سورية: حرب الناتو "الإنسانية" التالية (26)

07-02-2013

سورية: حرب الناتو "الإنسانية" التالية (26)

الجمل- بِن شراينر- ترجمة:مالك سلمان:

مع الضربات الجوية لأهداف داخل سوريا الأسبوع الماضي, أعلنت إسرائيل دخولها الرسمي في الأزمة السورية. وبهذا دخل الاستهداف الإسرائيلي لإيران إلى المسرح السوري.
تبعاً ﻠ "مكلاتشي", استهدفت الغارات الإسرائيلية في 30 كانون الثاني/يناير صواريخَ مضادة للطائرات في قاعدة عسكرية على تخوم دمشق. وتبعاً لمصادر استخباراتية إسرائيلية, كانت الصواريخ متوجهة إلى حزب الله في لبنان.
أوضح مسؤول إسرائيلي ﻠ "مكلاتشي" أن "إسرائيل تعتمد بشكل كبير على القوة الجوية وقوة الردع الاستراتيجي. ولن نسمح بوقوع أنظمة الأسلحة التي تضعف قوتنا الجوية في أيدي المجموعات الإرهابية".
وتبعاً لذلك, تجلت ردة الفعل الأمريكية في توجيه تحذير جدي لدمشق. فقد حذر نائب مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض, بن بروكس, قائلاً: "يجب على سوريا ألا تزعزع المنطقة أكثر من ذلك من خلال نقل الأسلحة إلى حزب الله."
وبكلمات أخرى, تنظر واشنطن إلى أية جهود تهدف إلى الحد من حرية إسرائيل في العربدة أينما وحيثما تشاء بمثابة تهديد للاستقرار الإقليمي. وبالطبع, يتم استخدام كلمة "الاستقرار" في القموس الأمريكي للدلالة على التفوق العسكري الغربي المطلق. (لذلك يتم الحديث عن نشر بطاريات باتريوت الناتو على الحدود التركية – السورية كأداة ﻠ "تخفيف حدة التوتر".)
مع هذا المفهوم ﻠ "الاستقرار", نقلت مجلة "تايم" أن واشنطن أعطت "ضوأ أخضرَ" لإسرائيل لتنفيذ ضربات أخرى. ومع حصولها على هذا الكرت الأبيض, فإن إسرائيل تخطط سلفاً للتدخل بشكل أكبر.
تبعاً لتقرير نشر في "التايمز" اللندنية, "تفكر إسرائيل في إقامة منطقة عازلة تصل إلى 10 أميال داخل سوريا." وفي هذا السياق, يقال إن إسرائيل نشرت بطاريات "القبة الحديدية" الثالثة المضادة للصواريخ على حدودها الشمالية. وكما قال أحد المخططين العسكريين الإسرائيليين ﻠ "التايمز", "إذا بقيت البلد [سوريا] غير مستقرة, ربما نبقى هناك سنوات."
ذكر موقع "دبكافايل" اليميني أن "القوات الجوية الإسرائيلية أمنت, في الأيام الأخيرة, غطاءً على مدار الساعة فوق المنطقة الحدودية [السورية - اللبنانية]."
ويتابع الموقع, "دون الدخول في أية شكليات, تكون إسرائيل قد فرضت نظامَ حظر طيران فوق منطقة عازلة تمتد على طول الحدود السورية – اللبنانية ووضعتها تحت سيطرة قوتها الجوية."
لذلك لم تكن الضربة الجوية داخل سوريا قضية منعزلة, بل مدخلاً إلى تعميق التدخل الإسرائيلي الذي يتم التخطيط له منذ فترة بعيدة.

مواجهة إيران عبر "الخيار الثالث"
في شباط/فبراير 2012 نقلت "نيويورك تايمز" عن رئيس الموساد السابق, إفرايم هاليفي, قوله إن الأزمة السورية قد خلقت, خارج إطارالعقوبات والمواجهة العسكرية, خياراً ثالثاً في "تخليص العالم من التهديد الإيراني."
قال هاليفي, "من خلال ضمان إخراج إيران من حصنها الرئيسي في دمشق, يمكن إبعاد إيران عن وكيليها (حزب الله في لبنان وحماس في غزة) وتلطيخ سمعتها الداخلية والدولية, مما يمكن أن يقسرَ النظامَ النازف في طهران على إيقاف سياساته النووية. سيكون هذا الخيار أكثر جدوى وسلامة من الخيار العسكري."
ويتابع هاليفي, "بعد تحقيق هذا الهدف, سوف يتعرض ميزان القوى في المنطقة لتغير كبير. إذ سيتم احتواء الإرهاب المدعوم من قبل إيران بشكل مرئي؛ حيث سيخسر حزب الله قناته السورية الحيوية إلى إيران ويتمكن لبمام من العودة إلى حالته الطبيعية المفقودة منذ زمن طويل؛ كما سيكون على مقاتلي حماس التفكير في مستقبل خالٍ من الأسلحة والتدريب الإيرانيين؛ وربما يثور الشعب الإيراني مرة أخرى على النظام الذي جلب لهم كل هذا الألم والمعاناة."
إن أفكاراً كهذه حول "شرق أوسط جديد" ملائم لمصالح تل أبيب وواشنطن قد أرخت بسحرها على المخططين الغربيين منذ وقت طويل. وفي الحقيقة, مرت سبع سنوات تقريباً منذ أن هللت وزيرة الخارجية الأمريكية, كوندوليزا رايس, للغزو الإسرائيلي للبنان في سنة 2006 بصفته "آلام المخاض لولادة شرق أوسط جديد."
ليس من المدهش إذاً أن يتزعمَ حشدُ المحافظين الجدد الأمريكيين حلمَ تشكيل شرق أوسط جديد من خلال تدمير سوريا. لكن أملَ استغلال الأزمة السورية لإخراج إيران من العالم العربي يداعب أطرافاً كثر. وفي الواقع, بدأت بعض الأطراف الأكثر عقلانية بتحبيذ فكرة التدخل في سوريا كوسيلة لاستئصال "الخطر الإيراني".
يقول كاتب "نيويورك تايمز" روجر كوهين في مقالته الأخيرة, "وصلت الأمور إلى درجة انتشار العدوى. إذ يشجع الإحجام عن التدخل على التطرف المتزايد في سوريا, والتفكك المتنامي للدولة, وتكثيف عمليات القتل التي يقوم بها نظام الأسد, وفرصَ امتداد النزاع إلى خارج سوريا على شكل صراع طائفي. إن هذا الإحجام يبدد الفرصة المتاحة لإضعاف إيران. وهذا ليس في صالح الغرب."
ويتابع كوهين, "لقد آن الأوان لتغيير ميزان القوى في سوريا إلى درجة توفر الفرصة للمصالحة السياسية ولا تترك للأسد مجالاً سوى الرحيل. وهذا يعني برنامجاً قوياً لتدريب وتسليح ‘الجيش السوري الحر’. كما يعني أن دعوة [السيناتور جون] مَكين لاستخدام صواريخ كروز الأمريكية بهدف تدمير طائرات الأسد في مطاراتها تصبح أكثر إقناعاً مع مرور كل يوم."
ولكن لا تحتاج النخبة الأمريكية إلى جهد كبير لإقناعها بأن الوقت قد حان لإطلاق صاروخ كروز آخر. ففي النهاية, أصبحت "دبلوماسية الصواريخ والقنابل" هي السياسة الخارجية الأمريكية التقليدية.


إذكاء الجحيم أم البحث عن نهاية اللعبة؟
على الرغم من الأحلام الأمريكية بعدالة صواريخ كروز, إلا أن دخول إسرائيل على الخط السوري يبدو, في حقيقة الأمر, نقطة انعطاف. ولكن علينا أن نسأل: لماذا اختارت تل أبيب الدخولَ في الأزمة السورية؟
كما يشير نيكولاس ناصر, "تزامنت" الغارة الإسرائيلية "مع مؤشرات دامغة على أن ‘تغيير النظام’ في سوريا بالقوة, سواء عن طريق التدخل العسكري الأجنبي أم من خلال التمرد المسلح الداخلي, قد آلَ إلى الفشل, مما دفع بالمعارضة السورية في المنفى – ودون رغبة منها – إلى اختيار ‘المفاوضات’ مع النظام الحاكم."
في الواقع, في نفس اليوم الذي ألمحت فيه المعارضة السورية في المنفى إلى انفتاح على فكرة الحوار تم إرسال المقاتلات الإسرائيلية لقصف أهداف في محيط دمشق. ولكن مرة أخرى, تنظر تل أبيب إلى إذكاء الجحيم السوري كخيار يصب في المصالح الإسرائيلية.
فكما أوضح رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق, اللواء آموس يادلين, يوم الإثنين, "إن أهم جيش على حدودنا, الجيش السوري - وهو جيش متطور يمتلك ترسانة ضخمة من الصواريخ بعيدة المدى ودفاعات جوية روسية الصنع من بين أكثر الدفاعات تطوراً في العالم – يقوم بإنهاك نفسه. إذ إن قدرته العملياتية على مهاجمة إسرائيل تضعف في كل أسبوع يمر."
وتابع يادلين, "هذا تطور إيجابي من الناحية العسكرية والسياسية أيضاً. فالمحور الراديكالي المعادي لإسرائيل, والذي يمر عبر طهران ودمشق وبيروت وغزة في طور التداعي."
قدمَ آلون ليل, المدير العام السابق لوزارة الشؤون الخارجية الإسرائيلية, التحليلَ نفسَه في ظهور له, خلال نهاية الأسبوع, على قناة الجزيرة الإنكليزية.
قال ليل, "بالنسبة إلى إسرائيل, يكتسب إضعاف سورية نتيجة هذه الحرب أهمية إستراتيجية خاصة, لأن سورية عدوة لإسرائيل. كما أن المعركة الداخلية تهمش تزيل قضية الانسحاب من مرتفعات الجولان عن الأجندة."
فسواء كان التدخل الإسرائيلي الرسمي في سوريا يعني إذكاءَ اللهب, أو كان يهدف إلى الإسراع في نهاية اللعبة, يبقى مسألة غير مؤكدة. ففي الوقت الحاضر, يبدو أن تل أبيب سعيدة بترك سوريا تحترق.
ولكن مهما كانت الحالة, فإن هدف إسرائيل النهائي واضح تماماً. فكما قال هاليفي, " إذا ذهب السيد الأسد, يجب أن تذهب هيمنة إيران على سوريا معه. أي شيء آخر سيفرغ رحيلَ الأسد من أهميته."
ولكن مع محاولة المخططين في تل أبيب وواشنطن تحقيق هذا الهدف الهام, يستمر التواجد الإيراني في العالم العربي بالتنامي خارج إطار المصالح الإمبريالية.
الخطر المتواصل
إن وصولَ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى القاهرة يوم الثلاثاء – وهو أول رئيس إيراني يهبط في القاهرة منذ قيام الثورة الإيرانية في سنة 1979 – هو دليل آخر على التأثير الإقليمي المتنامي لإيران. وهذا يسبب, بالطيع, قلقاً وإزعاجاً كبيرين لواشنطن.
أشارت "نيويورك تايمز" إلى أنه "على الرغم من أن العلاقات المصرية مع إيران محدودة, إلا أن المشهد على مدرج مطار القاهرة يوم الثلاثاء – رئيس مصر الجديد, محمد مرسي, يستقبل السيد نجاد بحرارة على البساط الأحمر – كان خارج التصور في عهد السيد مبارك, ويبدو أنه أرسل إنذاراً إلى إدارة أوباما."
جاء اللقاء التاريخي يوم الثلاثاء بُعيدَ زيارة مرسي إلى طهران في شهر آب/أغسطس لحضور القمة السادسة عشرة ﻠ "حركة عدم الانحياز". وقد تم توجيه انتقادات واسعة, آنذاك, لمرسي في واشنطن وتل أبيب, كما كتب توماس فريدمان في "التايمز", بسبب هذه "الانعطافة الخاطئة".
ليس هناك داعٍ للقول إن "الانعطافة الخاطئة" المستمرة لمرسي لا تبشر بالخير بالنسية لأولئك الذين يسعون إلى استئصال الوجود الإيراني في سوريا. فكما أعلن مرسي يوم الثلاثاء, "لا أعتقد أنه يمكن حل المشكلة السورية بدون إيران وجهود إيران في هذه المجال تحتل المقام الأول."
وأضاف مرسي, "ليس لدينا أي شك أن إيران تحاول بصدق حل المشكلة في سوريا والبلدان الأخرى. ولذلك فإننا نؤكد على التعاون مع إيران في هذا المجال."
إذاً, يبدو أن اسئصالَ "الخطر الإيراني" سوف يتطلب أكثر من انتصار إسرائيلي على الساحة السورية. فبدل من أن يبدو هذا الخطر مشلولاً, يبدو أكثر تواصلاً وإلحاحاً. ولذلك, يقال إن الخطر لا يزال محدقاً.
في مقابلة مع "وول ستريت جورنال", اتهمَ وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا إيران بشن "حملة مكثفة لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط." ونتيجة لذلك, تابع تقرير "الجورنال" بالقول, "إن الولايات المتحدة تكثف جهودَها لمواجهة الخطر الإيراني."
من المؤكد أن مثل هذه الجهود ستهيمن على مسار زيارة الرئيس أوباما إلى إسرائيل الربيع المقبل. وكما نقلت "نيويورك تايمز", "ستشمل أجندة هذه الرحلة إيران والنزاع المستمر في سوريا الذي يهدد بالتحول إلى نزاع إقليمي أوسع."
لدى رئيس الوزراء والرئيس أشياء كثيرة للنقاش؛ فعلى الرغم من بوادر إمكانية رسم شرق أوسط جديد, إلا أن القبضة الإمبريالية تتراخى بشكل متزايد. من الواضح أن "الاستقرار" في خطر.

تُرجم عن: ("غلوبل ريسيرتش", 7 شباط/فبراير 2013)

الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...