أضواء العيد تشع في دمشق ... بعيداً من «ظلمة» منازل كثيرة

25-12-2008

أضواء العيد تشع في دمشق ... بعيداً من «ظلمة» منازل كثيرة

«كل عام وأنتم بخير»، تسللّ صوته المألوف الهرم من خلف باب الدار فسارعت إلى محفظتي، تناولت بعض النقود ووضعتها في يده السمراء المختبئة في كم مهترئ لبدلة كحلية خاصة بعاملي تنظيف الشوارع في دمشق... «كل عام وأنت بخير».

العيد ليس مجرد مناسبة مفرحة لأبي عباس وعائلته بل هو فرصة لا تفوّت تمكنه من زيادة دخله وتحمل أعباء الأعياد التي تثقل كاهله. يدور أبو عباس وغيره من عمّال تنظيف الشوارع في دمشق على كل بيوت المنطقة التي اعتادوا تنظيفها، يعايدون الأهالي ويأخذون ما فيه النصيب من العيديات.

يكرر أبو عباس مراراً عبارة «الشغل مو عيب»، ويقول حانقاً: «راتبي كله لا يكفي ثمن فستان لابنتي الصغيرة». ويتابع: «لم يسبق أن سألني أحد رأيي، ولكن نعم أجد عملي مقرفاً ومرات مهيناً خاصة في فترات الأعياد، ولكن ماذا أفعل في رقبتي عائلة وأطفال... والشغل مو عيب!».

في الجهة المقابلة من الحي، بدأ أبو جلال رجل الأعمال الغني تزيين شرفته وقد أستأجر مهندس ديكور متخصصاً ليقوم بالمهمة التي تتطلّب آلاف المصابيح الكهربائية وأكثر من نصف مليون ليرة سورية، ما يعادل دخل أبو عباس لأكثر من ثلاث سنوات، فضلاً عن مصروف الكهرباء المطلوب لإشعال هذه الزينة يومياً وطوال فترة الأعياد.

يتباهى أبو جلال بسرور: «أحب كثيراً عندما يأتي جميع الناس ويتفرجون على شرفتي المزينة ويلتقطون صوراً للديكور المبتكر الذي أحرص أن أشرف بنفسي على تنفيذ أدق تفاصيله كل سنة!». وحال أبو جلال كحال الكثير من العائلات الميسورة التي تتبارى سنوياً في البذخ على تزيين الشرفات والمداخل وإضاءة عبارات التهنئة مثل «كل عام وأنتم بخير»، «رمضان كريم»، «ميلاد مجيد»... بمختلف اللغات والأضواء المذهبة والمزركشة بشتى الألوان.

من جهتها، لا تتردد العائلات متوسطة الدخل في هدر قسط كبير من مصروفها على زينة الأعياد في استعراض لافت للنظر وربما يكون «مهيناً» لأبي عباس وأمثاله ممن يركضون وراء القرش لتأمين الطعام والكساء لأولادهم.

«أصبحت الجولة والتفرج على هذه البيوت المزينة جزء من مشوار العيد»، يروي أحد المارة. ويضـــيف: «أحضر أولادي وزوجـــتي ونقـــضي بعض الوقت في الفرجة والتـــقاط الصور أمام هذه البيوت المشتعلة بالأضواء، أشعر للحظات وكأنني لست في هذا العالم ولا أصدق أن كل هؤلاء الناس أغنياء ويستطيعون الإنفاق على الزينة بهذه الصورة». وتقول صبية أخرى: «أشعر بالإحباط كلما زرت هذا الحي وعدت إلى حارتي المظلمة، كم أتمنى أن أسكن في أحد هذه الأحياء حيث للعيد معنى حقيقي مزين بالأضواء الساهرة...».

ينهي أبو عباس جولته الليلية ويشق طريقه عائداً أدراجه وسط صخب الناس وضجيج الزينة الاستفزازي، وهو ممتن لأبي جلال وغيره من سكان الحي الذين فتحوا له الأبواب وأعطوه عيديته فتمكن من شراء وجبة العيد لزوجته وأولاده الصغار.

بيسان البني

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...