«دراما الأجزاء» في المسلسلات السورية: افتعال أسبابه تجاريّة يولّد خيبة فنيّة وجماهيرية

12-10-2010

«دراما الأجزاء» في المسلسلات السورية: افتعال أسبابه تجاريّة يولّد خيبة فنيّة وجماهيرية

ربما صار لزاما أن تتوقف «تجارب الأجزاء» في الدراما السورية، ما دام تاريخ الدراما لا يحفظ في الذاكرة سوى تجارب معدودة على أصابع اليد الواحدة نجحت في تقديم حكايتها على أجزاء من دون أن تقع في مطب التكرار.. والعادي.. بل وحتى السقوط المدوي أحيانا في الأجزاء الإضافية....
ولعل مسلسل «باب الحارة» هو المثال الأكثر وضوحاً لما تؤول إليه حال الأجزاء في الدراما السورية. فالعمل الذي ذاع صيته في الوطن العربي وخارجه، واحتل مواقع متقدمة في نسب المشاهدة على مستوى العالم ودخل تصنيفاتها العالمية ووجد فيه الكثيرون ظاهرة يجب أن تدرس لفهم الجماهيرية التي حققها.. أسقطت جماهيريته من يده وبات ما انتهى إليه لا يشبه أبداً ما بدأ به..
ومنذ عرض الجزء الثالث للعمل، دخل المسلسل في دوامة «فبركة» حكاياته، ودفعها باتجاه ما يثير عاطفة الناس الآن، وليس باتجاه ما تفترضه منطقية الحكاية وشخوصها الدرامية.. هكذا، تمكنّت الحارة الصغيرة من هزيمة دولة الاحتلال الكبرى في عز قوتها، وبات رجال الحارة ببنادق الرصاصات الخمس يصولون ويجولون بين الجنود الفرنسيين، بينما يظهر هؤلاء بأسلحتهم الثقيلة لا قوة لهم ولا حول..
ثم، كانت حكاية الإنفاق والغزل على مقام وجع الحصار الفلسطيني في الجزء الرابع، وجاءت تداعياته في الجزء الخامس. شيئا فشيئا، كان العمل يبتعد عن منطق حكاياته المفترضة.
وكان من الممكن تقبل ذلك، حتى لو قاتل «القبضاي» معتز وحده جيشا بأكمله، لو لم يزج الجيش الفرنسي في الحكاية، فحضوره على هذا النحو حدد زمناً للحكاية، وبالتالي صار المسلسل مطالباً بكل ما يفرضه منطق تلك المرحلة وواقعيتها. ولأن حصار الحارة ومقاومتها قدم كحدث هز كل الشام، فلم يعد يمكن للعقل أن يصدق أن حكاية هزّت الشام لم تهز كتب التاريخ لتذكرها.. كأنما خرج مسلسل باب الحارة في أجزائه الأخيرة من تصنيف الأعمال البيئية، ليدخل بقوة في تصنيف أعمال الفنتازيا.
ويقدّم «بقعة ضوء» تجربة مماثلة بقسوة نهاياتها التي لا تشبه بداياتها التي أحبها المشاهدون.
ولعل أكثر ما يدّل على الأثر الذي أحدثه العمل في أجزائه الأولى والتصاقه بالناس، هو حال التحفز التي أحدثها في الشارع، وتمكنّه من التغلغل في كلام الناس وتفاصيل يومهم. لكن العمل سرعان ما دخل في دائرة استثمار النجاح وراح يجتر أفكاره.. وعاما بعد عاما، كان الخط البياني للعمل في انحدار، بعدما تخلى في مضمونه عن التصاقه بالناس، حتى كاد يفقد كل عوامل نجاحه، ولا سيما لناحية امتيازه كمشروع فني - جماعي.
ولا يعني تناول العملين السالفي الذكر أن غيرهما من المسلسلات لم يقع في الفخ ذاته.
فكل منهما تراجع لأسباب خاصة، إلا أن هناك الكثير من أسباب التراجع المشتركة بينهما وبين معظم مسلسلات الأجزاء في الدراما السورية.
ويدّل ذلك على أزمة في آلية الإنتاج الدرامي، والعقلية التي تديرها، حيث تتراجع أولويات الفن أحيانا لصالح الربح والانتشار.. وإن كان ذلك يأتي دوماً مغلفاً بمحبة الناس والحرص على تلبية متطلباتهم.
ومع سقوط فرضية أن الحكاية تحتمل دوما جزءا ثانيا في تجارب الكثير من مسلسلات الأجزاء، يأتي النهج الذي أصر عليه صانعو مسلسل «ضيعة ضايعة» في جزئه الثاني حين وضعوا نهاية لا يمكن بعدها إنجاز جزء ثالث من العمل، داحضين بذلك مقولة أن سبب إنتاج أجزاء إضافيّة هو الضغط الإنتاجي والجماهيري، ومؤكّدين على أن صاحب العمل الفني هو الأدرى إن كان عمله يحتمل جزءا ثانيا أم لا، بعيدا عن الضغط الإنتاجي.
في بداية موسم دراما رمضان 2010، ساد جوّ من التفاؤل بعثته المقدمات التي لجأ إليها صانعو مسلسلات الأجزاء لتوفير عوامل النجاح للأجزاء الجديدة لمسلسلاتهم. ولكن، ومع عرض تلك الأجزاء، انقلب التفاؤل إلى خيبة، خيبة تدفع إلى رفع الصوت للقول: كفى مسلسلات أجزاء.. رفقاً بالنجاحات التي تحققت، وبعقول المشاهدين .. ولتركزّ الطاقات الإنتاجية في أعمال جديدة.

ماهر منصور 

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...