"ما الذي يعنيه أن تكون يساريا في القرن الحادي و العشرين"

13-03-2008

"ما الذي يعنيه أن تكون يساريا في القرن الحادي و العشرين"

الجمل: آمي غودمان: انتهى منتدى اليسار لعام 2007 في مدينة نيو يورك الأحد الماضي. كل ربيع يدعو المنتدى إلى أكبر لقاء هنا في هذا البلد لليسار العالمي. مع نهاية المائة اجتماع و ال 300 حدث ثقافي أساسي فإن منتدى اليسار قد جمع المنظمين و المثقفين من كل مكان في الكوكب.
أحد الذين تحدثوا في اللقاء كان البروفيسور و الناقد الثقافي و المنادي بالعدالة الاجتماعية كورنيل ويست . لقد وصف بأنه واحد من أكثر مفكري أمريكا الشعبيين حيوية و بلاغة . بروفيسور الدين و الدراسات الأمريكية الأفريقية في جامعة برينستون , البروفيسور ويست ناقد للثقافة و يعمل الآن محللا لفن و لفلسفة ما بعد الحداثة , و قد كتب أو شارك في العديد من الكتب عن الفلسفة و الأعراق و علم الاجتماع .
كتابه الأخير كان : مسائل الديمقراطية : كسب الحرب ضد الإمبريالية . و قد تحدث أمام أحد الاجتماعات في منتدى اليسار . بدأ كورنيل ويست بالحديث عن حالة اليسار السياسي في عام 2007 .

كورنيل ويست : ما الذي يعنيه فعلا أن تكون يساريا في بدايات القرن ال 21 ؟
ما الذي نتحدث عنه بالفعل ؟ و سأكون شفافا للغاية في حديثي معكم . إنه يعني أن تمتلك نوعا ما من حساسية بالغة , أن تقوم بخيارات خاصة سياسية و أخلاقية , و أن تمارس تركيزا تحليليا خاصا يركز على الكارثي , الوحشي و المشين و المؤذي , الذي يختبئ و يختفي غالبا في الخطابات الكريهة و المدمرة للسائد . هذا ما يعنيه أن تكون يساريا .
دعونا نكون واضحين فيما يتعلق بالموضوع .
أي إذا كنا مهتمين بالعنف البنيوي ( الذي يتعلق بالبنية الاجتماعية ) , إذا كنت مهتما بالاستغلال في مكان العمل , إذا كنت مهتما بازدراء المثليين جنسيا , و إذا كنت تكترث للكراهية المنظمة ضد أصحاب البشرة الملونة , إذا كنت تكترث لوضع المرأة في مرتبة أدنى , إن هذا ليس لغوا فارغا على كومبيوترك الشخصي , إنها دعوة إلى أنك ترغب في النضال ضد و محاولة فهم مصادر هذا الشقاء الاجتماعي على مستوى البنية الاجتماعية و مستوى المؤسسات و على المستويين الوجودي و الفردي . هذا ما يعنيه , جزئيا , أن تكون يساريا .
لذلك فإننا قد اخترنا أن نكون نوعا خاصا من البشر . و لذلك هي دعوة و ليست مهنة .
إنها رسالة و ليست حرفة . لذلك فإنك ترى هؤلاء المحاربين يأتون إلى هنا سنة بعد أخرى , لأنهم مقتنعون بأنهم لا يريدون أن يعيشوا في عالم و لا يرغبون بأن يكونوا بشرا حسب طريقة لا يستخدمون فيها مصادرهم الفكرية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية بطريقة ما ليتركوا هذا العالم و لو أفضل بأية درجة مما كان عليه عندما دخلوا إليه .
هذا جزئيا ما الذي يعنيه أن تكون يساريا .
الآن ما الذي يعنيه هذا بالنسبة إلي ؟ ما يعنيه لي في الولايات المتحدة – و سأعود الآن إلى قبل 400 سنة إلى جيمس تاون . جميعكم يعلم أنه تمر هذه الأيام الذكرى السنوية ال 400 لأول مستوطنة بريطانية تمكنت من البقاء في العالم الجديد . كان هناك رونوك قبلها لكنها لم تتمكن من الاستمرار . جيمس تاون أخيرا , صحيح ؟ و ماذا هناك في جيمس تاون ؟ نادي فرجينيا اللندني , امتداد للإمبراطورية البريطانية , تشق طريقها مع الزوارق الثلاثة التي لا حاجة لنا بها أن نذكر أسماءها هنا . و ماذا فعل هؤلاء المستوطنين ؟ لقد تفاعلوا مع إمبراطورية أخرى , إمبراطورية البوهاتان , التي كانت توجد على هذه الأرض مؤلفة من السكان الأصليين . ما حصل بالفعل هو تصادم الإمبراطوريتين . إنه عصر الإمبراطورية .
لكن لماذا هم هنا ؟ للبحث عن الذهب و الفضة , و بشكل ثانوي لتحضير ( جعلهم متحضرين – المترجم ) سكان البلاد الأصليين .
أي أننا حصلنا على أمريكا كشركة قبل أن تكون بلدا . إن جشع الشركة يوجد بالفعل في المركز فيما يتعلق بالشيء الذي يدفع هذه البلد . و جشع الشركات , كما فهمه ماركس , رأس المال كعلاقة اجتماعية , علاقة غير متكافئة للقوة بين السادة و العمال , بحيث أن أولئك الذين في القمة قادرين على أن يعيشوا حياة البذخ و أولئك الذين يعملون سيكونون ضروريين لكن أيضا أن يجري استغلالهم لكي ينتجوا الثروة .
بعد ذلك هناك الدين , "لتحضير" سكان البلاد الأصليين . هنا لا يمكنك أن تتكلم عن الخبرة الأمريكية في هذا المجال – و أعتقد أن هذا صحيح بعدة وجوه عن خبرة العالم الجديد أيضا – دون أن نتحدث عن الدور المهيمن للدين كإيديولوجيا . كما أننا نعرف واحدة من الأسباب التي تفسر لماذا هذه الأعداد الكبيرة من مواطنينا اليوم في الولايات المتحدة , لماذا هم ليسوا يساريين , و ذلك تحديدا لأنهم لم يستيقظوا من مشيهم أثناء النوم . أنهم لم يقتنعوا بعد أن عليهم أن يختاروا أن يعيشوا حياتهم بالطريقة التي اخترناها , جزئيا لأننا قد وصمنا بعلامة معادي للدين أننا علمانيون عديمو الخبرة أو أن هذا ما نملكه .
و هؤلاء هم 98 % من مواطنينا . لذا لا يهم عن أية منظمة سياسية يتحدث الأخ ستانلي فإنه سيكون غرامشيا ( نسبة للشيوعي الإيطالي غرامشي , المترجم ) فيما يتعلق بها . إن عليه أن ينخرط في الثقافة الشعبية اليومية للناس و 98 % منهم يتحدث عن الله . إنهم ال 97,5 % من مواطنينا الأمريكان الذين يؤمنون بالله .
75 % يؤمنون أن يسوع هو ابن الله . 62% يؤمنون أنهم يتحدثون بعبارات حميمة مع الله مرتين على الأقل في اليوم . هذا هو من نتعامل معهم فيما يتعلق بمواطنينا الأمريكيين . يمكنك أن تتحدث عن منظمة لن تستمر مع مرور الوقت , إن لم تكن تتحدث باستخدام مصطلحات غرامشية ( نسبة للشيوعي الإيطالي غرامشي , المترجم ) عن كيفية استخدام الرأي و الرؤية و التحليل اليساريين , في ضوء تراث الإيديولوجيات المسيطرة – المسيحية , الإسلام , اليهودية , البوذية , و غيرها .
لكن بعدها , ماذا الذي حدث أيضا ؟ 1619 أصبح لدينا عبيدا بيض و عبيدا سود . أصبح لدينا أول جمعية تمثيلية تشكلت وفقا لنموذج الشركة , لكنها كانت أيضا محاولة لاختيار أول جمعية تمثيلية عبر انتخابات ديمقراطية . اجتمعت يوم 30 يوليو تموز 1619 . لقد ألغيت في 4 أغسطس آب لأنها أصبحت حامية أكثر من اللازم . بعد ذلك بثلاثين يوما وصلت أولى المراكب و هي تحمل أول الأفارقة . في ذلك الوقت لم تكن العبودية قد جرى ربطها بالعرق أو باللون بعد . كان يمكن أن يكون لديك عبيدا بيض اللون أو سود اللون .
لكن بالنسبة للعبيد ذوي البشرة البيضاء , انظر إلى سجل عام 1621 , كان لديهم أسماء مثل جيمس ستيوارت و تشارلز ماكغريغور . لكن عليك أن تنظر إلى الجانب الأيمن حيث سترى زنجي , زنجي , زنجي , زنجي . إذا حتى قبل أن تصبح العبودية بنية مستمرة و قابلة للتوريث لتحقيق السيطرة و التي ستستغل عمل الأفارقة و ستخفض قيمة ما يكونون هم أنفسهم و ترى في أجسادهم مجرد شيء قذر , كانت هناك فعليا مشكلة عدم وجود اسم للسود . التفوق الأبيض كان قد وجد فعلا كإيديولوجيا أخرى للهيمنة لتضمن أن هؤلاء الشغيلة لن يتحدوا معا .
و سيصاب جشع الشركة بالسعار وسط هذا الانقسام العميق جدا , الذي لم يكن مجرد انقسام سياسي . إنه عملية خلق لعوالم مختلفة , بحيث أن الفصل الأبيض المتفوق الواقعي سيكون جزءا من تشكيل الإمبراطورية الأمريكية و سيخلق عوالم مختلفة جدا و سيشكل تحديا رئيسيا لما يعنيه أن تكون يساريا في أمريكا بين 1776 و حتى 1963 عندما تمت الإطاحة بالأبارتيد الأمريكي التي تمت في أعوام الستينيات . و بعد فإننا نتصارع اليوم مع التراث , مع انتصار حركة حرية السود و حرية كل البيض و السود – أعني الرفاق البيض و الملونين و الآسيويين الذين كانوا جزءا من حركة حرية السود التي قصمت ظهر الأبارتيد الأمريكي في أعوام الستينيات .
ما الذي أقوله ؟ الذي أقوله هو أنه على الأقل بالنسبة لي أن تكون يساريا في هذه الأيام , بالطريقة التي بواسطتها – و أنا آخذ بكل الجدية حرص أنطونيو غرامشي على النوعية التاريخية للدعم الناشئ و التطور و التعريف التالي للإمبراطورية الأمريكية . و عندما تنظر عن قرب إلى هذه الإمبراطورية فإنها تبدو لي كما يمكن أن نتفق عليه عن الدور الرئيسي لجشع الشركة و الإيديولوجيات الدينية و التفوق الأبيض , و الدور الأساسي للثقافة الرائجة و للشباب , و أن تسلم بأنه عندما تتحدث عن التفوق الأبيض فإنك تتحدث بالفعل و بطريقة أو أخرى عن معاملة النساء ذوات البشرة السوداء . و إذا كنت تكترث لطريقة معاملة النسوة السود فإن عليك أن تهتم أيضا لطريقة معاملة النساء جميعا . هنا تحضر الإيديولوجيات الشريرة , الأبوية . و نفس الشيء سيكون صحيحا فيما يتعلق بجيمس بالدوين و أودري لوردز , المثليين جنسيا .
الآن إلى أين يقودنا هذا ؟ حسنا , بالنسبة لي – و جميعكم تعرفون عن حركة آداب المجتمع لتافيس سمايلي , الكتاب الذي أصدر السنة الماضية , و الذي اعتبر الكتاب رقم واحد من قبل النيويورك تايمز . لقد باع 400000 نسخة خلال 9 شهور دون أن تعقب عليه النيويورك تايمز أو أن يعقب عليه عرض اليوم التلفزيوني . حتى أوبرا لا يمكنها أن تنفخ فيه روحا أكثر . و هي تستطيع أن تنفخ الروح في بعض الكتب لتبيع نصف مليون نسخة هذه الأيام كما تعرفون ؟ يمكن سؤال سيدني بويتر و الأخ إيلي ويزلي عن هذا . لكن هذا الكتاب مر من دون ضجة .
لماذا ؟ لأن تافيس سمايلي يعرف أنه في الثقافة الأمريكية التي هي ثقافة سلعية تماما يقودها جشع الشركات , تجارية تماما , و تقوم على التسويق , الذي يقوده جشع الشركات , فإن عليه أن يكون قادرا على التواصل بطريقة تمكنه من هز الناس و هم يمشون أثناء نومهم , الشيء الذي فعله كل سنة من على سي سبان , و يستخدم موقعه لكي يثير قضايا الحق في الرعاية الصحية و تشكيل البوليس الذي يقوم على المجتمع المحلي بحيث يمكن التعامل مع و الحد من شيء من وحشية البوليس خاصة في مجتمعات السود و الملونين ذات الطبيعة البروليتارية و شبه البروليتارية و ما إلى ذلك .
انظر إلى صحيفة النيويورك تايمز التي صدرت يوم الأحد الماضي : المجلد الثاني كان رقم سبعة . باع 150000 نسخة خلال 3 أسابيع . 3 أسابيع . لقد عدنا للتو من زيارة ل 21 مدينة . و قد قمنا برحلة إلى 22 مدينة في السنة الماضية . وجدنا هذا الكتاب دون أن يتعرض له أحد بالتعليق و الاتجاه السائد في التلفيزيونات لم يذكره حتى .
ما الذي يجري ؟ هل بدأ العصر الجليدي بالذوبان ؟ هل أن السنوات ال 35 التي تحدث عنها الأخ ستانلي , العصر الجليدي , الفترة التاريخية التي كان فيها عدم التأثر لمعاناة الآخرين شيئا من الموضة – عدم الاكتراث هو خصلة تدفع أي ملاك إلى البكاء , و تجعل صاحبها مثل الخرقة في مواجهة الكارثة . و من الصحيح أن الوضع في نيو أورليانز كان كارثيا حتى قبل إعصار كاترينا , كان الوضع كارثيا في نيو أورليانز حتى بدون كاترينا .
يمكن أن نرى في بروكلين , هارلم , الجانب الجنوبي من شيكاغو , باريوس في شرق لوس أنجلوس , الأخوة و الأخوات البيض في كنتاكي , أبالاتشيا , يقاومون أوضاعا كارثية , كارثية .
ماذا يعني هذا ؟ يعني أننا قد نكون في لحظة حيث ستوجد عدة إستراتيجيات في نفس الوقت . من الواضح أن الحزب الديمقراطي يبقى من دون دليل و من دون رؤية و رخوا في قسمه الأكبر . هل يعني هذا أن نسلم لهم ؟ كلا , هذا لا يعني أن نسلم لهم , لكن علينا أن نكون صريحين معهم . لكن قد تسمح لشخص ما بطريقة ما أن يقول – و هذا ما أعتقد أن الأخ ريك وولف يتحدث عنه فيما يتعلق بوضع حد لإجماع اليمين , الطرق التي لا تصدق التي يمسك بها اليوم مواطنونا من اليمين بحلوق بعضهم البعض . إن اليمين البروتستانتي لا يمكنه أن يحتمل المسوقين الأحرار , و لا واضعي الميزانيات المتوازنة .
هذا جيد . لندعهم يقاتلون . لندعهم يقاتلون . يقاتلون بعضهم بعضا . فسيصيبهم الضعف بهذه الطريقة .
لكن أي نوع من البدائل نملكه نحن ؟ أنا لا أملك جوابا على هذا السؤال . لا أعتقد أن اليسار يملك ما يكفي من الموارد , ما يكفي من البشر , ليشكل منظمة سياسية قوية , يا ستانلي . يمكن أن نختلف حول ذلك . لقد أنهينا ساعتين من تناول الشراب , لذا فإننا قد تبادلنا بعض النقاش . أعتقد أنه بأن نطرح القضايا فإن هذا يفرض علينا أن نصل إلى حقيقة ما نحن عليه فعلا .
هذا ما أحبه . إن هذا سقراطي . إن هذا محفز .
الآن ماذا سنفعل بكل هذا ؟ أنا لا أعرف حقا . و السبب لماذا أقول هذا لأنه تاريخيا كانت معظم الحركات اليسارية تميل إلى أن تستجيب عمليا للنشاط الإصلاحي بحيث أن النضال ضد التفوق الأبيض كان هو الحافز الرئيسي . و هكذا عندما أفكر في كل العمل الذي أقوم به هذه الأثناء , خاصة في أمريكا السوداء , لكن طبعا الذي يعتمد في كل الأوقات على تحالف راهن مؤقت , أن الهوية اليسارية لن تصبح الوسيلة الرئيسية التي سنستطيع بواسطتها إيقاظ الناس و أن يتفاهموا حول بؤسهم الاجتماعي , أن يكونوا مستعدين لينهضوا بجرأة , يشكلوا رؤية , و أكثر أهمية أن يكون لديك مجموعة من البشر المستعدين لأن يعيشوا و يموتوا في سبيل قضية , كما ترى , لأنه لديهم قصص و أخبار أخرى يستخدمونها لتقوم بذلك .
لذلك فإنني سأقول أن مارتين كينغ و فاني لو هامر كانا أكثر أهمية من حزب الفهود السود . لقد كانوا يبنون فعلا على ما بناه مارتين و الآخرون , بقدر ما أحب هيوي و بوبي سيل ( مؤسسو و قادة حزب الفهود السود – المترجم ) . لقد دفعوا الأمور أبعد . لكن الباب كان قد فتح من قبل تلك الفعاليات الإصلاحية . و ما أود رؤيته هو أن تصبح الإصلاحية الراديكالية مرة أخرى رائجة بين الشباب , و عندها تتيح لليسار أن يأتي و يفعل فعله . هذا ما أتطلع إليه .

ترجمة : مازن كم الماز

زنت- حديث كورنيل ويست أمام منتدى اليسار 2007 في مدينة نيويورك.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...