خمسة أحلام سينمائية تحقق عرضها الأول على الفضائية السورية

28-08-2012

خمسة أحلام سينمائية تحقق عرضها الأول على الفضائية السورية

سجلت مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني سبقها السينمائي بخمسة أفلام قصيرة ضمن ما أسمته "مشروع شباب.. أحلام سينمائية سورية" التي تم عرضها مؤخراً على الفضائية السورية وبذلك أعادت مؤسسة الإنتاج مجد دائرة السينما في التلفزيون العربي السوري التي أنتجت العديد من الأفلام التلفزيونية منذ انطلاقة البث عام 1960 ومحاولة إعادة القيمة الجمالية للرسالة التلفزيونية وأخذ كتف عن المؤسسة العامة للسينما في دعم الرؤى الجديدة.

وتسعى مؤسسة الإنتاج من خلال هذا المشروع كسر الركاكة التلفزيونية بغية تظهير طاقات يحق لها أن تشاهد من قِبل جمهور عريض يتوق اليوم إلى الخلاص من هيمنة مسلسلات الدم والجريمة وذلك عبر محترف سينمائي سوري خالص التكوين متحرراً من مزاج سوق الفضائيات العربية واصلاً تجربة الرواد التي انقطعت أخبارها مع الهجمة الاستهلاكية المجنونة لتخريب الذائقة السورية وإلحاقها بعصر تقديس السلع وعبادتها.

ومن أفلام المشروع فيلم "موود" للمخرج طارق مصطفى الذي يحقق فيه عن نص محمد حسن ما يشبه سيمفونية بصرية تنتشل حياة ممثل شاب يعيش في قلب ضوضاء العاصمة من تقليدية الحكاية إلى مشهدية لافتة في أناقتها لنتابع يوميات شاب سوري تطارده أصوات منبه الساعة وشفرات المكيف ونداءات الباعة ونبرة مراسلي نشرات الأخبار.


أدى الدور الفنان مجد فضة قاضيا وقته بإعمال أعصابه في تصوير أدواره في مسلسلات تلفزيونية لا تحقق له ذلك الرضى الذي يطمح إليه عن نفسه فها هو في مشاهد متتالية يعبر من بيته الدمشقي إلى مواقعٍ تصطخب فيها صرخات مخرج المسلسل الذي يقوم بأداء إحدى شخصياته جنباً إلى جنب مع موسيقى الديسكو وضجة أجوائه ليصل الشاب في النهاية إلى لحظة من المواجهة الحقيقية مع ذاته أثناء انقطاع التيار الكهربائي ليكتشف وقتها أن ثمة مكتبة عامرة بكتب الشعر والرواية والتاريخ يمكن الخلود إليها.

ويعبر مصطفى بفيلمه ففي مشهدية لونية لافتة إلى شعرية متصاعدة تضعنا على مقربة من مجابهة صميمية تخرس العالم وتسكت غلواء الصخب واللهاث اليومي وراء لقمة العيش لنجد أنفسنا على تماس مع حاجة النفس إلى السكينة والبراء من فوضى الأصوات وزعيق العالم وذلك عبر رؤية سينمائية تعيد إنتاج المكان وتنتشله من بشاعته الواقعية بعيداً عن أية كليشيهات بصرية.

تجربة لافتة حققها أيضاً المهند كلثوم في فيلمه 29 شباط عن نص سيف حامد حيث تضعنا كاميرا المخرج أمام قصة شاب وفتاة "غفران خضور.. عروة كلثوم" ينتقلان بين مستويي الحلم والواقع على مشهدية احتفالية باهظة لما يشبه كرنفالاً من كرنفالات الشارع فيه راقصون وراقصات وعربة بحصانين لرجل ثري جهاد سعد يتقدم الجموع ليتوقف الحلم فجأة ونعود جميعنا إلى أجواء واقعية محضة يختفي معها ذلك المهرجان لنكتشف أن الراقصين تحولوا إلى عمال نظافة والرجل الثري هاهو يأخذ زاوية في شارع باب شرقي كبائع يانصيب فيما نشاهد الفتاة ترمي كيس القمامة من إحدى شرفات المنازل المطلة على الساحة بدون أدنى اكتراث للمارة.


مفارقة يضعنا مخرج 29 شباط عند بطل فيلمه الذي نشاهده بعدها يركض باحثاً عن ذلك الحلم الذي كان يرفرف في جنبات باب شرقي مشهدية يسجلها كلثوم بأمانة سينمائية ليتوقف الشاب مستيقظاً من دوخة أحلام يقظته وهاهي الفتاة ذاتها التي كانت تراقصه في الحلم تنتظر أمام إحدى المحال بلباسها الواقعي وشالها الأصفر لنشاهد من جديد مونولوجاً طويلاً من الشاب الذي يشرع بالحديث مع الفتاة /السندريلا حديث لا يعوزه الحميمي ولا تنقصه نبرة السينما فهو ليس حواراً تلفزيونياً بل هو أقرب إلى بوح بين شاب يقف بحذاء مثقوب أمام فتاته الصامتة أحلام يتلوها الشاب عن نفسه عن عمره المهدور وراء طائرات الورق وعيد ميلاده الواقع في 29 شباط الذي لا يحتفل به سوى مرة كل أربع سنوات لينتهي هذا المونولوج بكلمة (بحبك).

ونشاهد أيضاً أداء لافتاً للفنانة غفران خضور التي ترسل عبر وجهها حالة نفسية دقيقة ومتقنة أثناء سماعها لمونولوج الشاب لينتهي صمت خضور بكلمة بحبك آخذةً صورةً بهاتفها المحمول للشاب الطالع من فراغ الشارع وزحمته إلا أن مخرج الفيلم يصر هنا على لقطات فوتوغرافية سريعة للفتاة ذاتها تتمشى بثوب أبيض في غرفة شبه معتمة لتمسح الدموع عن صور أناس ميتين نلمح من بينها صورة الشاب نفسه معالجة بصرية درامية نهضت بالنص نحو مصاف لغة سينمائية لحلم يدافع عن وجوده رغم كل القتامة التي من الممكن أن تصادر على الرؤيا مما جعل من 29 شباط جديراً بتسجيل وثيقته عن جيلٍ يبحث عن ساندريلاته بين ركام الخرابات اليومية.

في الفيلم الثالث "رياح كانون المبكرة" لمخرجه أحمد الخضر يجد المشاهد نفسه أمام مأثرة سينمائية جديدة لها مذاق الأفلام الروائية السورية ثمانينات القرن الفائت فالنص المكتوب لعماد منصور حقق مساحة جيدة أمام مخرج الفيلم لينسج علاقة سينمائية مع بحر طرطوس نتابع حكايتها اللطيفة من داخل صفوف إحدى المدارس الإبتدائية بين صبي وفتاة فتركيز المشاهد قبالة شاطئ طرطوس وهب لحكاية رامي الصبي الذي سيصاب بعد قليل بالسرطان بعداً سحرياً لاسيما مشهد الحمامة الميتة التي يقوم كل من رامي ورفيقته الصغيرة بوضعها في صندوق صغير وقذفها إلى موج البحر طقس كان من الممكن محاكاته سينمائياً عند موت رامي أيضاً.

طرح مأساة أطفال السرطان بعيداً عن الكليشيهات المعروفة بل من خلال تورية ذكية لمعنى الغياب وفداحة الفقد لنشاهد الطفلة في آخر مشهد تهبط أدراج بيت رفيقها الصغير مبتعدةً عن عزاءات الناس وتقاليدهم الممجوجة فيما يمكن وصف مشهد الأب الصياد جرجس جبارة أمام جثمان ولده الصغير بالمشهد النادر في مصداقيته وابتعاده عن كل ما من شأنه الاستعراض المجاني هي لغة سينمائية تقتفي إحساس الممثل دون أي تدخلات جانبية إنها "رياح كانون المبكرة" التي يوقّعها الخضر بحرفية مخرج لديه حساسية خاصة في تقديم المتخيل وإنجازه بعيداً عن جلبة اللقطات العامودية وبمفردات الواقع ذاته.

ينجز أيضاً الفنان أحمد سويداني فيلمه بدون عنوان عن نص خالد طيارة لكن السينما هنا تبتعد عموماً عن مذاق القصة وطريقة معالجتها بصرياً ليكون المشاهد أمام فيلم بنكهة حلقات متصلة منفصلة تقريباً إننا أمام حكاية كاتبٍ شاب يخطُ ما يشبه يوميات عن امرأةٍ يصفها لنا عبر مونولوجه الداخلي ليكتشف الشاب أن تلك المرأة في الواقع تعرضت لحادث أفقدها ذاكرتها وربما قد نسيته من جملة ما نست من تاريخها الشخصي.

يقدم النص هنا عدة توقعات فهل نحن أمام شاب يتعرف على امرأة فقدت ذاكرتها ويستغل ذلك للتقرب منها أم نحن فعلاً أمام لقاء مصادفة بعد سنين من الغياب في كلتا الحالتين نفقد شعورنا بالسينما ويتعزز التلفزيوني مجدداً عبر حوارات طويلة ومونولوج لا ينتهي محققا ثرثرة كلامية ترافقها ثرثرة بصرية تقف فيها السينما كهامش من الرومانسية الكاريكاتورية ونوع من البذخ المجاني التي تقدم السينما عبر فكرتنا التلفزيونية عنها.

وإذا كانت النبرة السينمائية قد تراجعت نحو مصاف التلفزيوني في فيلم "بدون عنوان" محققة حداً أدنى من الدهشة فهي في فيلم "جدارية الحب" تنعدم نهائياً لنكون أمام قشور سينمائية قوامها نص ضعيف للغاية لـ رامي كوسا فالفيلم الذي يروي قصة بائع معروك تتنافس عليه فتاتان من طبقتين اجتماعيتين مختلفتين بقي مجرد طرفة سينمائية فلا الشخصيات تبدو واضحة المعالم والحكاية التي يقدمها الفيلم عكست فقراً حاداً في المخيلة وفي فهم طبيعة السينما حيث كنا أمام مشاهد متكررة لشاب يبيع معروكاً دائماً أمام بيت الفتاة التي لا يحبها.

الفتاة أدت دورها لوريس قزق الغنية التي تتلصص على بائع المعروك الواقع في غرام ابنة عمٍ ترقص له رقصاً شرقياً على أصوات أغاني راديو الستينيات لنشاهد ما يشبه (فلاش باك) لامرأة يعتقد أنها تلك الفتاة الغنية تقع أمام ألبوم ذكرياتها عتاب نعيم ترجع إلى حبها الذي أرادت شراء معروكه الفقير بالنقود لكنها فشلت (فالمال لا يشتري السعادة) جملة نسمعها من فم الفتاة الثرية على شكل حكمة اليوم.

ما يلفت الانتباه هو المؤلفات الموسيقية التي قدمها الفنان سمير كويفاتي لأحلام مشروع شباب فرغم تقاربها اللحني في الكثير منها إلا أنها استطاعت توفير مناخ موسيقي غني للمشاريع المقدمة حالها كحال جميع أعمال كويفاتي التي كانت في مقدمة أنواع الموسيقى التصويرية الرائدة في حساسيتها والتقاطها لمزاج العمل الفني.

سامر إسماعيل

المصدر: سانا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...