الجنائية الدولية تحيّر إسرائيل: نغضب أو نحتوي الموقف

25-06-2015

الجنائية الدولية تحيّر إسرائيل: نغضب أو نحتوي الموقف

كادت حكومة اليمين في إسرائيل تشق رأسها وهي تصارع تقرير المجلس العالمي لحقوق الإنسان بشأن جرائم حربها الأخيرة على غزة. ولا يعود القلق الإسرائيلي من التقرير لكونه سيقود إلى تقديمها للعدالة الدولية قريبا، فهي على هذا الصعيد لا تزال تثق بالظهير الأميركي المساند، لكنها تخشى من آثاره المعنوية على الرأي العام العالمي، وخصوصاً الأوروبي.
وفي سياق الإكثار من الحديــث عن خــطر نزع الشرعية عنها على الصعيد العــالمي، تجد إسرائيل أن تقرير لجنة التحقيق، يقدم قرائن تساعد في إدانة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية وزيادة عزلتها في العالم.
وتراوح رد الفعل الرسمي الإسرائيلي بين إظهار الغضب والمطالبة برد فعل صهيوني يثبت قدرة إسرائيل على تحدي الإرادة الدولية، ومحاولة احتواء الموقف عبر إبداء درجة من الحكمة تقلص هامش صدقية التقرير من دون الاصطدام جبهوياً معه. وعلى الصعيد الإعلامي ناصر معلقون الحكومة الإسرائيلية فيما ذهب آخرون إلى تحميلها المسؤولية، واكتفى البعض بالتحذير والمطالبة بالتعامل بحكمة.
وأيا يكن الحال، فإن خبراء القانون في إسرائيل ممن يحوكون لحكومتها التبريرات لأفعالها ومن بينهم البروفيسور روبي سيبال، يعتقدون أنه لن تكون للتقرير أية عواقب قانونية مباشرة وأن كل ضرره يكمن في الجانب الإعلامي حيث يسهم في تسويد صورة إسرائيل. وبحسب سيبال فإنه «ليس في التقرير توصيات قانونية أو قرائن، كما لا يمكن لأي محكمة أن تستند إليه، بل إن معدي التقرير أنفسهم أعلنوا أنهم لا ينوون إصدار توصيات قضائية».
ومع ذلك يعتقد سيبال أن التقرير سيزيد من الضغط العام على المحكمة الجنائية الدولية ويحثها على اتخاذ خطوات ضد إسرائيل.
ومن بين القلة القليلة من المعلقين الإسرائيليين الذين حاولوا الإمساك بالعصا من وسطها كان بن كسبيت في «معاريف» حين أشار إلى أن تقرير المجلس العالمي لحقوق الإنسان متوازن وهو يختلف عن تقرير غولدستون. وفي نظره شكل تقرير غولدستون الذي أعقب عدوان «الرصاص المسكوب» بين العامين 2008-2009 نصرا حاسما لحركة «حماس»، فيما التقرير الجديد يعتبر تعادلا حيث تحقق التساوي بين إسرائيل والحركة.
ولكن التعادل في نظر إسرائيل خسارة بكل معنى الكلمة إذا أخذنا بالحسبان الادعاء الإسرائيلي بالتفوق الحضاري والأخلاقي وطبيعة العالم الذي تنتمي إليه، فهي تسوق «حماس» في العالم على أنها قوة بربرية وظلامية فيما هي تحمل النور للعالم أجمع.
واعتبرت سمدار بات أدام في «إسرائيل اليوم» التقرير وثيقة خطيرة على العالم الحر «لأنه يمنح منظمات الارهاب إمكانية لاستخدام أدوات وقواعد الديموقراطية التي لا تنطبق عليها، وعرض تشبيه مباشر بين منظمات الارهاب والدولة الديموقراطية يطرح علامات استفهام حول فكر أفضل المفكرين والفلاسفة الذين صمموا قيم الأخلاق والعدالة على مدى تاريخ الانسانية».
ورأى معلق الشؤون العربية في موقع «والا»، آفي يسسخاروف، أنه تفاجأ لردود الفعل الهستيرية من جانب أعضاء حكومة نتنياهو، والتي لم تنطوِ على أي رد على محتويات التقرير، بل كررت الأقوال ذاتها التي لن تغير الرأي العام العالمي الذي يميل ضد إسرائيل.
بدوره، أشار عميت لفينتال في موقع «والا» إلى أن توقيت صدور التقرير مريح لإسرائيل لجهة قربه من انتهاء مهلة التفاوض النووي مع إيران ووصول المفاوضات إلى نقطة الغليان، معتبراً أن أوروبا وأميركا منشغلتان حتى العنق بالمفاوضات وبمشاكل الهجرة ومسألة اليونان وأزمة أوكرانيا والتقرير متلعثم وتجنب الإدانات القاطعة.
وفي نظر خبراء إسرائيليين، فإن مجرد توجيه الاتهام لـ «حماس» بارتكاب جرائم حرب، يثلم حدة الاتهامات لإسرائيل بارتكاب جرائم من هذا النوع، كما أن أميركا وأوروبا المتخوفتين من صعود الإسلام المتطرف في الشرق الأوسط ليست في موضع الذهاب للصدام مع إسرائيل بشأن التقرير.
ومع ذلك أوضح لفينتال أن حكومة إسرائيل محتارة بين أن تصطدم مع التقرير أو تعمد إلى تجاهله. وفي نظره ترجع حيرة حكومة إسرائيل إلى واقع أنها رفضت سلفا نتائج اللجنة ولم تتعاون معها، وتصرفت معها بطريقة الاستجابة الشرطية بإيحاءات نتنياهو ووزير دفاعه بأنهما سيقبران اللجنة وتوصياتها. ولكن تجاهل الأمم المتحدة ينظر إليه في العالم على أنه نوع من الغطرسة التي ستضطر إسرائيل لاحقا لدفع ثمن لها، ولذلك يطالب كثيرون إسرائيل بعدم الصدام مع التقرير ومحاولة الرد على نقاطه موضوعياً ومن منطلق الإدراك بأن الحرب الأخيرة على غزة أضرت كثيرا بصورتها الدولية.
ويرى إسرائيليون أن بالوسع الرد على محتويات تقرير الأمم المتحدة من خلال عرض المستمسكات التي لدى إسرائيل على «حماس» في غزة. وادعت «يديعوت» أن لدى الاستخبارات الإسرائيلية ألف دليل ملموس على جرائم الحرب المقصودة من جانب «حماس» والتي جمعها طاقم من ثمانية ضباط في وحدة الأبحاث.
ولكن نظرة أولية إلى بعض ما عرضه موقع الصحيفة، خصوصاً المواد الإرشادية والتدريبية التي تعتبر إسرائيل عدواً ليس فيها، ما يثبت قصد ارتكاب جرائم حرب. بل هناك بين المعلقين الإسرائيليين من رأى أن «حماس» في الحرب الأخيرة كانت أشد وعياً من إسرائيل في معرفة وجهة الرأي العام والقانون الدولي. ويدلل هؤلاء على ذلك بأخذ اللجنة بالرأي القائل إن «حماس» لم تستخدم الأنفاق الهجومية إلا ضد أهداف ومواقع عسكرية إسرائيلية.
وفي جميع الأحوال، فإن افتتاحية «هآرتس» تناولت التقرير وطالبت حكومة إسرائيل بوضع التقرير أمامها كمرآة لأن عليها أن تقلق على مكانة الجيش الإسرائيلي والدولة الإسرائيلية، وقالت إن التبريرات التي تقدمها الحكومة هزيلة وليست ما تحتاجه إسرائيل حالياً فهي «بحاجة لإصلاح عميق لفكرة الأخلاق العسكرية لديها».

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...