سورية: حرب الناتو "الإنسانية"التالية (1)

29-11-2012

سورية: حرب الناتو "الإنسانية"التالية (1)

الجمل- فيليسيتي آربوثنوت - ترجمة: مالك سلمان:

 
"من أجل تسهيل عمل القوات التحريرية, ... يجب بذل جهد محدد لتصفية بعض الشخصيات التي تلعب دوراً مفتاحياً ... [ويجب] إنجاز هذه المهمة في مرحلة مبكرة من الانتفاضة والتدخل, ...
حالما يتم اتخاذ القرار للبدء في خلق الاضطرابات الداخلية في سورية, تكون ‘سي أي إي’ جاهزة, وسوف تحاول ‘إس آي إس’ (إم آي 6) افتعال أحداث تخريبية داخل سورية, من خلال العمل مع الأفراد. ... يجب ألا تتركز هذه الأحداث في دمشق ...
ومن ثم: إن "درجة معينة من الخوف ... والحوادث والصدامات الحدودية (المفتعلة)" سوف "تقدم ذريعة للتدخل ... وعلى ‘سي آي إي’ و ‘إس آي إس’ (إم أي 6) استخدام ... إمكانياتهما في الحقلين النفسي والعملياتي لخلق التوتر." (وثيقة استخباراتية أمريكية-بريطانية مسربة, لندن وواشنطن, 1957)
"إن مفهوم الحقيقة الموضوعية يتلاشى من العالم. ستصبح الأكاذيبُ جزأ من التاريخ." (جورج أورويل, 1903 – 1950)

لكل شخص لا يدرك تمتماً ما يحدث في سورية, وإذا ما كان الرئيس الأسد – الذي تم تصويره في العقد الماضي على أنه "أتاتورك عصري" – قد أصبح المستبد الأخير المصاب بجنون العظمة, والذي يجب على مجموعة من الأمم بقيادة الولايات المتحدة أن تقدم لشعبه "الحرية" بأسلحة الدمار الشامل ودمار البيوت والناس والأمة والحياة, إليكم هذه الحكاية المفيدة من التاريخ الحديث.
هل تم بناء قرقعة السيوف الأخيرة ضد سورية على وثائق أمريكية-بريطانية, لم تكتشف إلا في سنة 2003 – وتم تنسيقها (أو حذفها عن طريق الخطأ) حتى من أرشيف الأحداث في "بي بي سي", حول ذلك البلد؟
في أواخر ستة 2003, السنة التي تم فيها غزو العراق, اكتشف ماثيو جونز – وهو أستاذ في التاريخ الدولي في "رويال هولووي كوليدج" في لندن – وثائق "صريحة بشكل مخيف": خطط وضعها في سنة 1957 رئيس الوزراء البريطاني آنذاك, هارولد مكميلان, والرئيس الأمريكي آنذاك دوايت آيزنهاور, تصادق على: "خطة ل ‘سي آي إي-إم آي 6’ لافتعال أحداث مزيفة على الحدود كذريعة لغزو (سورية) من قبل جيران سورية المؤيدين للغرب."
كان من صلب الخطة اغتيال الشخصيات التي يستمد منها الرئيس السوري آنذاك, شكري القوتلي, سلطته. كان المستهدَفون: عبد الحميد سراج, رئيس المخابرات العسكرية؛ وعفيف البزري, رئيس الأركان؛ وخالد بكداش, رئيس الحزب الشيوعي السوري.
تم تحضير الوثيقة في واشنطن في أيلول/سبتمبر 1957:
 "من أجل تسهيل عمل القوات التحريرية, يجب تقليص قدرات النظام على تنظيم وتوجيه عملياته العسكرية ... للوصول إلى النتائج المرغوبة في أقصر وقت ممكن,  ... يجب بذل جهد محدد لتصفية بعض الشخصيات التي تلعب دوراً مفتاحياً.
"يجب إزاحتهم في مرحلة مبكرة من الانتفاضة والتدخل, وفي ضوء الظروف المتاحة في ذلك الوقت."
في ضوء اتهامات الرئيس الأسد الحالية بوجود قوات أجنبية وتدخلات وهجمات عبر الحدود (كما كان يقول القذافي قبله, والذي كانت الحكومات ووسائل الإعلام الغربية تسخر منه, والذي تبين أنه كان على حق), إليكم بعض العبارات المذهلة المفيدة:
" حالما يتم اتخاذ القرار للبدء في خلق الاضطرابات الداخلية في سورية, تكون ‘سي أي إي’ جاهزة, وسوف تحاول ‘إس آي إس’ (إم آي 6) افتعال أحداث تخريبية داخل سورية, من خلال العمل مع الأفراد.
" يجب ألا تتركز هذه الأحداث في دمشق ... يجب توخي الحذر لتجنُب دَفع المسؤولين الكبار في النظام السوري لاتخاذ إجراءات حماية شخصية إضافية."
ومن ثم: إن "درجة معينة من الخوف ... والحوادث والصدامات الحدودية (المفتعلة)" سوف "تقدم ذريعة للتدخل", من قبل العراق والأردن – اللتين كانتا لا تزالان تحت الانتداب البريطاني.
يجب إظهار سورية على أنها: "ترعى المؤامرات والتخريب والعنف ضد الحكومات المجاورة ... يجب على ‘سي آي إي’ و ‘إس آي إس’ [الاستخبارات الدولية السرية لجلالة الملكة, ‘إم آي 6’] ...قدراتهما في الحقل النفسي والعملياتي لخلق التوتر."
وقد نصحت الوثيقة بأن يتم إلقاء اللوم على دمشق بخصوص الهجمات على العراق والأردن ولبنان والتي تشمل على: "العمليات التخريبية, والمؤامرات الوطنية, وكافة أشكال الأنشطة المسلحة القوية."
في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2011, تم الإعلان عن "مجلس وطني سوري" معارض يهدف إلى "تحرير البلد", وقد التقى ممثلوه بهيلاري كلينتون. يبدو الآن أن هناك "مجلس ثوري سوري" تتبناه الولايات المتحدة.
كانت خطة آيزنهاور-مكميلان تهدف إلى تمويل "اللجنة السورية الحرة" و "تسليح الفصائل السياسية بقدرات شبه عسكرية أو قدرات عملياتية أخرى" داخل سورية.
خططت "سي آي إي" و "إم آي 6" لتسعير الانتفاضات الداخلية واستبدال الحكومة البعثية الميالة إلى الشيوعية بحكومة موالية للغرب. وبما أنه من المتوقع أن يلاقي ذلك معارضة شعبية, فقد خططتا أنه "من المحتمل أن تنشأ الحاجة إلى الاعتماد أولاً على الإجراءات القسرية والممارسة القسرية للسلطة."
تم توقيع الوثيقة في لندن وواشنطن. وقد كتب مكميلان في مذكراته اليومية إنها كانت "تقريراً هائلاً." كانت تقريراً "لم يطلع عليه حتى قادة الأركان البريطانيون ..."
كانت واشنطن و "وايتهول" قلقتين من الميول السورية المتزايدة المؤيدة للسوفييت وليس للغرب, ومن التحالف بين البعث (العروبي) والحزب الشيوعي, والمتحالفين أيضاً إلى درجة كبيرة داخل الجيش السوري.
ومع ذلك,لم تهتم سورية لهذا القلق السياسي لأنها كانت عندها تسيطر على خط نفطي رئيسي من الكنز الغربي القادم من حقول النفط العراقية, في تلك الأيام السابقة لصدام حسين.
باختصار: في سنة 1957 تحالفت سوريا مع موسكو (وشمل التحالف اتفاقية لتقديم المساعدة الاقتصادية والعسكرية) كما اقتربت من الصين – وآنذاك, كما الآن, حذر الاتحاد السوفييتي آنذاك الغربَ من التدخل في سورية.
لم تتغير سورية كدولة مستقلة في قرارها, وتبقى الولاءات نفسها. تبقى سورية اليوم مهدَ العروبة البعثية لوحدها, منذ سقوط نظام صدام حسين.
في سنة 1957, دفع هذا الاستقلال في القرار لوي هندرسون, الذي كان مسؤولاً رفيعاً في وزارة الخارجية الأمريكية, للقول: "على النظام الحالي في سورية أن يرحل ..."
في النهاية, لم يتم تطبيق الخطة بما أن الدول المجاورة, بغض النظر عن وقوعها آنذاك تحت الانتداب البريطاني, رفضت الدخول في اللعبة. ومع ذلك, فإن المشروع يشبه إلى حدٍ كبير واقعَ الأحداث في العقد الأخير, في سورية والمنطقة ككل.
في لغة تكاد تكون تكراراً لما قيل في سنة 1957, قال وزير الخارجية البريطاني, وليم هيغ, إن الرئيس الأسد "سيشعر بالقوة" نتيجة تصويت روسيا والصين في الأمم المتحدة لصالح سورية.
هيلاري ("جئنا, رأينا, مات") كلينتون دعت "أصدقاء سورية ديمقراطية" إلى الاتحاد ومواجهة حكومة الأسد:
"يجب أن نعملَ سوية لكي نبعث لهم برسالة واضحة: لا يمكنكم أن توقفوا المستقبل بفوهة بندقية," قالت المرأة التي كانت تشاهد الاغتيالَ غير القانوني لمن يمكن أن يكون, أو لا يكون, أسامة بن لادن وآخرين – لكن أشخاصاً قتِلوا بالتأكيد, على يد غزاة أمريكيين غير شرعيين, بفوهات بنادق كثيرة.
ومن المثير للسخرية الفائقة أنها كانت تتحدث في ميونخ (5 شباط/فبراير) التي كانت تاريخياً "مكان ولادة الحزب النازي".
تمت إدانة الفيتو الروسي-الصيني في الأمم المتحدة على إجراءات ضد سورية من قبل الولايات المتحدة بصفته: "مثيراً للقرف", و "مخجلاً", و "بائساً", و "مهزلة".
ما يلفت الانتباه حقاً هو الفيتوهات الأمريكية في مجلس الأمن! لا يسع المرء سوى أن يقف مذهولاً أمام هذه المعايير المزدوجة.
ربما تكون النقطة الجوهرية هي: في سنة 1957, كان النفط العراقي على رأس الأجندة, والذي كان لسورية سيطرة كبيرة عليه. واليوم, إنه النفط الإيراني – وبعبارة ميشيل تشوسودوفسكي البليغة: "الطريق إلى طهران تمر عبر دمشق."

(غلوبل ريسيرتش, 7 شباط/فبراير 2012)

الجمل-قسم الترجمة-

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...