ما لا تعلمه عن صحيح مسلم

13-01-2022

ما لا تعلمه عن صحيح مسلم

د. سامح عسكر:

ما لا تعلمه عن صحيح مسلم
أن صاحبه وهو الإمام "مسلم بن الحجاج" كان أكثر تشددا من البخاري وأكثر عدوانية منه وهجوما على مخالفيه، لدرجة أنه (شتم البخاري) في مقدمة كتابه بوصف (الجاهل منتحل الحديث)
نعم كان مسلم يرى البخاري وشيخه علي بن المديني جُهلاء ومنتحلين لعلم الحديث، والسبب خلافهم في مسألة (الرواية المعنعة) أي التي جاءت بصيغة (عن) دون أخبرنا وحدثنا، فالبخاري كان يقول أن الحديث المعنعن لو لم يثبت لقاء الراويين ويكونوا أبرياء من الجرح والتدليس فهو موصول (أي سنده صحيح للرسول) لكن مسلم قال بكفاية ثقة الراوي للحكم باتصال الراوية، ولا يلزم ذلك ثبوت لقاء الرواه ببعضهم..ومن أجل ذلك شتم مسلم البخاري..لكن بالإشارة دون التصريح..
شئ آخر: لم يكن كل المحدثين يجمعون على أفضلية البخاري، إنما كبار المحدثين الأوائل ومنهم الأئمة "أبو زرعة الرازي وأبو حاتم الرازي وابن يحيى الذهلي وأبو علي النيسابوري..وغيرهم" يقدمون صحيح مسلم على البخاري، والأخير كان يقول "ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج في الحديث"..(صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح صـ 61، 69)
وهي نفس العبارة التي قالها ابن خزيمة في تقوية البخاري " ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد ابن إسماعيل البخاري"
والمستفاد من ذلك أن قصة تقديم الصحيحين والتفاضل بينهما عمل بشري بامتياز..وخلاف فقهي بين شيوخ المسلمين كان ولا يزال إلى اليوم، ولم يحصل الإجماع عليهما أبدا..وتقديسهما والتخويف من نقد أحاديثهما حصل في عصور متأخرة كما شرحنا في السابق بداية من العصر المملوكي وبدء عصر ما يسمى (شروح الحديث) الذي صار فيه الصحيحين مقدسين، نزولا لما فعله ابن بطال مع البخاري وابن عبدالبر مع موطأ مالك في العصر العباسي..إنما الفكر الإسلامي لم يهتم عموما بشروح الحديث ويكثر فيها سوى العصر المملوكي ونهاية حضارة المسلمين رسميا..
أي أن نهاية حضارة المسلمين كانت لها علامات أبرزها بدء تقديس كتب الروايات والصحاح، وتقديم البخاري ومسلم على الجميع، ثم البخاري كرمز مخالفين في ذلك لمواقف أئمة الحديث في القرن 3هـ الذين كانوا في معظمهم ينقدون البخاري ويرونه ضعيفا، حتى أن الإمام الذهبي في كتابه "الضعفاء والمتروكين" وضع البخاري من ضعفاء الحديث، والسبب أنه عندما بحث في تراجم الرجال وجد مواقف شيوخه القدامى (أبو زرعة وأبو حاتم المشهوران بالرازيان – إضافة لمحمد بن يحيى الذهلي) ضد البخاري فكان أمينا وشجاعا في تدوين ذلك..وهو ما أغضب عليه بعض الفقهاء كالإمام المناوي الذي استنكر على الذهبي ذلك في كتابه فيض القدير..
السر في رفض هؤلاء للبخاري وتقديم مسلم عليه أمرين اثنين:
الأول: أن البخاري كان يقول (بأن لفظ القرآن مخلوق) والإمام الذهلي قال أن ذلك بدعة، يعني البخاري عند الذهلي والرازيان كان مبتدعا ليس من أهل السنة والجماعة..بل الإمام أحمد بن حنبل كان يصف من يقول بذلك أنه (جهمي ) وبالتالي فالبخاري كان عند ابن حنبل جهمي أيضا..!
الثاني: روي أيضا عن البخاري قوله (أن الإيمان مخلوق) وهذا قول كُفري عند بعض مذاهب المسلمين خصوصا الحنفية، ويقال أن طرد البخاري من مسقط رأسه بخارى هو قوله بخلق الإيمان، ورواية أخرى ذكرناها سابقا وهي (تحريم النكاح بلبن الماعز)
باختصار: موضوع علم الحديث بشري بامتياز وقائم على فكرة (نسبية) وهي آراء الناس في بعضهم، وكما رأينا فأئمة الحديث غير متفقين على أفضلية أحد منهم على الآخر..فهم ما بين مُبدع ومُكفر ومُفسّق لأي من يعارضهم، وقد ورث السلفيون ومعظم الشيوخ هذه الآفة منهم بتكفير وتبديع من يخالفهم الرأي، علما بأن الحسد والحقد والكراهية صفة بشرية عانى منها فقهاء السلف السابقين ، لكن ما يعطي القوة لأحدهم هو (السلطة) التي تأتي بقرارات وفرمانات تفرض رأي الخليفة ليصبح دينا..ثم يأتي البلهاء في زمن متأخر ليقلدوهم دون وعي..

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...