شيطنة الأصولية

07-05-2009

شيطنة الأصولية

قد يكون العنوان غريبا , فالمقدس كان هو أول من صور الآخر على أنه شيطان ملعون , لكن ممارسة الشيطنة ضد الآخر ليس حكرا على أحد , ما يتطلبه الأمر هو نسبة القداسة إلى شخص أو فكر أو وضع قائم ما ثم تحريم كل من يعارضه و حتى التفكير بنقده , اليوم لا يجري أغلب النقد الموجه للأصولية الإسلامية لحساب الناس كمرجعية خارج النص و غير خاضعة لها , بل لصالح مرجعية فوق الناس هي مرجعية السلطة القائمة , بل تريد محاولة تمجيد الواقع القائم , سواء في مجتمعاتنا أو في العالم بأسره , أن ترفعه إلى ما فوق واقع لا يمكن تغييره و يحرم حتى نقده , هكذا يجري التنظير لديكتاتوريات قديمة جديدة , بعضها غير جلده و احتفظ بأنيابه كاملة و مطلقة ضد أي محاولة للاحتجاج , و بعضها استخدم بعض مساحيق التجميل التافهة لتجميل وجهه القبيح , بالمطالبة بالحجر على الناس و تحديد الأقلية التي يحق لها التفكير و التعبير , من منطلق نخبوي فوقي و لصالح الطغم الحاكمة في العالم , مرة أخرى يدعونا هؤلاء للتصفيق للقتلة و لتمجيد الطغاة..ليس فقط تلوين العالم بلون أبيض و أسود فقط , وليس فقط الزعم بأنهم أكثر ذكاءً من غيرهم و أنهم مخولون بالحكم على بقية البشر , بل إنهم هنا يريدون خلق موقف إرهابي من الأصوليين , موقف يختزل أية عملية عقلية إلى رد فعل بافلوفي يخدر العقل بأفيون من نوع جديد فيعلو الصراخ : المجد للسلطة , المجد للحاكم !!؟؟ الحداثة هنا ليست نصا مقدسا جديدا , و لا سلطة مطلقة جديدة , على العكس من طريقة عرض الحداثة هذه , فإنها لا تقل همجية و عداء للإنسان , العادي من لحم و دم , الذي يختزل في صورة إنسان لا يتألم من قمع السلطة و لا يشعر بالجوع بسبب إفقارها و نهبها له , بل يهلل لها في الحالتين , في صورة تابع سعيد , "متنور" هذه المرة , أي يرفض القبول بالفكر الاحتجاجي الشعبوي الديني , لصالح خضوعه الكامل للسلطة المطلقة "المتنورة" , مركز العالم الحداثي , لقد قتل في القرنين الأخيرين من البشر أكثر من عدد البشرية ذاتها قبل عدة قرون , حتى جنكيز خان لم يكن ليحلم بهذا العدد من الضحايا , و يعيش المليارات في جوع و فقر و جهل و مرض بسبب جشع أقلية محدودة جدا من "البشر" , من المؤكد أن لمفهوم الإنسان المستخدم في الخطابات السياسية و الفكرية السائدة معنى يستبعد هذه المليارات إلا بوضعيتها الصامتة الخرساء السلبية , و الأفضل حتى البلهاء , إن كل سياسات القوى السائدة تهدف إلى الحفاظ على الملايين في ظلام الجهل و "نعيم" العبودية , في فترة حكم الأبارتيد في جنوب أفريقيا كانت الصحافة الغربية تتحدث عن أحياء البيض النظيفة و الجميلة , كانت هناك حالة غريبة من عدم القدرة على رؤية الظروف الفظيعة التي كان الملايين من السود يعيشونها في المعازل القريبة , إن أسوأ تعريف للحداثة هو تعريفها بصورة الرجل الأبيض المستعمر و المحاط بعشرات "الخدم" "التافهين" , أو صورة الديكتاتور "المستنير" الذي يصفق له "ملايين" الأتباع المخلصين و السعداء محاطين بسياج سجن كبير "للحضارة" و بحراس هذا السجن , ليس غريبا أن هذه الحداثة لا تثير أحدا عدا من يتعبدها في مؤسسات "الحداثة" السلطوية , هناك حداثة مختلفة بدأت منذ ثار أول عبد في هذا العالم على سيده و على قيوده , حداثة لا تطلب من البشر العاديين السجود لأي سيد و لا الخضوع لسلطة تنهبهم و تقمعهم "لمصلحتهم" , حداثة لا تضع قيودا على العقل البشري و لا تحاصره أو تراقبه "كبوليس فكري" سياسي تابع لوزارات الداخلية المحلية أو لمؤسسات هيمنة المراكز الرأسمالية العالمية , بل تعرف نفسها بحريته الفعلية , لا بعبوديته لأي طغمة أو نخبة أو لأي كان.

مازن كم الماز

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...