«متاهات سحرية» في أوبرا دمشق

04-07-2009

«متاهات سحرية» في أوبرا دمشق

في تجربة أولى من نوعها على المستوى السوري حملت العديد من التوجهات الجديدة، قدّم قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية بالتعاون مع مدرسة الباليه الحفل السنوي الراقص "متاهات سحرية" على مسرح الأوبرا في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق، وقد أخرج العرض الكيروغراف معتز ملاطيةلي، وشارك في أدائه أكثر من مئة راقص ورامن متاهات سحريةقصة من الأعمار كافة، بينما أشرفت على التدريبات النهائية الخبيرة الألمانية هنريتا هورن.

جاء العرض في اثنين وعشرين مشهدا موزعا على فصلين: الأول قدّمه تلامذة مدرسة الباليه، وضم اثنتي عشرة لوحة راقصة من تصميم يارا عيد ومايا جناوي، والفصل الثاني قدّمه طلاب قسم الرقص، وقام بتصميم لوحاته مجموعة من خبراء الرقص العالميين. من فرنسا صمم ويلفريد بيوليه لوحة «نسيم باكر»، وصمم جان غيزيركس لوحة «تحدي»، وشاركت الخبيرة الروسية لودميلا غاغانينا بلوحات: «تانغو» و»الرقصة الروسية» و»الرقصة الإسبانية»، بينما تولت هورن لوحة «الغسق»، وكريستيان كاسياني «بين الغيوم»، وماريوس بيتيبا «الحسناء النائمة».
الجديد الذي حمله هذا العرض كما أوضحت الدكتور حنان قصاب حسن: هذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها على خشبة المسرح تلاميذ مدرسة الباليه وطلاب قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية، في خطوة بدأ التحضير لها منذ عامين بمساعدة خبراء أجانب لتقديم ريبورتوار سوري يطلّ على اتجاهات الباليه الكلاسيكية وفنون الرقص الحديث في الآن ذاته، بعدما كان الرهان ينحصر سابقا في إطار البالية الروسية وخطوطها التقليدية.
مشاهد «متاهات سحرية» جاءت قصيرة ورشيقة الإيقاع ومتباينة من حيث الشكل والمضمون، ولم تأتِ لتعكس فقط خطوات وتقنيات معروفة، وتعبّر عن مستوى الإتقان في أدائها، كما هي حال أغلب الحفلات السابقة، بل حملت كل لوحة راقصة من لوحات العرض منحى دراميا مستقلا بها، واتخذت شكلا محددا من الأشكال التي تطور من خلالها فن الباليه في العالم. لوحة «ليلى والذئب» على سبيل المثال استندت إلى ما يُعرف بأسلوب «الكوميديا باليه» الذي يعود ظهوره إلى القرن السابع عشر، وقد عبّرت عن قصة الأطفال المعروفة بالعنوان ذاته مع تغيير في الخاتمة يشير إلى أن إنقاذ ليلى من براثن الذئب يتم على يد بنات جنسها. ولوحة «المايسترو» التي صوّرت عمل قائد الأوركسترا، وركّزت على تعبيرات الوجه واليدين، اعتمدت «الباليه الإيمائية» التي تعود إلى القرن الثامن عشر، و»الحسناء النائمة» سارت على نهج «الباليه البيضاء» من القرن التاسع عشر، بينما اقتفت لوحة «الغسق» أسلوب الرقص الحديث الذي يعود إلى سبعينيات القرن العشرين، وعبّرت عن إشكالات الإنسان المعاصر.
وقد خضعت وضعية الجسد وحركة الأطراف في لوحات الفصل الأول لنظام تعبيري مؤسلب له قوانينه ورموزه المتعارف عليها عالميا في إطار كلاسيكيات الباليه، بخلاف أغلب لوحات الفصل الثاني التي حاولت كسر مبدأ الأسلبة، وأعطت مساحة كبيرة للارتجال، بهدف تحرير الجسد من أنماط الحركة المعروفة، واستنطاق ما في داخله من طاقة حسية وانفعالية، واستثمارها لصالح الشكل التعبيري.في هذا السياق جاء تصميم الحركات الراقصة كجزء من التصميم العام للوحات من جهة، وكعنصر من العناصر المساعدة على تشكيل بنية مشهدية متكاملة للعرض من الجهة الأخرى، بحيث تم التركيز على المشاهد التي تحتفي بحركة الجموع والتشكيلات العامة، أكثر من التركيز على أداء كل راقص على حدة، أو على المشاهد الانفرادية (السولو).
ولم يكتسب العرض خصوصياته الفنية من التنويع في أساليب الرقص والأداء والحركي فقط، بل أيضا من تنويع التشكيل اللوني للفضاء، وقد تضافرت على صنعه جهود مصمم الإضاءة ماهر هريش ومصممي الأزياء فكتوريا الطنجي وأحمد منصور. فغالباً ما كانت بؤر الضوء تنعكس على شكل شبكة من الأمواج اللونية الزرقاء والوردية التي ترسم لوحتها الحالمة على خلفية الخشبة. ولم تقتصر الأزياء على الحلّة البيضاء الكلاسيكية، بل تجاوزتها إلى كل الألوان الزاهية وأحدث تصاميم الموضة، مما عزز بعداً جماليا آخر، أُضيف إلى بعدي الرقص والموسيقى، وأنتج مناخا احتفاليا له نكهته الخاصة.
وإذا كان الأداء في الفصل الأول قد عانى في بعض الأحيان عدم قدرة التلاميذ المبتدئين من الأطفال واليافعين على ضبط الحركة تارة وإكسابها الليونة الكافية تارة أخرى، فإن الأداء في الفصل الثاني حمل معه مفاجآت حقيقية على مستوى الليونة والتعبير الحركي، بحيث يمكن الحديث عن نقلة نوعية قادرة في المستقبل على أن تعد بولادة احترافية لفن الباليه في سوريا.

تهامة الجندي

المصدر: الكفاح العربي
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...