مصر: خطوات التوريث تتسارع في مصر والمعارضة تبحث عن بديل

17-09-2006

مصر: خطوات التوريث تتسارع في مصر والمعارضة تبحث عن بديل

تتراكم في اجواء القاهرة هذه الايام اشارات الى ان مصر تتأهب لخريف وشتاء ساخنين. ففيما تتواصل استعدادات الحزب الوطني الحاكم لعقد مؤتمره العام السنوي الخامس المقرر بدء أعماله الثلثاء المقبل، تبدو قوى وأحزاب وحركات المعارضة المصرية كأنها تجاهد لتستعيد قدرتها على الحركة والنشاط، وتنفض عن نفسها آثار خمول صيفي طويل يرده البعض الى "الحصاد المتواضع" لعامين متصلين من الحراك السياسي الصاخب وغير المسبوق والذي كان عنوانه الوحيد "انهاء الاستبداد واشاعة الحرية والديموقراطية في البلاد".
ولا يحتاج المتابع لتفاصيل الأحداث ومجرياتها على الساحة السياسية المصرية الى جهد كبير ليدرك سبب عودة المعارضين الى استعادة زمام الحركة والمقاومة، فقد تواترت مدى الاسبوعين الماضيين معلومات وتقارير عن "خطة استباقية" وضعتها النخبة الضيقة التي تمسك حاليا بمقاليد الامور في نظام الرئيس حسني مبارك (79 سنة)، وسيتم تدشينها في المؤتمر المقبل للحزب الحاكم مستهدفة "التعامل الالتفافي" مع مطالب الاصلاح السياسي والديموقراطي والدستوري في البلاد من طريق الانفراد بوضع مشاريع لاعادة صوغ عدد محدود من بنود الدستور الذي تجمع قوى وأحزاب المعارضة على ضرورة تغييره كله، بحيث تضمن هذه التعديلات المحدودة "ابقاء حكم البلاد حكراٍ" على أسرة الرئيس مبارك، وافقاد جبهة المعارضة الواسعة ما صار يسمى مشروع "توريث" جمال مبارك مقعد الرئاسة، أي قدرة على مقاومة هذا المشروع واحباطه حينما يحل موعد تنفيذه، الذي يرى البعض انه "قد يكون قريباً جداً، وربما لن ينتظر رحيل الأب".
ويؤكد المسؤولون الكبار في الحزب الحاكم، بمن فيهم أمينه العام صفوت الشريف وأمين لجنة السياسات مبارك الابن نفسه، في تصريحاتهم العلنية أن المؤتمر العام للحزب سيعكف على وضع "خطة لتنفيذ ما جاء في برنامج الرئيس مبارك (الذي خاض به انتخابات ولايته الخامسة العام الماضي) في شأن الاصلاحات الدستورية"، وأن هذه الخطة ستقتصر على مشروعات لتعديل تسعة بنود فقط من الدستور تنصب كلها على "أمور إجرائية وهامشية(من نوع ضمان تمثيل للمرأة في البرلمان) ولا تقترب من جوهر النظام السياسي الاستبدادي القائم"، كما ليس بينها البندان اللذان تعتبر المعارضة ان بقاءهما يلغي عملياً أي معنى للاصلاح الديموقراطي الحقيقي وهما المادتان 76 و77، إذ تضع الاولى (بعد تعديلها في أيار من العام الماضي) قيودا وشروطا "تعجيزية" للترشيح لخوض انتخابات الرئاسة، بينما تطلق المادة الثانية(77) مدد بقاء الرئيس في الحكم بغير حدود خلافاً لمطلب المعارضة الملح ألا يتجاوز حكم أي رئيس ولايتين اثنتين فقط.
وتستشعر قوى المعارضة المصرية وأحزابها، أنها أمام مخطط متكامل يستهدف "مصادرة المستقبل" تعمل المجموعة الحاكمة، وخصوصاً الدائرة الضيقة المحيطة بأسرة الرئيس والتي يقودها نجله جمال، على تنفيذه بنشاط ودأب من خلال "اعادة تفصيل" النظام القانوني والدستوري القائم حالياً، بحيث يسهل تمرير مشروع التوريث "رغم أنف المجتمع وبعض مؤسسات الدولة" التي تخرج منها، بين الحين والآخر، إشارات لا تخطئها عين تشي بتحفظها الشديد عن هذا المشروع.
وحيال هذا الشعور بالخطر الداهم، تبدو بعض قوى المعارضة المصرية مشغولة جدا هذه الأيام بما سماه مصدر بارز في أوساط إحدى حركات المعارضة الحديثة، "تكتيكاً مضاداً من شأنه ارباك الجماعة الناشطة في مخطط التوريث، وخلق دينامية معاكسة لهذا المخطط يكون مجالها الحيوي القطاعات الواسعة في المجتمع والدولة التي تناهض فكرة انتقال السلطة من مبارك الاب الى مبارك الابن، لكنها تنتظر راية توحدها وتلتف حولها". وعلى رغم امتناع المصدر عن الخوض في تفاصيل محددة لهذا التكتيك "لئلا يفسده الإعلان المبكر"، إلا أنه أفشى أهم ملامحه، إذ قال: "سنبادر خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة اسابيع الى اعلان اسم شخصية وطنية، من خارج الأطر والتيارات السياسية المعروفة، مؤهلة بحكم الوسط الذي أتت منه، للعب دور البديل لمبارك ونجله، ونستطيع بجهد منسق ومنظم من قوى وحركات المعارضة المختلفة، بناء حالة التفاف شعبي وجماهيري واسع وسريع من حولها" على أساس اتفاق مسبق معها على برنامج "مرحلة انتقالية" تكون الإصلاحات الديموقراطية والدستورية هي "عموده الفقري".
ورداً على سؤال لـ"النهار" عما إذا كانت من مؤهلات شخصية البديل من مبارك قربها من مؤسسات الدولة ما دامت بعيدة عن دائرة السياسيين المعارضين، قال المصدر: "ربما تكون (الشخصية المنتظرة) آتية من قلب أحد أركان الدولة الرئيسية التي أكتسب المنتمون اليها في الفترة الأخيرة شعبية هائلة بسبب تحركهم القوي دعماً لأهم مطالب الاصلاح والتغيير الديموقراطي"، وقد بدا هذا الكلام محملا بما هو أكثر من مجرد الاشارة الى أن المقصود هو السلطة القضائية، وأن البحث عن رئيس بديل ربما يدور الآن في أوساط قادة ورموز "انتفاضة القضاة"، التي استمرت مشتعلة أكثر من سنة كاملة وسجلت حدثاً لا سابق له في تاريخ الدولة المصرية الحديث، لعله شجع البعض على الذهاب بعيدا في توقع حدوث المزيد من هذه "السوابق" التاريخية، كأن يتولى قاضٍ حكم مصر.

جمال فهمي

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...