كاتبات «القضية» في غفلة الإنشغالات اليومية

16-05-2007

كاتبات «القضية» في غفلة الإنشغالات اليومية

تتعدد وجوه الهوية في كتاب «قصة» وهو عبارة عن مجموعة قصصية لكاتبات فلسطينيات صادرة عن «تلغرام» شقيقة دار «الساقي»، وتراوح بين حضور القضية وغفلة الانشغالات اليومية. كاتبات من مختلف الأعمار يجدن أنفسهن فجأة أمام صراع الهوية والسلطة وضرورة اتخاذ موقف منه، أو يتجنبن المسألة الوطنية تماماً ويخترن بعداً إنسانياً – نسائياً. تغطي القصص مساحة زمنية ونفسية وفنية واسعة تكشف ملامح تطور النساء ومأساة وطنهن. راجعت الكاتبة والإعلامية اليهودية جو غلانفيل الكتاب وتوقفت عند خصوصية الكتابة الفلسطينية عن حياة، عليها التوفيق بين عبثية الحرب وطوارئها ومتطلبات العيش اليومي.

تجرِّد رندا جرار في «جسر الحفاة» القضية من قداستها عندما تجاورها بتفصيل صغير، لكن قصتها تصور تصاعد الصراع المطمور في ممارسات كل يوم. تقصد أسرة الضفة لدفن الجد في رحلة طويلة تشمل السفر جواً الى الأردن ثم الانتقال بالسيارة طوال اليوم. تفتش النساء على حاجز ويطلب منهن خلع أحذيتهن. يختفي حذاء باهظ الثمن فتتهم صاحبته جندية شابة جميلة بسرقته. «اللعنة. وطني أولاً ثم حذائي الغوتشي». يتكيف الجميع ظاهراً مع الاحتلال إدارة وسلطة وإجراءات قمعية، لكنهم ينطلقون من خلفية رفضه والصراع معه، وتبرز هذه في مقاومة تكبر أو تصغر عند المواجهة. تصر الراوية على استرجاع حذائها واتهام الجندية الى أن ترميها هذه به. صياغة مرحة أخرى في «أنا (القجة)» والبستاني التي كتبت وحدها بنبرة عصبية شابة وروح لغوية غربية. تنتقل سلمى دباغ من السأم واللامبالاة الى الخسارة وصراع الانتماء الى بلد عربي هذه المرة. الراوية فتاة أوروبية الأم فلسطينية الأب تعيش مع والدها في الكويت أثناء غزو صدام وتأييد ياسر عرفات احتلاله. تنشق الأسرة حول الهرب والبقاء، لكن العم الذي يظهر ببقائه انتماءه وعرفانه بجميل الكويتيين الذين «أعطونا كل شي» يطرد وأسرته. البستاني الذي كان مقاتلاً في منظمة التحرير يعبر عن تعلقه بالأرض بالمواظبة على ريّها بعد الغزو. لكن ابنه يختفي، ويصبح الفرد ضحية موقف سياسي خاطئ.

حرب أخوية اخرى في «الطاولات عاشت أكثر من أمين» للراحلة نهى سمارة التي كتبت القصة بلسان رجل يستضيف أميناً وصندوقاً الذي يكتشف لاحقاً انه مملوء بالسلاح. الضيف قناص وزارع متفجرات لا يلبث أن يقتل خطأ بسلاح رفاقه فيتغير موقف الراوي «الحالم المثالي» من رافض للعنف الى منتقم يقتل أعداء أمين واحداً بعد الآخر. التحول في شخصية الراوي غير مقنع، وكذلك قدرة هذا الشخص المسالم على التصويب الدقيق. الصوت ذكوري لكن الروح نسائية. ولوَل الراوي بعد مقتل أمين فسأله رفيق: «تحبه، أليس كذلك؟ كلنا أحببناه». جين سعيد مقدسي تكتب في «النائمة» عن خسارة امرأة أولادها قتلاً وهجرة وبقائها في حال من الانكشاف الأقصى. الراوية الثرية تعترف بجهل «عملية الفقر»، وإذ تعطيها بضعة أوراق مالية تدرك انها لا تريد أن تتورط أكثر. تستنكر حزنها السلبي واستسلام الهادئ لمستقبل مجهول ترده بالعيش ضيفة على أسر المخيم وإحسان تنظيم إسلامي. «لا غضب لا كراهية لا ذعر لا رفض» تقول الراوية التي تريد عرضاً للفجيعة وتخيب من غيابه.

في «متر واحد» لرائدة طه تصور عبثي للهجمات الانتحارية التي يذهب أبرياء من الطرفين ضحيتها. تقف امرأة على الطريق لتستقل سيارة الى القدس حيث تجدد رخصة القيادة. تتوقف سيارة فيها شابان فتصعد وتنتبه الى قراءتهما القرآن، وتدرك انهما في طريقهما الى القيام بهجوم انتحاري على الحاجز. لا يصطحب الانتحاريون غريباً عنهم في عملياتهم لكن الأمر سيان لأن الأبرياء يقتلون في أي حال. «بلح وقهوة مرة» لدينا الأمل إسماعيل عن اكتشاف أسرة قيام ابنها بعملية انتحارية عند رؤية النبأ في قناة «المنار». تصف إسماعيل مصادرة «الجهاد الإسلامي» عزاء الفتى وإملاءه طقوس الحزن على الجميع بمن في ذلك الأهل، في ما يبدو صناعة أو تجارة منظمة لموت الشباب.

يتواكب نمو الشخصية مع التمرد على سلطة الأسرة والاحتلال في «مدن أخرى» لليانا بدر. يصيب إطلاق الرصاص امرأة بالذعر فتعنفها حماتها وتتحدى خوفها بسلوك يجانب المعروف عنها. لا تملك أوراقاً شخصية تمكنها من السفر فتستعير أوراق جارتها وتغادر الخليل مع أطفالها وهي تغالب خوفاً كابوسياً من أن يخطفوا منها. تهنأ بالحياة العادية يومين مع أطفالها، وفي طريق العودة يصاب طفلها بإسهال فتفاقم الرائحة ضيق ركاب السيارة من الحرارة والانتظار في الصف الطويل عند الحاجز. تحمل أم حسن طفلها وتتجه نحو الضابط المسؤول: «الجو حار وطفلي مريض. دع السيارات تمر». يطيعها ذاهلاً وتنهي رحلة ناجحة وجدت فيها نفسها وغيّرت نظرة الآخرين الى أم حسن الوديعة. نايومي شهاب ناي تتناول في «ضيافة محلية» صراع الثقافتين لدى المغتربين الذين ترفض عائلاتهم في مسقط رأسهم احترام الحضارة التي اكتسبوها في الغرب. تصف ناي بروح مرحة البعد الغيبي لذبح الغنم ورفض تناوله إذ قد يكون ذلك شؤماً يؤدي الى سقوط الطائرة وموت الجدة حزناً.

أربع قصص عن العلاقات. حزامة حبايب تروي قصة نوار المقيدة بأعمال البيت والحالمة بأظافر مطلية جميلة وثياب داخلية مزينة بالكشاكش تفصل حبايب تفاصيل حياة المرأة الفقيرة في التنظيف والوسخ، فالصبية تغسل تسعة قطع داخلية والأرض والأحذية ورجلي والدها، وإذ تحاول مكافأة نفسها بالخروج لاختلاس النظر الى إبراهيم ينهرها الوالدان. تحب نوار الدوار الذي تشعر به عندما تطيل الاستحمام «لا تفهمه لكنه خيط قصير يبدأ بعيداً، عميقاً في مكان ما ويلتف بسرعة ليتخذ شكلاً». يبدأ الخيط، أو المتعة، أحياناً عندما ترى إبراهيم لذا تتعمد ترك فردة حذاء في الخارج لكي تجلبها عندما يمر أمام البيت. الراوية مراهقة في «أم كلثوم ليلاً» لناتالي حنظل. تعيش في الغرب وترغب في سيباستيان، صديق قريب لها، لكنها تواجه صراع الحضارتين وأزمة الهوية وازدواج المعايير بين الذكور والإناث. تسمي من تعيش في بلادهم «أجانب» وتنتهي بالتوفيق بين حرية الفتاة الغربية والشرف العربي بإقامة علاقة مع قريبها جميل. علاقة عصرية أخرى في قصة اورنيا شلبي التي تتجاهل فيها المرأة خيانة صديقها مع زميلة متزوجة الى ان تتخلص من خوفها بهجره. تمتزج براءة الطفولة واستعجال الرجولة في «الرسالة» لليلى الأطرش التي يكتب فيها فتى رسائل نيابة عن جارته الجميلة الأمية ويكتشف انها تركت زوجها لتهرب مع من كان يكتب اليه. تستنكر أمه بكاء الزوج «كالمرأة» وترى قتل الشابة الحل الوحيد لاسترجاع الشرف.

 

مودي بيطار

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...