رحيل آخر ملوك أفغانستان

24-07-2007

رحيل آخر ملوك أفغانستان

بعد حياة حافلة بالتقلبات والمفاجآت السياسية رحل ظاهر شاه آخر ملوك أفغانستان وربما أكثرهم إثارة للجدل خلال أكثر من قرن ونصف القرن. وجاء الإعلان عن رحيل الملك السابق عن 92 سنة، على لسان الرئيس حميد كارزاي الذي عقد مؤتمراً صحافياً للمناسبة، معلناً الحداد.

حكمت عائلة ظاهر شاه أفغانستان منذ عهد عبدالرحمن الأبدالي الذي انقض على السلطة قادماً من قندهار وبسط سيطرة قبائل البشتون من عرقية دراني على بقية أراضي البلاد التي شاءت الأقدار أن تقع بين امبراطوريتين عظيمتين في ذلك الوقت وهما: الامبراطورية الروسية في الشمال والحكم البريطاني في شبه القارة الهندية.

تولى ظاهر شاه العرش عام 1933 بعد ثورة القبائل على والده نادر شاه الذي اتهمته القبائل البشتونية بالانحلال والفساد والدعوة إلى السفور والتغريب، حين اتبع طريق مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة. وما بين تولي ظاهر شاه الحكم عام 1933 إلى خلعه من السلطة على يد ابن عمه السردار محمد داود عام 1973، تقلبت سياسة الملك يميناً ويساراً، واتهمه الكثيرون بأنه هو الذي بذر وغرس ورعى بذور ما عصف بأفغانستان خلال ما يقرب من نصف قرن من التقلبات والانقلابات العسكرية والسياسية.

وبعد توليه السلطة إثر ثورة القبائل على والده، عمل ظاهر شاه في العقدين الاولين من حكمه، على تقريب وجهاء العشائر والقبائل الأفغانية. ونعمت أفغانستان باستقرار وأمن لم تشهد مثلهما في ما بعد أو حتى في السنوات التي سبقت حكمه، غير أن أول أزمة واجهت استقرار أفغانستان في ظل حكمه، هي وقوفه مع الهند ضد عضوية باكستان في الأمم المتحدة عام 1947 ومناداته بدعم هندي وسوفياتي آنذاك لسلخ أقليمي بيشاور وبلوشستان الباكستانيين عن الدولة الجديدة وضمهما إلى أفغانستان على اساس أنهما جزء من أرض البشتون التاريخية، وهي مسألة جعلت من علاقات باكستان مع الملك الأفغاني الراحل غير مستقرة وتقوم على الشك والريبة طوال فترة حكمه التي شهدت محاولات دعم منه للجماعات الانفصالية في باكستان. وكان من آثار ذلك تبني حكومة ذو الفقار علي بوتو رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق كلاً من قلب الدين حكمتيار وبرهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود ودعمهم من أجل زعزعة استقرار أفغانستان في ذلك الوقت.

وكانت المرحلة الثانية في حياته مرحلة التوتر مع العلماء والشيوخ في أفغانستان في ظل التحول الفكري الذي طرأ على الملك الشاب في ذلك الوقت، وعقده مؤتمراً صحافياً عام 1953 وهو يحمل حجاب امرأة أفغانية في يده وألقاه تحت قدميه قائلاً: «انتهى عهد الظلام». وبدأ حملة تغريب في المجتمع، فاتحاً المجال للقوى اليسارية للعمل في أفغانستان وهو ما قاد إلى اتهامه من التيارات الدينية بأنه الذي مهّد للانقلابات الشيوعية في البلاد.

ومع التقلبات التي سادت الساحة العالمية ومع بدايات الحرب الباردة ولجوء موسكو إلى تفعيل دور الأحزاب والحركات الشيوعية والاشتراكية، بدأ الكثير من الشخصيات الأفغانية التوجه نحو الفكر الماركسي كما حدث مع كل من محمد نور تراقي وحفيظ الله أمين وأناهيتا راتب زادة وغيرهم من قيادات الحزب الشيوعي الأفغاني بجناحيه برشم وخلق.

ونجحت التيارات الشيوعية في الوصول إلى البرلمان في عهده فعملت على تقوية العلاقة مع الاتحاد السوفياتي، وتقديم السردار محمد داود ابن عم الملك ليكون رئيساً للوزراء مدعوماً من هذه التيارات، ثم ما لبث داود أن انقلب على ابن عمه بدعم من الشيوعيين الذين لم يمهلوه في الحكم إلا خمس سنوات تقريباً حتى انقضّوا عليه وقتلوه في قصره.

تعرض الملك الراحل لمحاولات اغتيال خطط لها ودبرها حكمتيار حين كان طالباً في كلية الهندسة في جامعة كابول، لكن ومع فشلها، اضطر حكمتيار إلى الهرب باتجاه باكستان. وبعد الانقلاب عليه، استقر المقام بالملك المخلوع في ضواحي العاصمة الإيطالية روما حيث مارس حياة هادئة لم يدل خلالها بتصريحات صحافية إلا بعد مرور سنتين على الغزو السوفياتي لأفغانستان حين بدأ الاميركيون والروس يبحثون عن حل مناسب يسمح للسوفيات بالخروج من أفغانستان ولا يسمح للمجاهدين بأن ينتصروا في قتالهم. وكانت شعارات أصوليي المجاهدين في ذلك الوقت حول دور ظاهر شاه: «إذا كان الملك السابق يريد العودة، فعليه أن يواجه المجاهدين وسنعمل على محاكمته بتهمة التسبب في تنامي التيار الشيوعي وما آلت إليه البلاد، وسنقاوم ظاهر شاه كما قاومنا السوفيات، ولن يفلت من إعدامنا».

ومع أن ظاهر شاه لم يمارس دوراً فاعلاً في السياسة الأفغانية منذ ذلك الوقت، إلا أن ذكر اسمه كان يثير المخاوف لدى أحزاب المجاهدين، في حين أن الأحزاب المعتدلة (مجددي وجيلاني ومحمد نبي محمدي) كانت تنادي علناً بعودة الملك.

كما بقيت باكستان في عهد ضياء الحق وحكومتي بينظير بوتو ونواز شريف ضد أي دور للملك السابق ظاهر شاه على اعتبار ماضيه المعادي لباكستان.

ولم تتح لظاهر شاه العودة الى بلاده في عهد «طالبان». وظل في المنفى الى ان عقد مؤتمر بون في ألمانيا إثر القضاء على حكم «طالبان» أواخر عام 2001 اذ عاد الملك السابق ليمارس دوراً معنوياً تشريفياً مع شيخوخته ومرضه. واستند كارزاي الى شعبية ظاهر شاه، لكنه اكتفى بإعطائه لقب «أبو الأمة» تماماً كما لقب أتاتورك بـ «أبو الأتراك». واقتصر دور الملك على افتتاح البرلمان الأفغاني المنتخب للمرة الاولى منذ أربعين عاماً، غير أن المفارقة الكبرى هي في اصطفاف من كانوا يطالبون بمحاكمته وإعدامه وراءه وترحيبهم به، مثل سياف ورباني وقادة المجاهدين السابقين الذين شاركوا في العملية السياسية بعد زوال حكم «طالبان».

جمال إسماعيل

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...