سورية:حرب الناتو "الإنسانية" التالية (27)

09-02-2013

سورية:حرب الناتو "الإنسانية" التالية (27)

الجمل- قسم الترجمة- جيروا أو كولما- ترجمة: د. مالك سلمان:

في يوم الجمعة 23 كانون الأول/ديسمبر, ضرب هجومان إرهابيان العاصمة السورية دمشق. استهدف الهجومان "إدارة أمن الدولة" وفرع أمن آخر في العاصمة السورية. سارعت روسيا والصين ودول أخرى إلى إدانة الهجومين اللذين أوديا بحياة 44 شخصاً مع إصابة 166 بجروح.
على الرغم من زعم الصحافة الغربية بحرصها على "حماية" المدنيين و "حقوق الإنسان" في سوريا, إلا أن اهتمامها تركز على شيطنة الحكومة السورية أكثرَ من إدانة البرابرة الذين نفذوا الهجومين الإرهابيين الوحشيين.
أرهبت هجمات من هذا النوع بلداناً عديدة في الشرق الأوسط لعقود, وتم تحميل مسؤوليتها لمجموعات إرهابية, بشكل عام. تحمل الهجمات الموجهة ضد المدنيين كل بصمات القاعدة. ولكن, وبضرب من السخرية البذيئة, حاولت الصحافة الغربية إلقاء اللوم على الحكومة السورية في هذين الهجومين. فقد جاء العنوان الرئيسي في "لوموند": "هجمات في دمشق: المعارضة السورية تتهم النظام, الذي يتهم القاعدة".
تنطوي الهجمات الإرهابية في بلد معين, في العادة, على معارضة لحكومة ذلك البلد, إلا أن عنوان الصحيفة المذكورة أعلاه يفتح المجال لنظرية المؤامرة التي تشي بمسؤولية الحكومة من خلال إبراز ادعاءات المعارضة السورية وإعطائها الأولوية في العنوان.
أودى الهجومان الإرهابيان في دمشق بحياة رجال ونساء وأطفال. وقد تناثرت أشلاء الجثث في كل مكان. إلا أن الحكومات الغربية ومنظمات "حقوق الإنسان" والصحافة "المستقلة" رفضت التصريح بما يمكن أن يقوله أي إنسان نزيه: أي, أن هذه الهجمات هي جرائم ضد الإنسانية وتجب إدانتها بشكل قطعي.
كما هيمنت "نظرية المؤامرة" أيضاً في مكاتب تحرير قناة "سكاي نيوز" التي أبرزت ادعاءات "المعارضة" التي زعمت أن الحكومة السورية نفسها قد زرعت القنابل.
كما بدت "سكاي نيوز" مقتنعة بمؤامرة شيطانية حاكها نظام الأسد بهدف الإساءة إلى سمعة المجموعات "السلمية المطالبة بالديمقراطية" التي تعارض الحكومة. إذاً, يبدو أن نظرية المؤامرة قد اجتاحت أخيراً صفحات الإعلام الرسمي.
تبعاً ﻠ "ويكيبيديا", إن مصطلح نظرية المؤامرة "يستخدم أحياناً للدحض الأوتوماتيكي لمزاعمَ تبدو سخيفة, أو مغلوطة, أو ارتيابية, أو غير مبررة, أو خيالية, أو غير عقلانية."
الفكرة القائلة إن الحكومة السورية – التي تواجه حرباً شاملة تشنها عليها القوى الغربية على أرضية العقيدة الأورويلية "مسؤولية الحماية" – تزرع القنابلَ في مقرات قوات الأمن التابعة لها جديرة حقاً بصفات مثل "سخيفة" و "مغلوطة" و "ارتيابية" و "غير مبررة" و "خيالية" و "غير عقلانية".
ليس هناك أي دليل يدعم نظرية المؤامرة الارتيابية المعتوهة التي تزعم أن الحكومة السورية وراء هجمات دمشق. ومع ذلك, عوضاً عن التعاطف مع ضحايا هذه الجرائم ضد الإنسانية, يفضل الإعلام الغربي المؤسساتي الترويجَ لنظريات مؤامرة جامحة.
لكن ما ثبت هو أن ما يسمى ﺑالمعارضة السورية مدججة بالسلاح, وهي تستهدف المدنيين وقوات الأمن, ومدعومة من وكالات الاستخبارات الغربية.
بينما لا يوجد أي دليل يشير إلى أن الحكومة السورية تزرع القنابل بهدف قتل شعبها, هناك دلائل كثيرة على أن واشنطن تسعى إلى تغيير النظام في دمشق وأنها مستعدة للجوء إلى كافة الوسائل الضرورية لتحقيق هذا الهدف.
منذ إقرار "قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية" في سنة 2003, واعتراف الجنرال ويسلي كلارك لإيمي غودمان – في 2 آذار/مارس 2007 – أن سوريا ستكون من بين 7 دول على لائحة الولايات المتحدة لتغيير النظام, تشير كافة الأدلة المتوفرة إلى أن سوريا تتعرض منذ زمن طويل للعدوان العسكري الأمريكي.
في وقت من السنة يرتبط بالسلام والمحبة, أظهرت المؤسسة السياسية الغربية وموظفو العلاقات العامة التابعون لها في الإعلام الجماهيري ومنظمات "حقوق الإنسان", مرة أخرى, استهتارَها بحياة الناس.
تتضح الأجندة السياسية المشينة لمنظمات "حقوق الإنسان" الغربية الأكثر شهرة وتأثيراً من خلال الصمت القاتل ﻠ "مجلس حقوق الإنسان" في جنيف, و "منظمة العفو الدولية" ["آمنستي إنترناشنل"], و "مرصد حقوق الإنسان", و "الاتحاد العالمي لحقوق الإنسان" والمنظمات المرتبطة بها, بعد أن قام نشطاؤها الأعزاء السلميون "المطالبون بالديمقراطية" بتفجير المواطنين السوريين وتقطيعهم إلى أشلاء في دمشق.
قدمَ خطابُ حقوق الإنسان تمويهاً فعالاً للإستراتيجيات الإمبريالية الغربية في الشرق الأوسط منذ اندلاع الانقلابات الشعبية المدعومة من الولايات المتحدة في تونس ومصر هذه السنة.
فخلال 9 أشهر من القصف المتواصل لأهداف مدنية في ليبيا قامت مجموعات حقوق الإنسان, من أمثال "الاتحاد العالمي لحقوق الإنسان", بتقديم التبريرات لحملات الرعب الجماعي التي شنها الناتو ضد الشعب الليبي, تحت ذريعة "حماية المدنيين".
اعترفت "منظمة العفو الدولية" بجزء من الجرائم التي ارتكبتها العصابات المسلحة في بنغازي, لكنها حافظت على جوقة هستيرية من التحريض الكولونيالي الجديد ضد الجماهيرية الليبية الشرعية, حيث قامت بشكل متكرر بتحميل "قوات القذافي" المسؤولية عن الجرائم المرتكبة من قبل متمردي الناتو.
في مقالته الشهيرة "حول المسألة اليهودية", قال ماركس إن مقولة حقوق الإنسان كانت من صنع الطبقة المالكة أو "البرجوازية". وبما أن مقولة حقوق الإنسان تعطي الأولوية للملكية الفردية, فهذا يعني أن المقولة تفضل الطبقات المالكة على الفقراء.
فبما أن فكرة حقوق الإنسان التي جاءت بها الثورة الفرنسية قد شملت تقديسَ الملكية الخاصة, فإن حقوقاً إنسانية مجردة مثل المساواة أمام القانون وحرية التعبير وحرية التجمع سوف يتم استخدامها – كما تنبأ ماركس – لتعزيز مصالح الطبقة الرأسمالية, أي الطبقة التي كانت تملك وسائل الإنتاج والاتصالات. فمن خلال تجاهل حقيقة الصراع الطبقي في المجتمع, تبدو عقيدة حقوق الإنسان مجردَ تشفير للقانون البرجوازي, أي تبرير لحكم الأقلية.
من هذا المنطلق, تصبح عقيدة حقوق الإنسان دينَ النخبة الحاكمة. إذ تصبح حقوقي الإنسانية حقي في استغلالي للآخرين والهيمنة عليهم وحكمهم من خلال حصولي على الملكية الخاصة. إن مجموعة منظمات حقوق الإنسان التي تعمل اليوم في خدمة الإمبريالية الغربية تقدم دليلاً ساطعاً على مقولة ماركس النقدية.
إن الصمت المستهتر لما يسمى بمجموعات حقوق الإنسان بعد الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في دمشق في 23 كانون الأول/ديسمبر, بالإضافة إلى نظريات المؤامرة الارتيابية للإعلام الرسمي, تشكل إدانة لما وصفه الفيلسوف الألماني أزڤلد شبنغلر ﺑ "انحطاط الغرب".
حذرت "شبكة حقوق الإنسان السورية" الشعبَ السوري من فبركة "مقابر جماعية" في المستقبل من قبل إرهابيي الناتو بالوكالة, والتي سيتم تحميل مسؤوليتها لبعبع الإعلام الجماهيري الجديد الرئيس بشار الأسد.
إن العودة إلى إرهاب السيارات المفخخة من قبل ‘الجهاديين’ المدعومين من الغرب تبين أن إستراتيجية ثورة الألوان قد فشلت فشلاً ذريعاً في سوريا. فمن المرجح الآن أن تتطلب زعزعة سوريا مستويات أعلى الكذب والافتراء في الإعلام الجماهيري وقدراً أكبرَ من هستريا "حقوق الإنسان".
ساهمت القصص المفبركة حول المقابر الجماعية ومعسكرات الموت والقتل الجماعي في حشد الدعم الشعبي للمغامرات الإمبريالية في الماضي.
ففي نيسان/إبريل 1993, تبَجحَ جيمز هارف من شركة العلاقات العامة الأمريكية على التلفزيون الفرنسي عن نجاحهم في استغباء اليهود الأمريكيين وإقناعهم بدعم القصف "الإنساني" ليوغوسلافيا, قائلاً:
"في مطلع تموز/يوليو 1992, نشرت ‘نيويورك نيوزدي’ مقالة حول المعسكرات الصربية. أمسكنا بتلابيب هذه الفرصة على الفور. أقنعنا ثلاث منظمات يهودية كبيرة. ... كان انقلاباً هائلاً. وعندما دخلت المنظمات اليهودية في اللعبة إلى جانب البوسنيين [المسلمين], نجحنا على الفور في المساواة بين الصربيين والنازيين في عقول الجماهير. لم يكن أحد يفهم ما يدور في يوغوسلافيا. ... فبحركة واحدة تمكنا من تقديم قصة بسيطة تقوم على الطيبين والأشرار وتركناها تأخذ مجراها بنفسها. ربحنا من خلال التوجه إلى الجمهور اليهودي. وسرعان ما حصل تغير واضح في لغة الصحافة, مع استخدام كلمات تنطوي على محتوى عاطفي جياش مثل التطهير العرقي, ومعسكرات الاعتقال, إلخ, التي تستحضر صورَ ألمانيا النازية وحجرات الغاز في أوشفيتز."
كلفَ "الانقلاب الهائل" لشركة العلاقات العامة هذه أرواحَ الآلاف من المدنيين البريئين, كما أدى إلى تفتيت مجتمع متسامح ومتعدد الإثنيات.
من المرجح أن يكثف الإعلامُ حملته الهادفة إلى شيطنة الرئيس السوري بشار الأسد في السنة الجديدة مع انتشار الحرب الإنسانية وحقوق الإنسان من شمال أفريقيا إلى حدود روسيا والصين.

تُرجم عن: ("غلوبل ريسيرتش", 27 كانون الأول 2011)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...