شبكات الإجرام في كتاب «تجارة غير مشروعة»

29-08-2006

شبكات الإجرام في كتاب «تجارة غير مشروعة»

يطرح كتاب «تجارة غير مشروعة - كيف يسيطر المهربون، والتجار غير الشرعيين، والمقلدون على الاقتصاد العالمي» (تأليف وإصدار «معهد دراسات السلام» في مكتبة الإسكندرية) قضية الشرعية، وبالأحرى انعدامها، كبعد أساسي في التبادل التجاري ضمن أسواق العولمة. ويقدم فيه المؤلف موسى نعيم رؤيته عن هذه القضية المعقدة والمتشابكة الأبعاد في ثلاثة عشر فصلاً.

يستهل نعيم رؤيته بتعريف التجارة غير المشروعة بأنها تلك التي تتجاوز القوانين والنظم والتراخيص والضرائب وإجراءات تنظيم التجارة وحماية المستهلك وزيادة الأرباح والمبادئ والمواثيق الأخلاقية. وتشمل عمليات الشراء والبيع المحظورة عالمياً، إضافة إلى العمليات التي تحرمها بعض البلدان بينما تبيحها أخرى.

ويشير إلى وجود مساحة رمادية واسعة بين الأعمال الشرعية وغير الشرعية، يستغلها رجال الأعمال المحظورة لمصلحتهم. ويعزو الكاتب تزايد شبكات الجريمة العالمية إلى حركة العولمة وديناميكيتها، وهو ما سماه «نيرفانا المهربين»، وما يرتبط بها من تراجع دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وانهيار الحدود الاقتصادية. فالعالم المتصل فتح آفاقاً جديدة براقة للتجارة غير المشروعة. وما يكتسبه هؤلاء التجار غير الشرعيين وشركاؤهم لا يقتصر على المال فحسب وإنما يمتد أيضاً الى السلطة والقوة السياسية، ما يخلخل بعمق الحياة السياسية والاقتصادية في كثير من الدول. ويستطرد بالقول أن نمو الشبكات التجارية غير الشرعية أدى إلى نمو ظاهرة الإرهاب، وتهديد الأمن في العالم، مشيراً إلى دور التجارة غير الشرعية والتحويلات المالية وعمليات غسيل الاموال في تمويل العمليات الإرهابية.

ثم يتناول المؤلف في ستة فصول متتالية مجالات مختلفة للتجارة غير المشروعة، مفرداً فصلاً لكل منها، وهي الأسلحة والمخدرات وتجارة البشر والأفكار المسروقة وغسيل الأموال، إضافة الى ما يُسمى بـ «المجالات الثانوية» والتي تشمل الإتجار بالأعضاء البشرية والأنواع المُهدّدة بالانقراض والنفايات وغيرها.

يصف المؤلف تجارة الاسلحة بالعمل المرتكز على دوافع اقتصادية ربحية أكثر من الدوافع السياسية. ويشير إلى أن كلا الشقين التقني والتجاري يمكنهما الإسهام في تفسير هذه الظاهرة. حيث أصبح من الأسهل نسبياً إنشاء المصانع في المناطق التي تنخفض فيها أسعار العمالة والتي يمكن نقل المعرفة اللازمة إليها، بفضل التغيّر في تقنيات صناعة الأسلحة الصغيرة في العقود الأخيرة. وكثيراً ما تقوم المنظمات الثورية والإجرامية بصنع جزء من أسلحتها على الأقل. ثم يتطرق المؤلف إلى عدد من شبكات تجارة الأسلحة في العالم، وخصوصاً تجارة الأسلحة النووية، والتي تمارس بعضاً منها شخصيات معروفة مثل عالم الفيزياء النووية الباكستاني عبدالقادر خان «صاحب القنبلة الذرية الإسلامية»، إضافة إلى الروسيين ليونيد مينين وفيكتور بوت وغيرهما. وفي العادة، يشترك الموظفون الحكوميون، والأحزاب العسكرية، والجماعات الثورية، والمؤسسات القانونية، والمنظمات الإجرامية، بطرق متشابكة، في تجارة الأسلحة.

ويشير في هذا الإطار إلى مفهوم «المجتمع المدني المسلح»، حيث يؤدي التسرب المستمر للأسلحة المخفوضة التكلفة، من خلال سلسلة الإمداد العالمية الاستثمارية المرنة، إلى الحد من قدرة الدول على التحكم والسيطرة، وبالتالي يُفقد الدولة مكوّناً أساسياً فيها يتمثل في احتكارها للعنف في المجمتع.

ويُعَرّج المؤلف على التجارة العالمية بالأفكار المسروقة، ما يجعله على تماس مباشر مع مُعضلة الملكية الفكرية التي تعتبر من الموضوعات الاساسية للنقاش في صناعة المعلوماتية ومجتمعاتها. ويرى ان قوانين الملكية الفكرية تشير إلى حق الاستخدام أو الانتفاع من كل ما يمكن اعتباره فكرة أصلية. وهناك ثلاث أدوات مستخدمة لتحديد الملكية الفكرية، هي العلامات التجارية trademarks، وبراءات الاختراع patents، وحقوق النشر والتأليف copyrights. وتتفاوت القوانين والممارسات المتعلقة بكل منها من بلد إلى آخر، وينطبق التفاوت أيضاً على طرق تطبيق قوانين الملكية الفكرية.

ويشير المؤلف إلى أن تدفق هذه السلع المزيفة إلى السوق إنما يُعبر عن استجابة السوق لقوة أعظم، ألا وهي رغبة المستهلك الشديدة في الحصول على المنتجات المعروفة التي تحمل علامات مميزة. ويؤكد أن الكثيرين، بخاصة في الدول النامية، لا يبدون استياء أو انزعاجاً من انتشار المنتجات المقلدة، حتى وإن كانت لا تعمل بالكفاءة نفسها. ويرجع ذلك إلى حد ما إلى أن خياراتهم محدودة. ويشير المؤلف إلى أن شبكات التقليد والتزييف تمتد عبر دول عدة، وتشمل منتجات عدّة، كما تتسم باللامركزية، وتتداخل مع أشكال أُخرى من التجارة غير المشروعة، والجريمة المنظمة، والشبكات الإرهابية. ويعتبر ان الحرب المتعلقة بالملكية الفكرية أصبحت صراعاً اقتصادياً عالمياً. وفي كل الأحوال، فإن القوانين المحلية تلعب دوراً محدوداً في مواجهة هذه التجارة التي تقفز عبر الحدود بكل بساطة.

ويدرس المؤلف مسائل من نوع حركة الأموال السريعة وغسيل الأموال، وتمويل الجهات الإرهابية، والتهرب من الضرائب، وانتشار عمليات الاحتيال تقوم في إطار الاستثمار الأجنبي المباشر، والاستثمار في المحافظ الورقية، والتحويلات المالية التي يقوم بها المهاجرون، والتعاملات التي تتم باستخدام بطاقات الائتمان، والتجارة الإلكترونية، وغيرها.

ويتطرق الى التجارة غير المشروعة في ما يُشار اليه بمصطلح «المجالات الثانوية»، التي تشمل أشياء مثل الأعضاء البشرية، والأنواع الحيّة المُهَدَّدَة بالاقراض، والنفايات (بما فيها النفايات النووية)، والأعمال الفنية المسروقة وغيرها. وفي رأي المؤلف، فإن هناك ارتباطاً كبيراً بين التفاوتات الاقتصادية التي يشهدها العالم وانتشار تلك الأنواع من التجارة غير المشروعة. فمثلاً، أن حاجة الدول الغنية الى عمليات الزرع هي الدافع وراء التجارة الاعضاء الدولية. كما أن الأثاث، والملابس والاكسسوارات المترفة هي المحرك لتجارة الفصائل المهددة بالانقراض. في حين أن البائعين المثاليين للأعمال الفنية المسروقة والآثار المنهوبة، هم أثرياء العالم. وبالاختصار، فان التجارة غير المشروعة تجد جذرها في التفاوتات العميقة، في الاقتصاد والسياسة والمجمتع، التي تزيدها العولمة حدّة وتنشرها باستمرار.

ينهي المؤلف كتابه بعرض رؤيته عن مستقبل العالم في ظل مخاطر التجارة غير المشروعة وعصر العولمة، وزمن ما بعد الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001. ويرى أن السياسة الدولية تغيرت بفعل التجارة غير المشروعة الكاسحة، ما أدى إلى خلق شكل جديد من الصراع العالمي.

خالد عزب

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...