مصر: العصيان المدني يدق أبواب القاهرة

25-02-2013

مصر: العصيان المدني يدق أبواب القاهرة

حتى ساعة متأخرة من فجر اليوم، ظل المصريون متسمّرين أمام شاشات التلفزيون، منتظرين ظهور الرئيس محمد مرسي في مقابلة بدأت القنوات المصرية الإعلان عن موعد بثها منذ الساعة السابعة مساء.
وإذا كانت المقتطفات التي نشرتها المواقع الإلكترونية للصحف المصرية، ومن بينها «بوابة الحرية والعدالة»، الناطقة باسم الحزب «الإخواني» الحاكم تشكل الإطار العام للمقابلة التي طال انتظارها، فإن الانتظار يبدو غير مجد، خاصة أن ما ورد في هذه المقتطفات لم يخرج عن الإطار العام لخطابات مرسي منذ بداية الأزمة السياسية الأخيرة في مصر.
وفي المقتطفات التي أوردتها الصحف المصرية جدد مرسي في حواره مع الإعلامي عمرو الليثي دعوته القوى السياسية إلى جلسة حوار وطني اليوم تناقش ضمانات العملية الانتخابية. وأكد مرسي أنه سيحافظ على دعمه للقوات المسلحة لتستمر في أداء دورها في حماية الوطن. وأكد أن حكومته جدية في سرعة إعادة بورسعيد كمنطقة حرة. وتعهد مرسي بتخصيص قضاة تحقيق في حوادث القتل التي شهدتها بورسعيد والسويس وإعلان نتائجها على الرأي العام، قائلاً إنه سيقوم بزيارة إلى بورسعيد قريباً.
وقال مرسي إن الأوضاع الاقتصادية صعبة، مشيراً إلى أن «التظاهرات والاعتصامات وإن كانت مشروعة في مناخ الحرية لكنها تضر بالاقتصاد ولا تمكننا من تحقيق التقدم الاقتصادي».
في هذا الوقت دخل العصيان المدني في بورسعيد أسبوعه الثاني، وبرغم التصعيد اليومي من أهالي المدينة، لا يزال النظام يتجاهل ما يحدث في المدينة المعروفة باسم «الباسلة»... أما النتيجة فكانت انتقال شرر العصيان من قناة السويس إلى قلب القاهرة والإسماعيلية ومدينة المنصورة في قلب الدلتا.
في العاصمة المصرية، أغلق المعتصمون مجمع التحرير، أضخم مجمع خدمات حكومية في مصر (يضم 9 آلاف موظف في 14 طابقا)، ودخل بعضهم إلى المجمع، وطلبوا من العاملين فيه التوقف عن العمل والرحيل، وهو ما استجاب له بعض الموظفين، ورحلوا بالفعل، بينما اشتبك البعض الآخر مع المعتصمين، الذين أغلقوا الباب الرئيسي للمجمع بالحواجز الحديدية، ووضعوا عليه لافتة «عصيان مدني حتى إسقاط النظام».
وفي مدنية المنصورة، اقتحم متظاهرون مبنى المحافظة، وأغلقوه ومنعوا الموظفين من الصعود إليه، وقطعوا العديد من الطرق الرئيسية في المدينة، بينما قطع متظاهرون آخرون خطوط السكك الحديدية في مدينة طنطا، في وقت تعطلت فيه خطوط السكك الحديد المتوجهة من القاهرة إلى الصعيد لفترة 18 ساعة كاملة، بسبب احتجاجات من العاملين في مصانع الطوب، بعد ارتفاع أسعار المازوت الذي يُستخدم بكثافة في الصناعة.
وهتف المتظاهرون ضد نظام «الإخوان الإخوان»، ما أعطى ملمحا سياسيا للتحرك الفئوي بالأساس.
أما بورسعيد نفسها، فظلت على حالها: تظاهرات حاشدة تطوف الشوارع لليوم التاسع على التوالي وتهتف ضد الرئيس محمد مرسي وجماعة «الإخوان»، وتقطع الطرق الرئيسية داخل المدينة، بينما تطور الأمر أمس إلى قيام «ألتراس» النادي «المصري» بغلق منفذ الرسوة والنصر الجمركي ومنع دخول الآتين من الإسماعيلية والقاهرة. كما أغلقت منطقة الاستثمار التي تضم 160 مصنعاً و27 ألف عامل، أبوابها، وذلك بعد مفاوضات فاشلة بين المتظاهرين وأصحاب المصانع للعمل لنصف دوام فقط يبدأ في الثامنة صباحا وينتهي في الثانية عشرة ظهرا.
ميناء بورسعيد ظل يعاني من آثار العصيان. اللواء أحمد شرف، رئيس هيئة موانئ بورسعيد، قال لـ«السفير» إن الميناء يعمل بطاقة 40 في المئة فقط، وأنه استقبل أمس ستة مراكب فقط، وهو تقدم ملحوظ عن اليوم الذي يسبقه، والذي لم يستقبل فيه الميناء أي مركب، في ظل إضراب شامل لعمال الشحن والتفريغ وقطع الطرق المؤدية إلى الميناء.
ولفت شرف إلى أن الميناء قبل البدء في العصيان المدني كان يستقبل يوميا ما بين 20 إلى 25 مركباً، وأن الخسائر اليومية تتراوح بين 300 إلى 350 ألف جنيه (نحو 50 ألف دولار).
وبرغم تدهور الأوضاع في بورسعيد وبعض مناطق القاهرة والمحافظات، فإن الحكومة، و«حزب الحرية والعدالة» الحاكم رفضا التعامل بجدية مع الموقف، بل وصل الأمر إلى إنكار وقوع عصيان مدني بالأساس.
حكومة هشام قنديل أصدرت أمس بياناً نفت فيه وقوع عصيان مدني في محافظة الدقهلية، وقالت إن الذي يحدث فعلياً أن بعض الأفراد يحاولون إجبار الموظفين في بعض المصالح الحكومية وخاصة دواوين بعض المحافظات على الخروج، ويعتدون عليهم في حال عدم الاستجابة لهم. ودعا البيان المواطنين إلى التعاون مع جهاز الشرطة حرصا على المصلحة العامة، فيما اعتبره البعض تحريضا للاقتتال بين المواطنين والشرطة من جهة والمتظاهرين والمعتصمين من جهة أخرى.
أما «حزب الحرية والعدالة» فقد ذهب إلى ما هو أبعد، إذ قال عضو الهيئة العليا في الحزب ناجي ميكائيل لـ«السفير» إن ما يحدث في بورسعيد ليس عصيانا مدنيا، وذلك لأن تعريف  العصيان المدني هو امتناع المواطنين عن الذهاب إلى أعمالهم، بينما الذي يحدث في بورسعيد، بحسب القيادي «الإخواني»، هو أن هناك مجموعة من «الألتراس» تمنع المواطنين من الذهاب إلى مقار عملهم.
وعن عدم قيام الحزب الحاكم بأي دور لاحتواء الغضب الشعبي في بورسعيد وغيرها من المحافظات، قال ميكائيل إن الحزب يتحرك في بورسعيد بالفعل، لكن حماسة المتظاهرين تحول دون تحقيق أي توافق، مستدركا أن الحزب يهمه في الوقت ذاته إرضاء أهالي بورسعيد وكل المتظاهرين في المدن الأخرى حتى لو كانت لهم مطالب فئوية.
وعندما أشارت عليه «السفير» إلى أن المطلب الرئيسي لكل هؤلاء هو إقالة الحكومة، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تشرف على الانتخابات، قال عضو الهيئة العليا لـ«حزب الحرية والعدالة» إن ذلك أمر مطروح، وأن رئيس الحزب سعد الكتاتني سيبدأ منذ اليوم مفاوضات مع كل الأحزاب والقوى المعارضة للوصول إلى توافق، بما في ذلك تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وحسم الموقف من النائب العام الذي تطالب المعارضة بإقالته من منصبه كونه جاء إليه بقرار رئاسي غير قانوني.
وختم ميكائيل قائلا «أعتقد أنه قبل نهاية شهر شباط ستتم تلبية العديد من النقاط التي تدعو إليها المعارضة، والتي وضعتها كشرط للمشاركة في الانتخابات».
ودأبت قيادات «الإخوان» على التأكيد أن كل ما تطالب به المعارضة يمكن مناقشته وتحقيقه، لكن سرعان ما تظهر قيادات «إخوانية» أخرى لتتحدث عن صعوبة تشكيل حكومة إنقاذ وطني أو إقالة النائب العام.

محمد هشام عبيه

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...