وزير «التموين» يهدد باستيراد زيت الزيتون بحجة كسر الأسعار

02-04-2017

وزير «التموين» يهدد باستيراد زيت الزيتون بحجة كسر الأسعار

مرة أخرى يرفع وزير«التموين» عصاه الغليظة بوجه غول الغلاء دون التمكن من ردعه وخاصة أن وسيلته «التهديدية» باستيراد سلعٍ تنافس المحلية بحجة كسر الأسعار لم تثبت جدواها سابقاً، وعموماً فزّاعة الاستيراد في حال التنفيذ سواء أكان جاداً أم لمجرد التخويف تشكل ضربةً قاصمةً لسلعة استراتيجية كزيت الزيتون، الذي يحظى بسمعة عالمية كمنتج تصديري أدرجته مزاياه ضمن البورصة الدولية، ليأتي أهل الدار ليكسروا هذه القاعدة، عبر الترويج لفتح باب الاستيراد وإن كان موارباً، ما يجعلنا ندق ناقوس الخطر منعاً لتحويل سورية إلى بلد مستورد بعد أن كان مصدراً لهذا المنتج وغيره.

النية لا تكفي
شهد زيت الزيتون ارتفاعاً كبيراً بعد انخفاض الكميات المنتجة جراء تداعيات الحرب لدرجة لامس سعر التنكة الواحدة سقف الـ30 ألف ليرة، ما يضيق الخناق على المستهلك، الأمر الذي دفع وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبد الله الغربي على ما يبدو للتهديد باستيراد زيت الزيتون لكسر حدة الأسعار، ورغم خطورة تصريحه الإعلامي لكن إذا تعاملنا بمنطق النيات التي لا تنفع بضبط السوق نجد أن نيته حسنة لجهة تأمين المادة بسعر مناسب، ولكن هل فعلاً استيرادها سيؤدي إلى خفض السعر وخاصة أن تجارب استيراد لحم الفروج والجاموس لم تخفض أسعار اللحوم؟ وهل تخفيض السعر أهم من حماية منتجنا المحلي وخاصة أن المستورد يحولنا شيئاً فشيئاً إلى بلد مستورد لنفع بعض التجار على حساب الفلاح والمواطن؟
كسر الأسعار
تبيان حقيقة تصريح وزير التجارة الداخلية استلزم الاتصال به، ليؤكد نيته فعلاً القيام بهذه الخطوة بقوله: ننوي استيراد زيت الزيتون ضمن كميات محددة لتأمينه للمواطن بأسعار أقل على أن لا يؤثر ذلك على الفلاح، الذي هو في صلب اهتمامنا، فالاستيراد سيتم ضمن دراسة دقيقة تحول دون ذلك.
وعند السؤال حول كيفية الاستيراد طالما أن زيت الزيتون منتج تصديري وليس مدرجاً ضمن قائمة وزارة الاقتصاد للمستوردات أجاب: الموضوع قيد الدراسة مع «الاقتصاد» لمنح إجازات الاستيراد اللازمة، مشيراً إلى أن الاستيراد سيكون من الدول الصديقة ويتم حالياً التفاوض معها لاستيراد الكميات المراد طرحها بصالات المؤسسة السورية للتجارة لكسر أسعار زيت الزيتون.
استهجان
لاقى طرح فكرة استيراد زيت الزيتون استهجاناً كبيراً من الجهات العارفة بأهمية هذا المنتج والمدركة لخطورة السماح باستيراده حتى لمرة واحدة فقط، فإذا سُمِحَ بذلك ستكر السبحة دوماً، ليؤكد مستشار اتحاد الغرف الزراعية عبد الرحمن قرنقلة خطورة هذه الخطوة، التي اعتبرها خطاً أحمر، فأي عملية استيراد تسيء للمنتج المحلي يجب الوقوف ضدها، ليستغرب كيف تتحول سورية إلى بلد مستورد لزيت الزيتون بعد أن كانت تبحث عن سوق لتصريف الإنتاج، ما يطرح إشارات استفهام كثيرة، ليتساءل: هل لدينا عجز محلي بإنتاج زيت الزيتون، وهل المنتج متوافر بالسوق بغض النظر عن سعره، فإذا كان موجوداً وسعره مرتفع فيجب البحث عن الأسباب، وأهمها رفع سعر المازوت، حيث توجد مراحل بمعاصر الزيتون تحتاج إلى وقود بشكل أدى إلى رفع التكلفة، ليؤكد أن وزارة التموين تفترض أن ارتفاع سعر أي سلعة سببه قلة العرض، لكن الحقيقة أن التكلفة ارتفعت والدخل أصبح عاجزاً عن تأمين المادة، لذا الحل لا يكون باستيراد المادة وإنما بقيامها بتسعير المنتج وإخضاعه للتكلفة مع وضع هامش ربح معقول للمنتجين.
يوافقه خطار عماد مدير التسويق الزراعي في اتحاد الفلاحين، الذي تساءل عن أسباب استيراد منتجات مماثلة للمنتجات المحلية كزيت الزيتون والبطاطا والقمح، ما ينذر بتحويل سورية إلى بلد مستورد عبر استفادة التجار على حساب الفلاحين، الذين يجب دعمهم بكل السبل الممكنة، فإذا لم يتحقق ذلك فسيجوع البلد وأبناؤه ليترك لاستثمارات التجار ومصالحهم، مشدداً على خطورة إفقار الفلاح بشكل يدفعه للعزوف عن زراعة أرضه واقتلاع أشجاره كما حصل مع الحمضيات والخوف من امتداده إلى الزيتون.
الاستيراد لا يخفض السعر
لا يقف رئيس مكتب التسويق في اتحاد الفلاحين ضد استيراد زيت زيتون فقط وإنما ضد تخفيض أسعاره، فبرأيه سعر التنكة 30 ألفاً سعر معقول قياساً بتكاليفها المرتفعة، فلماذا يجب على الفلاح تحمل هذه التكلفة وبيع منتجه بسعر أرخص، ليشير إلى أن الفلاح «العملاق» ينتج 100 تنكة بالموسم ومربحه فقط 500 ألف ليرة لا تكفي لأجر شقة بدمشق، فإذا رغبوا بكسر الأسعار، فليكسروا سعر الشقق أولاً، إذا لا يجوز كسر سعر سلعة بأقل من قيمتها، مشيراً إلى أهمية قيام وزارة الزراعة الذي يستغرب تهربها من هذا الموضوع بإعداد التكلفة الحقيقية لإنتاج زيت الزيتون، فإذا كانت التكلفة 15 ألف ليرة، فسندعم كسر السعر ولكن إذا كانت أعلى فيفترض ذكر أرباح الفلاح وهل فعلاً تتساوى مع أتعابه، ليبين أن الفلاح لا تصله الـ 30 ألفاً كاملة لكون التاجر يتولى عملية التسويق والبيع لكون قلة من الفلاحين يبيعون محصولهم مباشرة،  ليوضح أن المشكلة تكمن في دخل المواطن، وهو أمر لا يجب تحميله للفلاح إطلاقاً.
يوافقه قرنقلة بتأكيده أن كسر السعر مجرد خرافة، فلا يجوز التهليل لحصول المستهلك على لتر زيت الزيتون بسعر أقل، فمن المحتمل شراؤه بعد سنة بـ4 آلاف ليرة إذا سمح باستيراده، فاستيراد لحم الجاموس مثلاً لم يخفض أسعار اللحوم، ليشير بنوع من السخرية المُرّة إلى أنه إذا كان هناك قطع أجنبي فائض فالأولى توجيه نحو دعم المنتجين لزيادة إنتاج زيت الزيتون، الذي انخفض بالتوازي مع انخفاض الاستهلاك جراء انخفاض عدد سكان سورية لاعتبارات عديدة، وهذه معادلة صحيحة بدليل توفر السلع مع غلائها الذي قد يكون وراءه تاجر لكنه دون نكران تأثير السياسات الحكومية، فمثلاً خلال فترة سابقة سحبت كميات زيت الزيتون كلها لتصديرها إلى الخارج.
البديل.. منتج رديء
إعلان وزير «التموين» نيتها استيراد زيت الزيتون لم يسلم من انتقاد اتحاد المصدرين على لسان رئيسه محمد السواح، الذي استغرب ذلك لكون سورية تعد رابع دولة بالإنتاج، وأهم المصدرين لهذا المنتج المدرج على البورصة العالمية، ليؤكد وجود كميات مخصصة للتصدير فكيف يتم التفكير باستيراده، كما أن المادة متوافرة بالسوق، بالتالي إذا كان الهدف تخفيض السعر، فهذا يعني أن الوزارة ستأتي بمنتج رديء ومضروب إلى السوق، فلا يعقل أن يكون المنتج جيداً ويباع بسعر أقل من المنتج المحلي، المعتمد عليه بتحديد أسعار زيت الزيتون عالمياً، مؤكداً أن الأمر برمته لعبة تجار على حساب المصدر والفلاح، مشيراً إلى ضرورة الابتعاد عن فكرة استيراد زيت الزيتون والألبسة لكونها منتجات تحظى بمكانتها في الأسواق العالمية ولا يجوز تحت حجة كسر السعر جلب منتج رديء ينافس المنتج المحلي.
زعل الوزير أهم
استيراد زيت الزيتون يعد بمنزلة إعلان صريح لتحويلنا إلى بلد مستورد، ولخطورة ذلك استلزم الأمر التوجه إلى جميع الجهات المعنية لتبيان رأيها والوقوف ضد هذا القرار المضر بالاقتصاد المحلي كلياً، لتكون وجهتنا الأولى وزارة الزراعة، التي شكل تعاطيها صدمة تدل على منهجيتها بالتعاطي مع ملفات استراتيجية، فالوزارة المعنية بالشأن الزراعي فضلت التريث بإجابتها كيلا يزعل وزير التجارة الداخلية عند إعلانها لرأي مخالف، وذلك حينما تقدمنا بأسئلة مقتضبة إلى وزير الزراعة، الذي وجه المعنيين ومنهم مدير مكتب الزيتون محمد حابو بإعطاء أرقام فقط نبني عليها هذا التحقيق مع رفض الإجابة على أسئلتنا كرمى عيون وزير التموين مع إرسال رسالة شفهية تطمينية بعدم السماح باستيراد زيت الزيتون بحيث سيطرح الأمر أمام اللجنة الاقتصادية لمنع ذلك، علماً أننا قبل التوجه إلى مكتب الوزير قصدنا أحد المعنيين بالوزارة الذي فضل عدم ذكر اسمه بعد توجيهات وزيره، ليؤكد أن موسم الزيتون هذا العام واعد ومبشر، فلا يمكن استيراد زيت الزيتون دون دراسة دقيقة بعد أخذ رأي وزارة الزراعة بكميات الإنتاج المتحققة، ليشدد على أن مبرر الاستيراد لكسر السعر ليست صحيحاً.
أما مدير مكتب الزيتون وبعد اتصالات عديدة وجدل طويل فضل اتباع الطريقة الروتينية عبر المراسلات الإدارية، وبعد أخذه الموافقة اكتفى بإعطائنا أرقاماً حول الإنتاج المتوقع من الزيتون المقدر بـ 675،790 ألف طن والمستعمل للأكل 360،158 ألف طن وللزيت 540،632 ألف طن والإنتاج المتوقع 119 ألف طن، ليرفض بناء على هذه الأرقام تأييده فكرة الاستيراد من عدمها، وهنا يبين مستشار اتحاد الغرف الزراعية أنه رغم انخفاض الكميات المنتجة لكن الإنتاج يغطي حاجة السوق دون وجود فائض للتصدير، علماً أنه لا يتوافر في الوقت ذاته في الأسواق العالمية فوائض من الزيت لاستيرادها.

رحاب الإبراهيم

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...