«رحمة» فيها كل فن توني موريسون

25-04-2012

«رحمة» فيها كل فن توني موريسون

لم تكن الكاتبة الأميركية، توني موريسون، على كثير حضور، في ثقافتنا العربية، قبل بداية تسعينــيات القرن الماضـي. لهذا ربما ـ كانت في حــاجة إلى «نوبل للآداب» (1993) لتجــعلنا نكـتشف فيها واحدا من أهمّ الأصوات الأدبية الحاضرة في العالم. هذه هي حالنا دائما، إذ غالبــية الأســماء الكبـيرة في الأدب لا تزال بعيدة عنّا، ففي النهاية، لم نترجم بعد إلا الجزء اليسير، من هذا المشهد الأدبي الكبير والمتنوع. ومن هنا أيضـا، قد نكون في حاجة «إلى جوائز» على الأقل لتدفعنا «الحشرية» إلى اكتشاف ما يكــتبه الفائزون بها.
بعد الفورة في ترجمة الأعمال الروائية تحديدا التي صنعت من موريسون اسما حاضرا في المشهد الروائي، إذ عرفنا غالبية أعمالها بالعربية، اختفت الكاتبة من التداول إذا جاز القول؛ وربما ليس عربيا فقط، بل هي «ابتعدت» عن الكتابة الروائية، إذ صدرت «الفردوس» (بلغتها الأصلية العام 1994) لتتوقف موريسون عن الكتابة 10 سنوات تقريبا، إذ صدرت روايتها اللاحقة «حب» العام 2003.
تعود موريسون اليوم لتظهر بيننا، عبر ترجمة لروايتها «رحمة» ( نقلها إلى العربية أنطوان باسيل، «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر»، وكانت صدرت بالانكليزية العام 2008)، لكنها ليست الأخيرة، إذ صدرت لها قبل فترة وجيزة رواية جديدة بعنوان Home، على أمل أن تجد المصير عينه، أي أن تنقل إلى العربية.
لا تشذّ رواية «رحمة»، في فضائها العام، عن فضاءات روايات موريسون السابقة، فيما لو اعتبرنا أنها كتابة ترسم مصير نساء يعشن جميع شروطهن الوجودية، ويخضعن أيضا لشرطهن الإنساني، الذي لا يبدو سويا في الكثير من الحالات.
«لا تخف. فلا يمكن أن تصيبك روايتي بأيّ أذى برغم ما قمت به». هذه هي الجملة الأولى التي تفتتح بها موريسون الكتاب، لوهلة نظن أنها الكاتبة، التي تلعب دور الراوية، وتستمر بنا اللعبة لنكتشف في النهاية أن من يتكلم، هي إحدى شخصيات الكتاب، التي كانت مستعبدة، وتروي قصتها لطفلها. بهذا المعنى تقترب الحبكة، ممّا وجدناه في رواية «محبوبة»، من كون شخصية نسائية تروي الظلم الذي تعرضت له. لكن في «محبوبة» نجد أن الأم كانت تتكلم مع شبح طفلها، الذي ذبحته، كي تنجيه من العذاب المكتوب له، في «رحمة»، نجد تقريبا العكس، أي نجد شابة، تتحدث مع خيال والدتها التي تخلت عنها، لتروي لها المأساة.
دائما ثمة مآس وتراجيديات نجدها في أعمال موريسون، وبخاصة، حين تستعرض هذا التاريخ الأسود، وما تعرض له أبناء شعبها، من هنا تعود بنا الرواية إلى العام 1680، أي بالضبط إلى الحقبة التي بدأت تتمخض فيه «الأمّة الأميركية»، لنقع على تقاطعات كثيرة، تنجح الكاتبة من خلالها في تقديم، لوحة ما، من لوحات التاريخ الأميركي، عبر سيرة انقلاب على سلطة، تقوم به مجموعة من المسلحين وما يستتبع ذلك من عمليات قتل، كانت فلورانس، الراوية، شاهدة عليها. بمعنى آخر، تبعدنا الكاتبة، عن فكرة أن أميركا هي أرض الحلم الموعود، وأن هذه اليوتوبيا، لم تنشأ سوى خلال عمليات الابادة، التي تعرضت لها الشعوب المختلفة هناك.
كلّ أسلوب توني موريسون، نجده حاضرا في هذه الرواية، عبر الاستعارات ومزج الواقع بالخيال، والرمز بالحقيقي، وكأنها تعيد «تلخيص» كل أساليبها، لتكتبها دفعة واحدة، في رواية تستعيد بدورها الكثير من موضوعاتها السابقة: العبودية، النسوية، الحب الأمومي... بلغة عودتنا عليها، كتلك الخارجة من فضاءات التوراة بما تحملها من إحالات شتى.
«رحمة»، عنوان رواية، تظن أنك في الجحيم حين تقرأها، إذ لا بدّ من أن تصيبك معاركها، على الأقل، بحالة نفسية، لا تعرف كيف الخلاص منها.


إسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...