العراق السائب :4 سنوات من الموت والفقر والبطالة و المليارات المهدورة

13-04-2007

العراق السائب :4 سنوات من الموت والفقر والبطالة و المليارات المهدورة

القصة لم تعد سراً, والقصة تقول إن استراتيجية الطاقة الاميركية الجديدة التي تم وضعها في بداية ولاية جورج بوش الاولى 2001 هي التي تقف وراء غزو افغانستان واحتلال العراق. لكن ما هي حصيلة هذا الاحتلال بعد اربع سنوات على سقوط بغداد, وما هي مفاعيله في حياة العراقيين السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية؟

قبل اشهر من احداث 11 ايلول سبتمبر 2001 وما تلاها من «حرب عالمية ضد الارهاب» ترأس نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني فريق عمل لبلورة الاستراتيجية النفطية الجديدة. الاجتماعات احيطت بسرية تامة وبقيت بعيدة حتى عن اعين رجال الكونغرس الجهة المعنية مباشرة بمثل هذه المواضيع القومية الحساسة, وتبين لاحقاً ان «الفريق» يضم نخبة من كبار المخططين والمحللين المرتبطين مباشرة بشركات النفط الاميركية الذين احتلوا مواقع مؤثرة في ادارة بوش.
الفريق لم يوص آنذاك بالضغط على حلفاء واشنطن, مثل الكويت والسعودية لفتح مناطقهم النفطية امام الاستثمارات الاجنبية فحسب, بل دقق ايضا في خرائط حقول النفط العراقية, موصيا بوضعها تحت السيطرة الاميركية المباشرة, لأنها تتضمن ثالث اكبر احتياطي في العالم, بعد السعودية وإيران. هذه التوصية لاحتلال حقول النفط العراقية, التي جاءت قبل اشهر عدة من احداث 11 ايلول سبتمبر, لم تكن الاولى من نوعها, فقد سبقها في العام 1999 وثيقة للبنتاغون الاميركي, صدرت خلال عهد الرئيس كلينتون, اكدت ان «حرب النفط» هي خيار «شرعي» للادارة الاميركية, كما سبقتها دعوات عدة للمحافظين الجدد لغزو العراق.
مناسبة هذا الحديث الآن مناسبتان: الاولى انقضاء اربع سنوات على احتلال العراق, والثانية مشروع القانون الذي اقرته الحكومة العراقية في 26 شباط ؟فبراير الماضي والذي يهدف الى توزيع عائدات النفط بشكل عادل على المقاطعات العراقية الـ18, والذي منح الشركات الاميركية السيطرة الكاملة على انتاج وتطوير وتسويق النفط العراقي للعقود المقبلة.
البرلمان العراقي يفترض ان يقر القانون الجديد في ايار/ مايو المقبل, وإذا هو لم يفعل فإن الطبقة السياسية الحاكمة حاليا سوف تتعرض برمتها الى عقوبات تفرضها, ليس فقط الحكومة الاميركية وإنما الكونغرس ايضاً, وربما كانت هذه الحقيقة وراء الكلام الدائر سراً وعلناً حول احتمال الاستغناء عن خدمات نوري المالكي ورفاقه «اذا هم فشلوا في تطبيق الخطة الامنية الجديدة». وكل كلام عن «اعادة نشر القوات الاميركية» قبل آذار /مارس/ 2008 مرهون الى حد بعيد بإيجاد وضع امني يسمح لشركات النفط الاميركية بالسيطرة الكاملة على النفط العراقي.
نعود الى السؤال: ما الذي كسبه العراق والعراقيون بعد سنوات الاحتلال الاربع؟
الجواب الاول هو أن الحرب في العراق قضت على كل شيء, البشر والحجر والاقتصاد والنفط, وأتت على البنى التحتية من رأس مال المجتمع مثل المدارس والمستشفيات والطرق والجسور والسدود والمحطات والمطارات, ودمرت كذلك البنى الفوقية من التشريعات والأنظمة والقوانين والإطار الأكبر لها هو مؤسسات الدولة التي كانت تحكم عمل البنى التحتية. وما لم تدمره الحرب دمرته بعض الجماعات عبر عمليات السلب والنهب والحرق والتهريب إلى خارج البلاد بمباركة قوات الاحتلال الاميركي.
الوضع الاقتصادي والاجتماعي في العراق بعد اربع سنوات على انهيار نظام صدام حسين, يمكن إختصاره على الشكل الآتي: تلف في القطاعات الرئيسية المختلفة كالقطاع الزراعي والصناعي, وتدمير في البنى التحتية نتيجة الحرب وما قبلها, واختلال في الإنتاج ومعدلات عالية من البطالة وتفاوت كبير في توزيع الدخول والثروات بين الأفراد والأقاليم على حد سواء, وانتشار الفقر بين أفراد المجتمع وتردي الحالة المعيشية للسكان والتدهور البيئي. عدا عن ذلك غياب العناصر الرئيسية للسياسات الاقتصادية الكلية المتمثلة بالسياسات المالية والنقدية والتجارية وغيرها, نظرا لغياب كامل لدور الحكومة والبنك المركزي إضافة إلى عدم الثقة بالمستقبل.
وليس سراً أن العراق غني بموارده وقادر على تمويل التنمية إذا ما توافرت الإدارة الواعية للاقتصاد, وهو لا يحتاج إلى المساعدات الخارجية, ومن خلال عملية حسابية بسيطة نجد أنه إذا ما أنتج العراق بحدود ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا وبواقع 25 دولارا للبرميل الواحد فإن إيرادات النفط تعادل 75 مليون دولار يوميا أو 27 مليار دولار سنويا, وهذا المبلغ وحده كاف لإعادة إعمار العراق وتحقيق التنمية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة.
ويعتبر الاقتصاد العراقي اقتصاداً ريعياً, حيث ان النفط يشكل 70% من مكونات الناتج المحلي, والقطاع الزراعي يشكل الآن 16% في حين كان في زمن العهد الملكي يشكل هذا القطاع 35% من نسبة الاقتصاد العراقي, بينما يشكل القطاع الصناعي نسبة 1.5% من الاقتصاد ويعاني الاقتصاد العراقي حالياً من تزايد ظاهرة التضخم التي اضرّت بالاقتصاد على نحو لافت, فقد زادت نسبة التضخم منذ سنة 2003­2006 نحو 2%, ومنذ شباط /فبراير/ 2006 بدأ التضخم في الارتفاع ووصل الى نسبة 50% وفي تموز /يوليو الماضي وصل الى نسبة 70% وهذه النسبة المرتفعة تشكل خطورة كبيرة على الاقتصاد العراقي, إذ وصلت حالياً الى نسبة 76%. فما هي العناصر التي تشكل محور التضخم في الاقتصاد العراقي؟
ثلاثة عناصر تشكل محور هذا التضخم, وهي ارتفاع بدل ايجار العقارات وارتفاع اسعار المواد الغذائية وارتفاع اسعار المشتقات النفطية, والمشكلة ناتجة عن إرتفاع العرض وليس الطلب.
وينفرد العراق وحده عن سائر الدول العربية بأنه يجمع بين وفرة المياه ومساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة مع قلة نسبية في عدد السكان وموارد طائلة في الثروات الطبيعية خصوصا النفط. وثمة حديث عن وجود كميات هائلة من الزئبق الأحمر في الجنوب تسيطر عليها قوات الاحتلال, وهناك كميات كبيرة من اليورانيوم في الشمال أصبحت عرضة للنهب منذ أن تراجع دور الحكومة المركزية في شمال العراق. وإذا ما صح ذلك فإن خسارة العراق في خسارة موارده هذه ستكون أكبر من خسارته لمورد النفط. وعلى الرغم من كل هذه الموارد الطبيعية لا يزال الفقر يستشري بين أفراده ويزداد حدة وانتشارا. والعراق في ذلك يمثل حالة من التناقض الصارخ بين غنى البلاد وفقر السكان, وهذه مفارقة عجيبة بقيت تمثل واقع الحال منذ عقود, وازدادت أكثر في ظل الاحتلال الاميركي.
في هذا السياق ذكرت دراسة حديثة أجراها الجهاز المركزي للإحصاء العراقي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن ثلث سكان العراق يعيشون في فقر بينما يعيش أكثر من 5% في فقر مدقع. وانتقدت الدراسة السياسات التي تطبق لتحويل الاقتصاد العراقي الى اقتصاد السوق الحر قائلة إنها تفاقم مستوى الحرمان. وأكدت الدراسة أن نسبة عالية من العراقيين يعيشون في مستويات مختلفة من الفقر والحرمان على الرغم من الموارد الطبيعية والمادية الهائلة للبلاد, وأظهرت كذلك تراجعا في المستوى المعيشي للعراقيين وخسارة ما تم تحقيقه في السبعينيات والثمانينيات خصوصا في ما يتعلق بالبنية التحتية.
وتتراوح نسبة المعاناة بين توفر خدمات أساسية مثل الكهرباء والماء تتبعها الحالة المادية للعائلات ثم الظروف السكنية للعراقيين. وتشير الدراسة إلى أن هناك اختلافا كبيرا في مستوى المعيشة في أنحاء العراق حيث تعاني المنطقة الجنوبية من أبرز علامات الحرمان تتبعها المنطقة الوسطى ثم الشمال. فالمناطق القروية تعاني الحرمان بنسبة تزيد ثلاث مرات عن المدن, حيث تعتبر مناطق بغداد من أفضل المناطق في العراق. وكانت المنظمة الدولية للهجرة قد حذرت من أن العنف الطائفي قد يرغم مليون عراقي آخر على ترك منازلهم والنزوح هذه السنة بعد أن غادر بالفعل نحو مليونين الى خارج البلاد.
وظاهرة البطالة التي كانت الأقسى في العراق وهي سبب أكبر التظاهرات التي شهدتها المدن العراقية والتي كانت ترفع خطاب المطالبة بالوظائف لكسب الرزق. واتسعت هذه التظاهرات بشكل أكبر لتطالب بإقصاء المحافظين أو رجال الشرطة أو المسؤولين في المدن بعد أن فشلوا في حل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية ولم يوفروا فرص العمل للعراقيين. ومع الايام ثمة خطاب متميز للتظاهرات يطالب بإخراج الاحتلال الأميركي بوصفه المسبب لكل المعاناة في العراق, ثم تبنت أحزاب معارضة للاحتلال هذا الخطاب فأصبح المتظاهرون يطالبون بحكومة وطنية وحل مجلس الحكم وخروج الاحتلال, ورفض القوانين الجديدة مثل الخصخصة والدستور الموقت, والسياسة الاقتصادية المتبعة حاليا في ظل الاحتلال. ولأن ظاهرة البطالة الى ارتفاع فإنه ليس مستغربا ان يلجأ الشباب تحت عامل الاغراء المالي الى مهن محفوفة بالمخاطر ومنها الانضمام الى المؤسسات العسكرية وذلك على الرغم مما يتعرض له عناصر الشرطة والجيش لعمليات إنتقامية. وهذا الامر يبين مدى حاجة الشباب العراقي الى العمل.
وفي ظل الانفلات الأمني وغياب المراقبة والمحاسبة, فإنه من الطبيعي ان تنشأ ظواهر اجتماعية في العراق لم تكن مألوفة كثيرا قبل الازمات الاخيرة, ومنها ظاهرة عمالة الاطفال الذين اضطروا للتوجه إلى كسب لقمة العيش الحلال. ففي ظل الظروف القاسية التي خلفها الاحتلال الأميركي وفي ظل البطالة المستشرية التي أصابت آثارها كل مفاصل الحياة, خصوصا القطاع الخاص بعد أن توقفت المصانع الصغيرة التي كانت تضم مئات الآلاف من العاملين, ومع فصل عشرات الآلاف من الموظفين في القطاع العام. إضطر عدد كبير من هؤلاء الى إجبار اولادهم على ترك الدراسة والعمل لمعاونتهم في توفير مستلزمات حياتهم.
ومنذ احتلال العراق أصبحت مهنة تنظيف الشوارع مهنة لآلاف الفتيان والأطفال في العراق سواء بالعمل مع مقاولين محليين أو بالعمل مع المؤسسات البلدية. إذ ان ليس ثمة مهنة تستوعبهم كجمع النفايات وكنس الشوارع بعد أن تم تعيين أكثر من 100 ألف من الفتيان في هذه المهنة الاضطرارية التي تمدهم برزق يومي ربما لا يتجاوز ثلاثة آلاف دينار عراقي أي ما يعادل دولارين. إضافة الى هذه المهنة نرى الاولاد بكثرة يعملون في محطات البنزين أو في الورش والمصانع أو بيع مواد غذائية على مفترقات الطرق والساحات العامة, لتمثل هذه الظاهرة أخطر صور عمالة الأطفال في ظل الاحتلال.
وتعتبر موارد النفط الحجم الأكبر من إيرادات الدولة, ولكن هذه الموارد تتعرض للتهريب والتخريب وضياع الفرص مما يؤدي الى خسارة العراق نحو 18 مليار دولار سنوياً. فمعدل الإنتاج النفطي العراقي الذي كان يبلغ نحو 6,2 مليون برميل يومياً, يبلغ حاليا مليوني برميل, والسبب في هذا الخفض الكبير هو نهب للمنشآت البترولية في الأيام الأولى بعد الحرب, وعمليات التخريب المستمرة, وعدم توفير الأموال اللازمة لإعادة تأهيل الصناعة والفوضى التي تدب حالياً في وزارة النفط نتيجة التسلط الحزبي والطائفي عليها. وقد بلغت خسائر العراق الناتجة عن تعرض انابيب تصدير النفط عبر المنافذ الشمالية إلى عمليات تهريب بالاضافة الى تفجير الآبار اكثر من 11 مليار دولار منذ مطلع العام 2004 و حتى النصف الاول من العام 2006. وقال تقرير لوزارة النفط إن الانابيب التصديرية تتعرض بشكل مستمر إلى عمليات تخريبية تؤدي إلى احداث شلل كبير في التصدير عبر المنافذ الشمالية, مشيرا إلى أن مجموع ايام توقفات التصدير من المنفذ الشمالي بسبب عمليات التخريب في هذه الفترة €651€ يوما اي ما يعادل سنة وثمانية اشهر. وتفيد تقارير الخبراء أن ضياع 600 ألف برميل يومياً مسعرة بـ 50 دولاراً للبرميل يعني خسارة 11 مليار دولار سنوياً كان من المفروض أن يحصلها العراق من وارداته النفطية, علما أن معدل إنتاج النفط العراقي في الشهور الأخيرة هو مليونا برميل يومياً €1.7 مليون من الجنوب و300 ألف من الشمال%, وان معدل التصدير هو 1.3 مليون برميل يومياً من الجنوب وصفر من الشمال. وتزود المصافي بنحو 400 ألف برميل يومياً من النفط الخام, وهذا يعني اختفاء نحو 300 ألف برميل يومياً, أو خسارة 5.5 مليار دولار سنوياً.
ومما لا شك فيه أن العراق يمتلك قوة عمل كبيرة مدربة ومؤهلة ومتعلمة, ولديه الكثير من رؤوس الأموال المادية والمالية وكذلك الموارد الاقتصادية, ولكنه يفتقر إلى المنظم الذي يدير الاقتصاد. وهذا المنظم بدوره يحتاج إلى تحديد الإطار العام الذي يعمل فيه من التشريعات والأنظمة والقوانين وحد أدنى من المرتكزات المادية القادرة على تهيئة الظروف لتحقيق نمو اقتصادي ملائم. وفي ظل غياب مؤسسات حكومية وشعبية سيكون من الصعوبة جدا إدارة موارد العراق وأمواله.
انه النفط «الجائزة الكبرى» للاحتلال الاميركي, والمصيبة الكبرى التي حلّت بالعراقيين منذ بدء الاحتلال.
 

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...