصة لا تعوض لأفعل ما أريد وألبس ما أريد وبالتأكيد أنا لا أنزعج من مغازلة أحدهم لي بل على العكس أبتسم له إن كان شكله جميلاً وهو حال زميلتي في السكن والتي تكون معي أينما ذهبت وتوافقني في كل ما أفعل.

«الله جميل ويحبّ الجمال»، «هذا ما نتّفق عليه جميعا، فالجمال من أهم مقومات الحياة، ولكن للطالبة (ف.م) في قسم الترجمة رأي آخر: «وهبني اللـه قسطاً وافراً من الجمال، ولكن أحياناً أتمنّى لو كنت دميمة أو بشعة الخلقة لأنني بصراحة ضقت ذرعا بتصرّفات كل الطلاب الذين ما إن ينظروا في وجهي حتّى يبدؤوا التلطيش والكلمات المشفرة التي تصدر منهم أو النظرات المريبة والمخيفة التي تقلقني وتجعلني أشعر بالخجل والارتباك فكيف عليّ أن أتخلص من التحرش الذي أعاني منه كل يوم وكيف عليّ أن أواجه كلّ هذا فلا أسير مع القطيع ولا أميل مع الهوى السائد وحسب اتجاه الريح؟ وهل تحوّل الجمال من نعمة إلى نقمة؟.

ويبدو أن ظاهرة التحرش بالطالبات أخذت تنحو باتجاه ظاهرة الروتين اليومي حيث تحول إلى شيء طبيعي عند الكثير من الطالبات فالطالبة م. ن قسم علم الاجتماع لم تبخل بالإجابة بقولها لا يخلو يوم من أيام الدوام والدراسة إلا وأتعرض لسماع كلمة من أحد الطلاب حتى إنه بدأ يتحول إلى ظاهرة بدأت أعتاد على وجودها.
وكذلك هو حال الطالبة (د.أ) في قسم اللغة الفرنسية حيث قالت لو مر يوم واحد من دون سماع أي كلمة أو مضايقة أو أن يطلب مني أحد الطلاب شيئاً فإنني أعتبر هذا اليوم ليس من أيام الجامعة كوننا تعودنا على المضايقات.

وليس بعيداً عن موضوع التحرش وإنما ندخل في صلب التحرش وهو ما أثار حفيظة الكثير من الطلاب والطالبات وأثار غضبهم من تحول الجامعة إلى مكان لالتقاء العشاق وخاصة خلف بناء كلية الطب البشري.
الطالبة (ش.م) في قسم الإعلام قالت: إنها أخذت عهداً على نفسها ألا تمر بالقرب من حديقة الطب البشري أبداً وحسب قولها: إنها كانت تشاهد مناظر مقرفة ومخلة بالأدب والأخلاق لفتيات تعرفهن من الدراسة داخل الجامعة.
أما الطالب (ف.ن) الذي يدرس في كلية الترجمة في السنة الثالثة فقال: واللـه عيب يعني ما بقى في لا أدب ولا أخلاق كل يوم مساء يجتمع العديد من الطلاب والطالبات في الحديقة الخلفية لكلية الطب البشري حيث إنه من السهل على أي إنسان مشاهدتهم من السور الخارجي للجامعة وحتى من داخل الجامعة يجلسون خلف كلية الطب البشري حيث أصبحت الأشجار مأوى لهم ليقوموا ببعض الحركات المثيرة حتى أصبحت تلك المنطقة تعرف بـحديقة العشاق ويبقون إلى ما بعد انتهاء فترة المحاضرات وسط العتمة لا يؤثر فيهم برد ولا حر وإن مررت من أمامهم يبتعدون عن بعضهم إلى حين مرور الشخص ليعودوا إلى ما كانوا عليه لتكون الظلمة رفيقتهم والرقابة نائمة عنهم. ويبدو أن الغيرة لدى بعض الطلاب أخذت منحى آخر حيث قال الطالب (أ.ن) بعد رؤية الكثير من المناظر التي لا تليق بجامعتنا وخاصة في الأماكن المشبوهة في الجامعة اجتمعت ببعض شباب الجامعة وقررنا تشكيل مجموعة من الطلاب تعمل على مضايقة كل من يبقى لوقت متأخر وإزعاجه وإعلامه بوجودنا يومياً وذلك حتى يجدوا لأنفسهم مكاناً يناسبهم.

محمد عمر الخطيب

(التلطيش).. قاموس من الكلمات البذيئة وقد يثمر شجارات عنيفة

تتفادى الفتيات الخجولات عبور بعض شوارع دمشق وأزقتها بمفردهن، لا لشيء غير اعتيادي، بل تفادياً لما قد ينتظرهن على مفارقها من ألفاظ تجرح الحياء أحياناً، أو نظرات «تسلق البدن» أحياناً أخرى، ولكن بعضهن لا يمانع في المرور في هذه الشوارع وما تحمله من مواقف، إذ «ما في على الحكي جمرك» ولن يأكلهن الشباب من آذانهن!. 
 شروط المهنة
لم تعد ظاهرة «التلطيش» أو ما يسميه البعض «التحرش اللفظي» حكراً على أحد هذه الأيام، فمعظم الشباب يتقنون فنونها جيداً، ويرى بعضهم أن لـ«التلطيش» قواعد يجب ألا يتجاهلها المرء، فالشقراء لا تتقبل كلاماً تتقبله السمراء مثلاً لأن الأحمر يليق بها، فكما يقول أحد الأمثال المشهورة شعبياً في دمشق: «لبّس الأبيض أحمر وتفرج عليه، ولبّس الأسمر أحمر وتضحك عليه»، ولكن وحسب قول مازن (الذي يصف نفسه بخبير التلطيش) «ليست من تملك عينين زرقاوين دائماً جميلة، ولذلك يجب عليك أن تبحث عن شيء آخر يميزها، قبل أن ترسل إليها الرسالة!». ويشدد مازن على ضرورة الالتزام بالأدب عند «تسميع الصبايا كلمةً ما»، فالالتزام هنا قد يثمر حسب قوله التعرف إلى الفتاة، ولكن أكرم (طالب في كلية الحقوق) يرى أن قليلاً من الفتيات فقط يتجاوبن مع التلطيش أياً كانت لغته، إلا أن معظمهن يستمتعن بسماع كلمات تصف حسنهن، ويقول: «إن معظم اللواتي عرفتهن من الصبايا أعربن عن تقبلهن للأمر برحابة صدر، ولكنهن غالباً لا يستجبن للمرسل»، ويجمع الاثنان على أن الملطش قد يتعرض لإشكالات مختلفة ليس أعظمها تلقي الشتيمة رداً على كلماته، ولكن هذا لا يمنع الشباب من التلطيش، فهو حسب قول مازن: «تجسيد للتفاعل الاجتماعي، وإن بصورة غير مرضية للمجتمع نفسه»، ففي بعض الأحيان قد يثمر التلطيش شجارات عنيفة، ويؤكد أكرم أنه شهد مرةً (بل خاض) شجاراً على أثر «تلطيش» إحدى أخوات صديق له في الحي، ولم يستطع بعد الشجار إلا أن يضحك على ذكراه «فالفتاة لم تكن تستحق التلطيش حتى!».

يتسلح الملطشون في دمشق بقاموس من الجمل والعبارات الجميلة، ويتبارون فيما بينهم بالقدرة على اختراع «تلطيشة» خاصة لكل فتاة قد يصادفونها، ومن أبرز ما يحمله القاموس الدمشقي: «دخيلو، يا أرض احفظي ما عليك، تمشي على رمشي وتهدي على خدي.. الخ»، كما يضم القاموس تلطيشات ممازحة مثل: «يسلملي هالطول متل عرق الفول، ريتو أخوكي خال ولادي، نورك ولا نور مهنا، أو يسلمولي هالبطات متل بطات جنينة الجاحظ.. الخ»، ولكن متى يثمر استخدام الكلمات الجميلة مع الفتيات؟ يرى بعض الشباب الذين حاورتهم «الوطن» أن تحقيق هذه المعجزة أمر ممكن، إلا أنه يتطلب تضافر عدد من العوامل؛ «إذ يجب أن يكون الشاب من الستايل الذي تفضله الفتاة قبل كل شيء، ويجب ألا تكون مع صديقاتها، كما يجب أن تكون الكلمات منتقاةً بعناية فائقة بحيث لا تؤدي إلى نتائج معاكسة، كأن يُرمى الملطش بكلمات قاسية تجعله الضحية، أو يُرمى بالحقيبة التي قد تكون مرتكز التلطيش أحياناً كالقول: (يا ريتني شنتاية)».

إذاً، بعض الشباب يستسيغ التلطيش، ومنهم من لقي حتفه، ومنهم من انتصر في معارك «التفاعل الاجتماعي»، والفتيات أيضاً يستسغن هذه المعارك إلى حدّ ما، ولكن ماذا عن الإرسال المعاكس؟ ألا يتعرض الشباب للتلطيش أيضاً؟ يقول أكرم إن هذا ممكن رغم أنه قليل الحدوث، فقد تعرض شخصياً للتلطيش من فتاة جميلة المظهر، أما عن شعوره عندها فيصفه بالقول: «استغربت الأمر، وأصابني الخجل، ولم أعرف ما الذي يمكنني فعله فمضيت في سبيلي سعيداً تملؤني الدهشة، فالعادة أن أكون أنا الذي يلطش وليس العكس!»، إلا أن الغزل ليس الطريقة الوحيدة التي تعبر فيها الفتاة عن إعجابها بالشاب، فالامتعاض قد يكون أحياناً هو الطريقة المثلى، وغالباً ما تلجأ الفتيات إلى إبداء الامتعاض من الشاب الذي لا يعيرهن انتباهاً ليلفتن نظره، فليس غريباً أن تطرق الفتاة أذن الشاب بالتقريع مثل القول: «العين تطرقك متل غيمة شباط، يبعتلك حمى شو ناشف، مفكر حالو آلان ديلون.. الخ»، كما قد تستغني الفتاة عن الكلام كله إذ بإمكانها الاكتفاء بالنظر مباشرةً إلى عين الشاب للفت انتباهه، وكذلك قد يلجأ الشباب إلى مثل هذه الطريقة في المطاعم والسرافيس وغيرها.

يرى البعض أن ظاهرة التلطيش عائدة في أصل ذاتها إلى عوامل اجتماعية صرفة، تتعلق بقلة الاختلاط بين الجنسين أو بانعدامه بعد سن الثانية عشرة، وهذا لابد أنه سيدفع بالشباب والصبايا إلى دراسة سلوك بعضهم البعض عبر التفاعل خارج الأطر الاجتماعية المعروفة، وعبر وسائل مختلفة يعدّ التلطيش إحداها طبعاً، وقد تتدخل أحياناً العوامل الاقتصادية لتعزيز الظاهرة بين صفوف الشباب، وأول هذه العوامل البطالة، فالشباب الذين لا يجدون ما يلهيهم ويستهلك طاقاتهم يرون في التلطيش أحد أوجه تفريغ الطاقة والتسلية بالتأكيد، ولكن هل يؤذي التلطيش أحداً؟ يجمع الذين التقيناهم أنه لا ينفع ولا يضر، إنما هو مجرد ظاهرة يستلطفها الشباب والصبايا على حد سواء، ويبغضها الأهل الذين يقتصر دورهم على التنبيه والتحذير من الملطشين لكونهم المثال الأبرز لـ«بياعي الكلام»، فالملطشون إذ يعلنون الانصياع لجمال العابرات إلا أنهم قد يهربون عند أولى كلمات العتاب، ولهذا قالت الدمشقيات المثل: «يا مأمنة بالرجال متل المي بالغربال»، فكلامهم عسل وأداؤهم بصل!.

وسيم الدهان

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...