ثرثرة على ضفاف الشعارات (1)

25-11-2006

ثرثرة على ضفاف الشعارات (1)

الوطن في خطر!.. وطنك في خطر!.. إذاً فلتمت أيها الوطني دفاعاً عن الوطن!.. مُت أو استشهد أو انتحر! لا يهم.. المهم أن تموت كي نحيا نحن! ـ من يدلني على زمنٍ لم يكن فيه هذا الوطن في خطر؟!.. من يدلني على واحدٍ فينا ليس بميت؟!.

لم نتعافى من الاتهام والتكفير.. لم نتعافى من العقائدية والصراط المستقيم.. لم نتعافى من التبرج بوطنيةٍ كزينة العاهرة، تلبسها وقت تشاء ثم ترميها تحت أقدام أول زانٍ ثري.. لم نتعافى من عهر الساسة والقادة الساكنين في قصور باريسية وأمريكية وخليجية ـ أمشي بحذاءٍ مثقوب في وطن ملوثٍ بالأصولية والزئبقية والحرس القديم. لن أبدّل وطني ولكني أرغب كثيراً بتبديل حذائي!.

قال لنا الرفاق: إن أي موقف سياسي يخلو من سب أو شتم أمريكا سوف يصنف تحت الخط الأدنى للوطنية!! وقال لنا رفاق آخرون: إن متصرفاً سورياً حكم لبنان لأكثر من عشرين عاماً هو بطل وطني بامتياز! ـ خطكم للوطنية يا رفاق صار للفاسدين والمفسدين كبطن العاهرة؛ ولسوف يجافيكم من نسيتموه تحت خط الفقر!!.

إذا أردت أن تصبح رفيقاً أو حليفاً لنا فعليك أن تؤمن أولاً بنظرية "الحلَقة الرئيسية".. وما أدراك ما الحلقة الرئيسية!.. هي حلقة واحدة وليست مسلسلا من حلقات.. هذه النظرية الخالدة ابتدعها القائد الشيوعي الخالد ديمتروف، ثم أخذها عنه الرفاق والحلفاء.. وفي تفسيرنا اللئيم لهذه النظرية: نتحالف معكم في النضال لكسر حلقة الامبريالية المتوحشة؛ ولكن لا تنسونا من العطايا والغنائم المسروقة من حلوق الفقراء!!.

في كل عام أحتفل بعيد الميلاد.. في كل عام يولد المسيح من جديد.. منذ ألفي عام والمسيح يولد من جديد؛ ومع كل ولادةٍ جديدة يبزغ فجرٌ جديد.. بالولادة تتجدد المسيحية لكنها لا تموت ـ الشيوعية في وطني، هي الأخرى، تحتاج لولادةٍ جديدة! والمشكلة أن أيّ "مسيحٍ" فيها يرفضْ أن يموت!!.

أنا والآخر وجهان لعملةٍ واحدة تدعى الوطن، فلماذا يريدون أن يرسموا لنا وجهاً واحداً!.. أنا والآخر خطان متوازيان، فكيف يريدون أن نتقاطع!.. أفلا يحكمنا قانون وحدة وصراع الأضداد؟!.. لماذا إذاً يتمسرحون حول طاولاتٍ مستديرة؟!.. هل يريدون أن يصنعوا لنا إلهاً واحداً؛ وهل حقاً إلهنا واحد؟! ـ فليرفعوا كل الآلهة عن طاولاتهم المستديرة وليعيدوها إلى بيوت العبادة! لأننا قررنا أن نتّحد في الوطن ولن يفرقنا إله!.

أربعون عاماً خلفتها ورائي.. أدخل عقدي الخامس وأنا ملوث بالنيكوتين والخمر.. في شبابيَ الغابر عشقت ماركس حتى الموت.. لم أسمع بثورة إلا وصفقت. لم أسمع شعاراً إلا وصفقت.. حلمت بالنصر أربعين عاماً فتحول النصر لكابوس لا ينتهي.. وعندما أفقت على أعتاب العقد الخامس، صفعني ماركس.. هذي هي كأسك الأخيرة فاشربها!.. شربتها ولم أرتوي.. نظرت إلى الجموع الهادرة فكانت كما كانت قبل أربعين عاماً.. جفت الحلوق واحمرت الأكف والنصر لم يأت! ـ أربعون عاماً وأنا أمارس مهنة التصفيق.. أهجر اليوم مهنتي القديمة؛ وأبقى ملوثاً.. بالنيكوتين.. والخمر... وماركس!!.
* * *
وللثرثرة بقية ...

ماهر سلوم

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...