عالم السيارات المستعملة الكل يبحث عن لقطة

24-11-2009

عالم السيارات المستعملة الكل يبحث عن لقطة

في عالم السيارات المستعملة يبحث الكثيرون عن سيارة «لقطة» فمنهم من ينجح في الحصول عليها ومنهم من يأكل المقلب ليحاول بيع السيارة «اللقطة» بأسرع وقت وأفضل سعر ممكن، واقتناء السيارة خاصة كان أكثر من حلم بالنسبة لراغب الذي تخرج في الجامعة منذ سنوات عدة ويعمل في إحدى الشركات الخاصة وربما كان ما قدم له من عرض من أحد الأصدقاء لشراء سياراته صفقة «لقطة» بالنسبة له فلم يتوان عن دفع ما جمعه خلال 3 سنوات من مال لم يزد على مئتي ألف ليرة لصاحبة السيارة.
 تشهد أسواق السيارات في ريف دمشق تغيرات وتقلبات جوهري فبعد الطفرة التي سجلتها السنوات السابقة في عمليات الشراء المدعومة بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة لحل مشكلة السيارات السياحية كالسماح باستيرادها وخفض رسومها الجمركية وغيرها من الإجراءات وتوفيرها في الأسواق المحلية بأسعار بدت ممكنة للبعض ما أدى إلى انتشار مكاتب ومعارض بيع وشراء السيارات وإقبال المستهلكين على شرائها، غير أن هذه الطفرة لم تدم طويلاً فسرعان ما تسللت رياح الأزمة المالية العالمية إلى أسواق السيارات السورية الأمر الذي أدى إلى تراجع المبيعات والأكثر من ذلك طفت على السطح أيضاً ظاهرة بدت واضحة لعيان لكل متتبع لأخبار السيارات في سورية وهي سيادة العرض على حساب الطلب ما أفضى بالنتيجة إلى رواج عمليات البيع بعد فترة وجيزة من الشراء.
صحيح أنها ظاهرة ليست بحديثة العهد في أسواق السيارات ولكنها نمت اليوم أكثر من أي وقت مضى ما يجعل من الاقتراب أكثر منها للتعرف على أسبابها والدوافع الكامنة وراءها أمراً على قدر كبير من الأهمية يفيد ربما في وضع تصورات لما ستؤول إليه الحال في أسواق السيارات مستقبلاً.
وتنتشر في السوق بعض سلوكيات البيع الرديئة التي هي من خارج القوانين النافذة وخارج العرف التجاري فالسلوك الاحتكاري الذي انخفض قليلا نتيجة المنافسة ظهر جليا عند البعض فالقطعة الفلانية لا يبيعها الوكيل إلا إذا كان يقوم هو بالصيانة والقطعة الصغيرة لا يوفرها الوكيل إلا مع أخواتها وحدث ولا حرج عن سلوكيات مشينة بعيداً عن كل متطلبات شعار خدمة ما بعد البيع التي لم تجد بعد سبيلا إلى النفاذ إلى الأسواق عند بعض وكالات السيارات التي لا تحترم زبائنها، كما أن بعض وكالات السيارات اعتمدت سياسة صيد الزبون بعد البيع، فمعظم المشترين توجب عليه دفع قيمة فك رهن السيارة المقسطة وبعد دفع المبلغ يكتشف أنه يدفع الضريبة المتوجبة على وكيل السيارات!!

قال صاحب مكتب السيارات «ع ص» في ريف دمشق إن العروض المغرية التي قدمتها شركات السيارات سواء من خلال حملات التقسيط والتخفيضات وحتى من دون دفعة أولى لعبت دوراً مهماً في تحريك أسواق السيارات ما شجع الكثيرين على الشراء وحتى من ذوي الدخل المحدود ولكن هذه الطفرة كما أسلفنا لم تدم طويلاً إذ سرعان ما بدأت عملية تراجع في عمليات الشراء قابلها في الاتجاه الآخر اتجاه كثير من المشترين لبيع سياراتهم بعد فترة وجيزة من شرائها والسبب كما يقول صاحب مكتب لبيع السيارات في منطقة الحجر الأسود هو عدم قدرة المشترين على الاستمرار بالوفاء بالأقساط الشهرية التي تتضمنها شروط الشركة ويضيف صاحب المكتب إن عروض الشركات من حملات التقسيط والتخفيضات التي يفضلها التاجر عن حالة الركود أغرت الكثيرين باقتناء السيارة حتى إن شرط إلغاء الدفعة الأولى من قبل بعض الشركات زاد من الإقبال على الشراء ولكن في المقابل زاد هذا الأمر من الأعباء الشهرية المترتبة على مقتني السيارات الجديدة ليكون الخيار الأسهل هو بيع السيارة بسعر رخيص هرباً من التزاماتها لدرجة أن البعض باع سيارته فقط بما عليها من أقساط شهرية رغم أنهم خسروا قيمة الدفعة الأولى مقدماً الأمر الذي لعب دوراً في تنشيط سوق السيارات المستعملة التي تستحوذ على حجم المبيع بسوق المستعمل، هذا ناهيك – كما يقول صاحب المكتب – عن حسابات الحقل التي لم تتطابق مع حسابات البيدر بالنسبة لكثير من المشترين، فالسيارة تحتاج لمصاريف تضاف إلى دفعتها الأولى أو قسطها الشهري فهناك البنزين والتصليح والترسيم وغيرها الكثير مما لم يكن في حسبان الكثيرين مشيراً إلى أن العروض التي تقدمها وكالات السيارات لا تخدم بشكل حقيقي الفرد وفقاً لمعطيات الدخل الذي يتقاضاه، وأن هذه العروض الحالية تخدم الأشخاص الذين يتجاوز دخلهم 40 -50 ألف ل. س شهرياً.
أزمة الاقتصاد العالمي ما لبثت أن تسللت إلى أسواق السيارات في سورية فأخبار الخسائر في الشركات الكبرى، وقرارات تخفيض الإنتاج وتسريح العمال وتخفيض الأسعار كلها مؤشرات كانت تغذي الشائعات التي تناقلها الشارع السوري عن وضع سوق السيارات الذي يعتبر حديث الولادة ما زاد من خشية المالكين الجدد للسيارات من أن تنهار الأسعار أكثر فأقدموا على بيع سياراتهم بخسائر كبيرة رغم قصر فترة اقتنائها وفضلوا الادخار أو الاستثمار في قطاعات أخرى كالعقارات أو الذهب نظراً للتقلبات في سوق السيارات.
ويبين بعض التجار أن قطاع السيارات في سورية تأثر كثيراً بالهالة الكبيرة التي دارت حول الأزمة المالية العالمية وخاصة تأثر المواطن السوري بما قيل عن هبوط أسعار السيارات في العالم وما رافقه من إشهار لعدد من الشركات إفلاسها ما أدى إلى تراجع مبيعات السيارات في سورية ليس تأثراً بالأزمة المالية فقط وإنما نتيجة تأثر المواطن بما آلت إليه أسعار السيارات في دول أخرى وهو ما دفع إلى حصول عمليات بيع وبشكل كبير.
ولعل الأرقام خير دليل على تأثر سوق السيارات في سورية بالأزمة فقد شهد العام الحالي تراجعاً ملحوظاً في مبيعات السيارات مقابل ما شهده من انتعاش في الأعوام السابقة فقد وصل عدد السيارات المستوردة إلى 79972 سيارة في عام 2008 مقابل 88018 سيارة في العام 2007، على حين كان قد ارتفع في ذلك العام بنسبة 17 بالمئة عن العام 2006 حيث كان العدد في تلك السنة 74777. ويدعم هذه الأرقام التقارير عن تراجع أعداد السيارات المسجلة يومياً في إدارة المرور إلى 150 سيارة يومياً على حين كانت تسجل في السابق 250 إلى 300 سيارة.

عروض شركات السيارات لعبت أيضاً دوراً كبيراً في إقبال الكثيرين على استبدال سياراتهم الجديدة أصلاً بأخرى أحدث والسبب كما يقول صاحب مكتب لبيع السيارات هو العروض المغرية التي تقدمها الشركات والتي لم تكن موجودة أثناء اقتناء الراغبين بالتبديل لسياراتهم ما دفعهم لـ«مداكشة» هذه السيارات بسيارات أخرى أحدث موديلاً.
ويرى أن نزعة السوق تتجه لاستبدال السيارات السياحية الخاصة بسيارات فارهة انخفض ثمنها في السوق في الآونة الأخيرة بعد قلة الطلب عليها وعرض موديلات حديثة مع وجود أعداد كبيرة من السيارات المصممة لعرضها في العام الجاري التي انخفض سعرها بنحو 10 بالمئة ما دفع مستورديها إلى استبدالها بالسيارات القديمة لتصريف فائض العرض قبل حلول نهاية العام وكل ذلك بضمانة السيارة دون الاستعانة بأحد المصارف وبفائدة منخفضة نسبياً. ويستدرك صاحب المكتب بالقول إن عمليات التبديل هذه اقتصرت على القادرين على تحمل الخسائر التي تكبدها عملية استبدال الحديث بالأحدث أي على الميسورين مادياً الذين يعتبرون الأمر جزءاً من تكاليف الحصول على مزايا أفضل في السيارات الجديدة.

ولأن السيارة تشكل لدى البعض نوعاً من الادخار فقد اضطر كثيرون لبيع سياراتهم للوفاء بالتزاماتهم المادية الأخرى أو للتصرف بثمن السيارة نتيجة الوقوع بضائقة مالية.
ورغم أن السيارات– حسب العارفين بالسوق- من أقل القطاعات الاقتصادية جذباً للمدخرات معتبرين إياها (السيارة) ادخاراً لا يؤمن جانبه نتيجة الخسائر التي يتكبدها صاحب السيارة عند بيعها حتى لو لم يمض على شرائها غير فترة وجيزة فإن البعض لا يتوانى عن استثمار مدخراته في سوق السيارات فيستعمل السيارة حيناً من الوقت ويقوم ببيعها عند الحاجة للسيولة.
ولا يخرج عن هذا الإطار ما يقوم به البعض من الإقدام على شراء السيارة بالأقساط وبيعها مباشرة لزبون جاهز نقداً وهو أمر أشار إليه أحد معقبي المعاملات في سوق السيارات في مدينة حرستا والذي اعتبر أن الأمر يتم رغبة من الشاري في الحصول على السيولة المالية اللازمة له لتنفيذ مشروع اقتصادي أو للوفاء بالتزامات مالية معينة حتى وإن أدت هذه العملية إلى خسارة قد تصل أحياناً إلى 25% من سعرها رغم أنها لم تستعمل بعد ويقول معقب المعاملات إن هذا النوع من الـ«بزبنز» موجود وبكثرة في أسواق السيارات لدرجة يبحث فيها الراغبون بالشراء نقداً عن زبون يشتري بالتقسيط رغبة منه بالبيع المباشر ليوفر عليهم مبلغاً ليس بالقليل مقارنة بالشراء مباشرة من الشركة أو المكتب.

هي نماذج بسيطة لما يحدث في أسواق السيارات من عمليات بيع مباشرة للسيارات بعد فترة وجيزة من شرائها ولئن تعددت الدوافع الكامنة وراء هذه العملية فإن الخلاصة التي يمكن استقاؤها بعد هذه الجولة السريعة على عدد من أسواق السيارات هو أن السيارة ورغم كل هذه التسهيلات والعروض التي بدت مزعومة ما زالت حلماً .

أسعد المقداد

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...