سورية: حرب الناتو "الإنسانية" التالية (19)

28-01-2013

سورية: حرب الناتو "الإنسانية" التالية (19)

الجمل - *مهدي داريوس ناظم رؤايا - ترجمة: مالك سلمان:

أعلنت صحيفة "نيويورك تايمز" أن إدارة أوباما قد أرسلت رسالة هامة إلى القيادة الإيرانية في 12 كانون الثاني/يناير 2012.
في 15 كانون الثاني/يناير 2012, اعترف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أن الرسالة قد تم تسليمها إلى طهران عبر ثلاث قنوات دبلوماسية:
(1) تم تسليم نسخة من الرسالة إلى السفير الإيراني في الأمم المتحدة, محمد خزاعي, من قبل نظيره الأمريكي, سوزان رايس, في مدينة نيويورك.
(2) تم تسليم نسخة ثانية من الرسالة في طهران من قبل السفير السويسري إلى طهران, ليڤيا لو أغوستي.
(3) ذهبت نسخة ثالثة من الرسالة إلى إيران عن طريق جلال طالباني العراقي.
في الرسالة, عبرَ البيت الأبيض عن موقف الولايات المتحدة بشكل واضح, بينما قال المسؤولون الإيرانيون إنها كانت دلالة على الأشياء كما هي: ليس بمقدور الولايات المتحدة أن تشن حرباً ضد إيران.
في الرسالة التي كتبها الرئيس باراك حسين أوباما, هناك طلب أمريكي ببدء المفاوضات بين واشنطن وطهران لإنهاء العداوات الإيرانية – الأمريكية.
"في الرسالة, أعلن أوباما عن الاستعداد للمفاوضات وحل الخلافات المشتركة," قال علي متحري, وهو عضو في البرلمان الإيراني, ﻠ "مهر نيوز إيجنسي". وتبعاً لعضو آخر في البرلمان الإيراني, وهو هذه المرة نائب رئيس "لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني", حسين إبراهيمي, فإن الرسالة طالبت بالتعاون الإيراني – الأمريكي والمفاوضات القائمة على المصالح المشتركة لكل من طهران وإيران.
كما حاولت رسالة أوباما أن تؤكد لطهران أن الولايات المتحدة لن تقوم بأي عمل عدائي ضد إيران. وفي الحقيقة, وفي نفس الإطار الزمني, قام البنتاغون بإلغاء, أو تأجيل, مناورات مشتركة رئيسية مع إسرائيل.
لكن بالنسبة إلى الإيرانيين, لا معنى لهذه الإيماءات, إذ طالما تناقضت أفعال إدارة أوباما فيما يخص إيران مع كلامها. وفوق ذلك, تعتقد إيران أن الولايات المتحدة لم تهاجم لأنها تعرف أن تكاليف الحرب مع خصم مثل إيران مرتفعة جداً, كما أن عواقبها في غاية الخطورة.
لكن هذا لا يعني أنه تم تجنُب المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران أو أن هذه المواجهة لن تحصل في نهاية المطاف. إذ يمكن للعاصفة أن تهبَ في أي اتجاه, إذا صح التعبير. كما لا يعني ذلك أن إدارة أوباما لا تشن حرباً الآن ضد الإيرانيين وحلفائهم. ففي الحقيقة, تخوض كتلة واشنطن وكتلة إيران حرباً في الخفاء من الساحة الرقمية والموجات الهوائية التلفزيونية إلى وديان أفغانستان وشوارع بيروت وبغداد المزدحمة.

الحرب ضد إيران بدأت منذ سنوات طويلة
لم تبدأ الحرب في إيران في سنة 2012 أو حتى في سنة 2011. حتى أن "نيوزويك ماغازين" قالت التالي في عنوان على الغلاف في سنة 2010: "إغتيالات, هجمات إلكترونية, عمليات تخريبية – هل بدأت الحرب ضد طهران؟" ربما بدأت الحرب الفعلية في سنة 2006.
فبدلاً عن مهاجمة إيران بشكل مباشر, بدأت الولايات المتحدة حرباً سرية وبالوكالة. حيث يتم خوض الأبعاد السرية للحرب عبر الأصول الاستخباراتية, والهجمات الإلكترونية, وفيروسات الكمبيوتر, والوحدات العسكرية السرية, والجواسيس, وفرق الاغتيال, والعملاء المحرضين, والعملاء المخربين. إذ إن اختطاف واغتيال العلماء والقادة العسكريين الإيرانيين, والذي بدأ منذ سنوات, جزء من هذه الحرب السرية. وفي سياق هذه الحرب الخفية, تم اختطاف دبلوماسيين إيرانيين في العراق كما تم احتجاز أو خطف إيرانيين يزورون جورجيا والسعودية وتركيا. كما تم اغتيال شخصيات فلسطينية وعماد فايز مغنية من حزب الله في هذه الحرب الخفية.
بدأت الحروب بالوكالة في سنة 2006 عندما هاجمت إسرائيل لبنان بهدف توسيع الحرب ضد سوريا. الطريق إلى دمشق يمر عبر بيروت, بينما يمر الطريق إلى طهران عبر دمشق. وبعد فشلها في سنة 2006 وإدراكها أن سوريا هي حجر الزاوية في "كتلة المقاومة" التي تهيمن عليها إيران, أمضت الولايات المتحدة وحلفاؤها السنوات الخمس أو الست التالية وهي تحاول فصل سوريا عن إيران.
كما أن الولايات المتحدة تحارب إيران وحلفاءها على الجبهتين الدبلوماسية والاقتصادية من خلال استغلال المنظمات الدولية ودول الوكالة. ففي سياق 2011 إلى 2012, تشكل الأزمة في سوريا على مستوى جيوسياسي جبهة في الحرب ضد إيران. حتى أن المناورات الإسرائيلية – الأمريكية "أوستير تشالنج" كانت موجهة في المقام الأول ضد سوريا كوسيلة من وسائل مقاتلة إيران.

سوريا في عين العاصفة
ما تفعله واشنطن هو ممارسة ضغط نفسي على إيران لإبعادها عن سوريا, بحيث تتمكن الولايات المتحدة وأتباعها من توجيه الضربة القاتلة لسوريا. حتى بداية كانون الثاني/يناير 2012, كان الإسرائيليون يحضرون لغزو سوريا في إعادة لحرب 2006, بينما حاولت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي التفاوض مع دمشق لعقد صفقة للانفصال عن إيران و "كتلة المقاومة". لكن السوريين كانوا دائماً يرفضون هذه الصفقة.
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالة في آب/أغسطس 2011 تبين فيها ما كان يدور في رأس الملك السعودي حول سوريا في سياق الهجوم على إيران: " يعرف الملك أنه باستثناء انهيار الجمهورية الإسلامية [الإيرانية] نفسها, لا شيء يضعف إيران أكثر من خسارتها لسورية." (جون هانا, "الرد على سوريا: تصريح الملك وتردد الرئيس", "فورين بوليسي", 9 آب/أغسطس 2011) سواء صدر التصريح المذكور أعلاه عن عبد العزيز آل سعود أم لا, فإن هذه الرؤية الإستراتيجية تمثل أسباب استهداف سوريا. فقد قال مستشار أوباما للأمن الشيءَ نفسَه, بعد نشر تلك المقالة في "فورين بوليسي" بأشهر قليلة فقط, في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2011. كما ألقى مستشار الأمن القومي دونيلون خطاباً يقول فيه إن "نهاية نهاية نظام الأسد ستشكل هزيمة كبرى لإيران في المنطقة – ضربة استراتيجية من شأنها أن تغيرَ ميزانَ القوى في المنطقة ضد إيران."
كما صرحَ الكريملين أكثر من مرة أن واشنطن تسعى إلى فصل سوريا عن حليفتها إيران. فقد أعلن أحد كبار المسؤولين الأمنيين الروس أن سوريا تتعرض للعقاب بسبب تحالفها الإستراتيجي مع إيران. كما صرح سكرتير هيئة الأمن القومي لروسيا الاتحادية, نيكولاي بلاتونوفيتش باتروشيف, بشكل علني أن سوريا تتعرض لضغط من واشنطن بسبب المصالح الجيوسياسية المرتبطة بقطع علاقات سوريا بإيران وليس بسبب أية اهتمامات إنسانية.
وقد أرسلت إيران إشارات تنطوي على أنه في حال تعرُض سوريا للهجوم فإنها لن تترددَ في أن تتدخلَ عسكرياً لمساعدة سوريا. لكن واشنطن لا تريد ذلك. إذ يفضل البنتاغون أن يبتلعَ سوريا أولاً, قبل أن يكرسَ اهتمامَه الكامل لإيران. حيث تتمثل أهداف البنتاغون في مهاجمة أهدافه تدريجياً. فعلى الرغم من العقيدة العسكرية التي تنص على شن حروب متساوقة في مسارح متعددة و كل ما صدر عن البنتاغون من التنظير حول هذا الموضوع, إلا أن الولايات المتحدة ليست جاهزة بعد لشن حرب إقليمية تقليدية ضد إيران وسوريا, أو للمجازفة الآن بحرب واسعة مع حليفي إيران الروسي والصيني. ومع ذلك فإن طبول الحرب لم تتوقف بعد. فعلى الحكومة الأمريكية, في هذه الأثناء, أن تستمرَ في حربها الخفية ضد إيران مع تصعيد للحرب الإعلامية والدبلوماسية والاقتصادية.

*مهدي داريوس ناظم رؤايا (باحث مشارك في "مركز أبحاث العولمة" في مونتريو, كندا)
تُرجم عن: ("غلوبل ريسيرتش", 20 كانون الثاني/يناير 2012)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...