أي إسرائيل بعد الحرب؟

11-08-2006

أي إسرائيل بعد الحرب؟

أي مأزق سوف تواجه اسرائيل بعد الحرب؟ السؤال مطروح همساً في الاندية السياسية الاسرائيلية, لكن الخناجر بدأت تشحذ لمحاسبة ايهود اولمرت وفريقه على الفشل عندما تهدأ عاصفة الموت والدخان.
«الكفاح العربي» حاورت مدير عام «دار الجليل للدراسات والنشر» الباحث في الشؤون الاسرائيلية غازي السعدي حول المشهد الاسرائيلي المحتمل بعد الحرب الحالية والتداعيات السياسية الداخلية التي تترتب عليها.

€ ما الذي سوف يتبدل في اسرائيل بعد الحرب الحالية مع «حزب الله»؟
¬ حظ إسرائيل عاثر هذه الايام, وستخرج من مأزق حربها في لبنان مثخنة بالجراح, لتقع في مأزق جديد عنيف اشد خطرا عليها من الحرب, وهو المأزق الداخلي. ومن خلال متابعتنا للمشهد الداخلي الإسرائيلي نلاحظ أن السكاكين بدأت تسن انتظارا لنهاية الحرب ومن المتوقع, وهذا شبه مؤكد, أنه سيتم تشكيل لجنة تحقيق رسمية ذات صلاحيات على غرار اللجنة التي حققت في حرب لبنان في العام 1982, ودانت شارون وأبعدته عن منصبه كوزير للحرب آنذاك, وستبحث هذه اللجنة في عنوانين فقط هما فشل الحكومة في حماية المدنيين الإسرائيليين في الشمال وتوفير الأمن والأمان والغذاء لهم, ذلك ان إجلاءهم عن المنطقة الشمالية اعتبر في إسرائيل ضربة قاصمة للسياسة الأمنية الإسرائيلية. أما المشكلة الثانية وهي الأهم فهي فشل الحرب على لبنان. فبعدما كانت وفقاً لقرار حكومة اولمرت حربا جوية فقط, من دون إدخال قوات برية, ظهرت المفاجأة للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وللقيادة السياسية متمثلة بالقدرة الهائلة لـ«حزب الله», ما ادى إلى اصدار قرار حكومي يقضي بإرسال القوات المدرعة والبرية إلى جنوب لبنان, وتم تجنيد الدفعة الأولى من الاحتياط وفشلت, فالثانية ثم الثالثة, وها هم الآن يحاولون تجنيد الدفعة الرابعة.
بيد ان الخسائر البشرية الهائلة وغير المتوقعة إسرائيليا بين صفوف المدنيين والعسكريين خلقت انطباعا لدى الرأي العام الإسرائيلي اتخذ صفة الشمولية ناهيك عن الاستنتاجات والتعليقات الصادرة عن الخبراء العسكريين والسياسيين الإسرائيليين بأن إسرائيل لم تحقق اهدافها في هذه الحرب.
والدليل المستجد على ما نقول هو قيام رئيس الاركان الإسرائيلي دان حالوتس وفي خطوة غير مسبوقة بتعيين نائبه مسؤولا عن الحرب اللبنانية, مما اعتبر بأنه عدم ثقة بقائد المنطقة الشمالية الذي كان على وشك تقديم استقالته, وقد احدثت هذه الخطوة ردود فعل عنيفة في وسائل الاعلام الإسرائيلية ووصلت هذه الصحف إلى الاستنتاج بان تعيين حالوتس لنائبه مسؤولا عن الحرب اعتراف بالفشل.
€ كيف تقرأ تورط إسرائيل في هذه الحرب؟
¬ لا يمكن لاحد أن يقتنع بأن هذه الحرب كانت بسبب أسر الجنديين الدرزيين, ذلك أنها تندرج ضمن حرب أميركية ¬ اسرائيلية لتطويق سوريا من جهة وايران من جهة اخرى ودق اسفين بين البلدين المتحالفين, اضافة إلى فشل اميركا في ردع إيران للتوقف عن برنامجها النووي. الامر الثاني هو أن أميركا ارادت شن هذه الحرب عشية انتخابات الكونغرس للتخلص من غضب الأميركيين على الرئيس بوش وحزبه الجمهوري لتورط أميركا في العراق.
وقد ابعدت الحرب على لبنان الانظار كليا في الساحة الأميركية عما يحدث في العراق وركزت على الحرب في لبنان وحماية إسرائيل, اذ ان لإسرائيل رصيداً كبيراً بين الأميركيين وهذا ما وحدهم ضد «حزب الله» وايران, وسيستفيد الحزب الجمهوري من ذلك بعدم توجيه الانتقادات المتعلقة بحرب العراق. وللتدليل على أن قضية الجنديين الاسيرين هي للذريعة فقط فإن إسرائيل اول من قام بعمليات الخطف والاختطاف. ففي العام 1954 اجبرت طائرة مدنية سورية على الهبوط في مطار اللد واحتجازها رهينة, حيث كان لاسرائيل عدد من الجنود في الاسر السوري بسبب قيامهم بوضع اجهزة تنصت على شبكة الهواتف السورية.
اما الحادثة الثانية فكانت بعد حرب في العام 1973 حين وقع عدد من الطيارين الإسرائيليين في الاسر السوري ولم تتسرع سوريا بعقد صفقة لمبادلتهم, فقامت إسرائيل بنصب كمين داخل الاراضي السورية وتم خطف عدد من الضباط السوريين الذين كانوا يتفقدون الجبهة, ونقلوا إلى إسرائيل, ولم يكن امام السوريين سوى الموافقة على مبادلة الطيارين الإسرائيليين بهم وبعدد من مواطني الجولان المعتقلين في السجون الإسرائيلية بتهمة التجسس لمصلحة سوريا.
وفي الثمانينيات من القرن الماضي اجبرت إسرائيل طائرة مدنية تقوم برحلة من ليبيا إلى دمشق على النزول في مطار بن غوريون بناء على معلومات استخبارية تفيد أن على متنها امين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة احمد جبريل, لكن المعلومات لم تكن صحيحة لأن الشخصية البارزة التي كانت على متنها هو امين عام حزب البعث السوري عبد الله الاحمر وعليه سمحت السلطات الإسرائيلية لتلك الطائرة بالاقلاع.
اما في لبنان فكانت حوادث الخطف الإسرائيلية كثيرة فكم خطفت إسرائيل من لبنانيين وفلسطينيين من عرض البحر وساقتهم إلى إسرائيل ومن اللبنانيين مصطفى الديراني والشيخ عبد الكريم عبيد اللذان امضيا في السجون الإسرائيلية اكثر من 15 عاما, حتى ان محكمة اسرائيلية اقرت بان اعتقالهما غير قانوني, فصدر قرار باستمرار اعتقالهما من قبل السلطات العسكرية. ثم كم من المرات تجاوزت إسرائيل الحدود اللبنانية عسكريا, وكم حلقت طائراتها في الاجواء اللبنانية وبوارجها في المياه الاقليمية اللبنانية ايضا, وهذا يثبت أن اسر الجنديين كان مجرد ذريعة لشن حرب على لبنان.
€ على من تقع المسؤولية على المسؤولين العسكريين ام السياسيين؟
¬ صانع القرار السياسي ممثلا بالحكومة وبمجلسها الوزاري المصغر للشؤون الامنية هو الذي يتحمل المسؤولية الاساسية بصفته الذي اتخذ قرار الحرب وما يترتب من تبعيات ,اما القيادة العسكرية فانها ستتحمل مسؤولية فشلها الاستخباري بعدم معرفة قدرة «حزب الله» وبالاخطاء الكثيرة التي يتحدث عنها المحللون العسكريون الاسرائيليون ومفادها ان خطة الحرب كانت فاشلة من اساسها. وعلى الرغم من ان المعارضة الإسرائيلية خصوصا حزب الليكود بزعامة نتنياهو والاحزاب اليمينية الاخرى أيدت الذهاب إلى الحرب, الا ان لديها تحفظات حاليا خصوصا ان الجيش لا يزال يخوض المعارك في لبنان, غير انهم تركوا لانفسهم الحق في محاسبة حكومة اولمرت بعد الانتهاء من الحرب. من هنا فان الاعتقاد السائد هو ان رئيس الوزراء اولمرت ووزير حربه عمير بيريتس سيتعرضان إلى هجمة كبيرة بعد انتهاء الحرب ربما تطيحهما وقد يؤدي الامر إلى اجراء انتخابات جديدة للكنيست قبل موعده المحدد. واذا قلنا ان حرب رمضان 1973 احدثت هزة ارضية للمجتمع الإسرائيلي فان هذا الحرب وكافة معطياتها لا تقل اهمية عن تلك الهزة.
€ كيف ترى اخفاق إسرائيل عربيا ودوليا؟
¬ ان الانظمة الرسمية العربية ثبت عدم احقيتها في الحكم والاستمرار, واعتقد ان مجريات الامور في لبنان قد تعيد التفكير لهذه الانظمة في استعادة قدرتها العسكرية والسياسية والاقتصادية وفي إحياء التضامن العربي لأن من اهداف هذه الحرب تمرير خطة الشرق الاوسط الجديد الفاشلة وتقسيم بعض هذه الدول إلى دويلات كما ظهر في الخريطة التي نشرتها الصحف الأميركية لمخطط الشرق الاوسط الجديد او ان تقوم الشعوب نفسها بالتحرك لاعادة صياغة هذه الانظمة. والواضح حاليا ان إسرائيل فقدت قدرتها على الردع كليا, علما ان استعادة هذه القدرة كانت من اهداف هذه الحرب. وستؤدي هذه الحرب إلى هجرة اسرائيلية واسعة إلى الخارج بعد ان اصبح هذا الكيان غير آمن لمواطنيه وان الهجرة اليهودية اليه ستتقلص. فالمجتمع الإسرائيلي يعيش هذه الايام مرحلة من الكآبة وفقدان التوازن, لكن السؤال هنا : هل ستتعلم إسرائيل الدرس من هذه الحرب وتنهي صراعها مع الفلسطينيين والعرب؟ اعتقادي أن العنجهية الإسرائيلية ستستمر لأن إسرائيل لن تستفيد من تجاربها ومن الدرس القاسي الذي تمر به. قد يتغير رئيس حكومة او حكومة بكاملها, ولكن طالما ان الدعم الأميركي باق لاسرائيل على الصعد كافة ومواصلة تبني البرامج والاهداف الإسرائيلية, فان إسرائيل لن تتغير وما يهمها ليس دول العالم او الدول العربية بل الموقف الأميركي الداعم لها.
€ ما فرص نجاح مشروع الشرق الاوسط الجديد؟
¬ مصير نجاح هذا المخطط كمصير ما طرحه الرئيس بوش حول الشرق الاوسط الكبير وما سبق ان طرحه شيمون بيريز باسم الشرق الاوسط الجديد ايضا, وكذلك ما ادعته اميركا بخصوص الديمقراطية والامن والاستقرار والعمران للعراق لكنها لم تنجح في ذلك, وتشير الدلائل إلى انها تبحث عن الطريق المناسب للخروج من المأزق العراقي. هكذا سيكون مصير الشرق الاوسط الجديد.
€ ماذا يعني ترك فلسطينيي الخط الاخضر بلا حماية او ملاجئ عكس اليهود؟
¬ من المعروف ان هناك سياسة تمييز عنصري بين اليهود والمواطنين العرب داخل الخط الاخضر والذين يحملون الجنسية الإسرائيلية على الصعد كافة من موازنات وفرص عمل ووظائف وخرائط هيكلية لقراهم ومصادرة اراضيهم وفرض الضرائب الباهظة عليهم, وبالتالي فمن البديهي ان يكون ايضا تمييز بينهم سواء في صفارات الانذار او الدعم المادي والترفيه شأنهم شأن اليهود في الشمال علماً انهم ينقلون يهود الشمال, داخل إسرائيل والى المصحات ودور الاستجمام حتى ان بعضهم تم نقله إلى ايلات.
€ اي دور لما يسمى باليسار الإسرائيلي في هذه المرحلة؟
¬ اليسار وقوى السلام التي تحركت عقب مجازر صبرا وشاتيلا في العام 1982 ونزلت إلى ميدان تل ابيب بطاقة 400 الف شخص لم يتحرك حاليا باستثناء اعداد قليلة لا تتجاوز بضعة آلاف وذلك بسبب حرج هذا اليسار من العمليات الاستشهادية الفلسطينية وصواريخ «حزب الله», ولذلك فان اليسار لن يستطيع الصمود امام التيار العنصري الجارف في إسرائيل الذي جرى تغذيته من سياسة التطرف والعنف الإسرائيلية.
€ ما سر صمود «حزب الله» وتكبيده الخسائر الفادحة لإسرائيل؟
¬ صمود «حزب الله» في هذه المعركة يعود لعوامل عدة منها ايمانه بقضيته وعقيدته والدعم غير المنقطع من قبل إيران بالاسلحة والصواريخ والتدريب, وكذلك حسن قيادته وادارتها للصراع وتمكنها من الحصول على صدقية عالية بين اللبنانيين والعرب, وحتى بين الإسرائيليين الذي يقولون صراحة ان السيد حسن نصر الله عندما يقول شيئا فانه يعمل على تنفيذه. ومن جهة اخرى فان الجيش الإسرائيلي اصلا غير مقتنع بهذه الحرب ولا يدافع عن «ارضه» وان قيادته تزج به إلى ارض المعارك قهراً ومن يتمرد يوضع في السجن ويحاكم. إلا انني لا اعتقد ان نصر الله سيحقق نصرا ويحرر الأرض لكن صموده الرائع وهزيمته للجيش الإسرائيلي المغرور يعني الانتصار. واذكر هنا باعتزاز ثلاث ملاحظات مهمة تتعلق بـ«حزب الله» وهي عدم ظهور قياداته العسكرية في الفضائيات, وعدم صدور بيانات متناقضة عنه, والثالثة عدم دخول كوادره إلى مدنهم وقراهم بالزي العسكري

 

عمان ـ أسعد العزوني

المصدر : الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...