احتفظوا بلقب الشيوعي !!

26-09-2009

احتفظوا بلقب الشيوعي !!

لم يعد اليسار , أو الشيوعية , تثير رعب السادة كما كان الأمر منذ عقود . مضت الأيام التي كان إعلام الطغاة يصورون فيه اليسار على أنه وحش كاسر , لسبب ما تم تدجين هذا اليسار لدرجة أنه أصبح أشبه بكائن عاجز , مجرد خيال مآتة لما كان عليه منذ عقود , بل و ربما مجرد كائن مصاب بمرض شديد , لا يشكل اليسار اليوم حاملا لهموم الناس العاديين , الذين عادوا من جديد إلى بخور و تمائم رجال الدين بحثا عن عزاء و معنى مزيف لمأساتهم , اليسار اليوم مجرد تجمع نخبوي يجتر و يردد ما تعده المطابخ الفكرية للطبقات السائدة , المحلية تارة و العالمية تارة أخرى , في دعوة مباشرة و فجة للحفاظ على الوضع القائم , اليوم يوجد قادة هذا اليسار إلى جانب , غالبا في الصف الثاني , أعتى الطغاة في شرقنا و في العالم , و عندما يتحدثون عن الديمقراطية يحولونها إلى طريقة أكثر تهذيبا لممارسة القهر السياسي و الاجتماعي لغالبية البشر , أو أنهم يقفون إلى جانب الأثرياء طغاة المال و السوق السلطة المطلقة لعالم النيو ليبرالية , في هذا العالم الذي يملك فيه قسم محدود من البشرية الماء النظيف و الكهرباء و القدرة على التبرز في مراحيض موصولة بشبكة صرف صحي حقيقية أو القدرة على التواصل عبر الانترنيت و يستهلكون كل ما تنتجه مؤسسات تشكيل الرأي العام "النخبوي" التابعة للطبقات السائدة و يعيدون إنتاجه و تبادله و كأنه الحقيقة المطلقة , لا بأس ببعض الأخلاقيات تجاه الغالبية المحرومة و المهمشة من البشرية فهذا يمنح هذه النخبة شيئا من الراحة الأخلاقية تجاه واقع الانقسام الطبقي المريع و الكثير من المبررات لتمرير حقيقة هذا الانقسام و الموقع المتميز "نسبيا" للنخبة في التركيبة الطبقية لمجتمعاتنا , يستمر الكلام بحماسة عن الطبقة الوسطى , هذا الاكتشاف القديم الجديد لفترة النيو ليبرالية , الذي استبدل مفهوم الطليعة – الحزب القائد اللينيني بالنخبة القائدة النيو ليبرالي , هنا نبلغ قعر المأساة , فالعالم لن يتغير نحو شيء أشبه بالحرية الحقيقية ما لم يصبح البشر جميعا حكام أنفسهم في حالة تستعيد بدايات التمثيل المباشر الحر تماما للبشر ( في مجالس أو سوفيتيات أو أية شبكة مؤسسات قاعدية أفقية للتسيير الذاتي للجماهير ) مع أول الثورات ضد البرجوازية المعاصرة  , هنا بالتحديد نعني البشر المنتجين و المهمشين في نفس الوقت , أما ما تفعله النخب , و ما فعلته حتى اليوم , فهو استبدال منطق سلطوي بآخر , استبدال نخبة بأخرى فبأخرى في عملية بحث لا نهائية عن الحكم الرشيد و النخبة الأمثل هذا البحث الذي يشكل الحجة الأولى لاستمرار النظام الطبقي و التراتبية الهرمية إلى ما شاء الله , بينما الحقيقة أنها ذات النخبة و هي تلعب لعبة الكراسي الموسيقية و تستبدل إيديولوجيا بأخرى في تبرير و شرعنة سلطتها , إن إنتاج العالم و إعادة صياغته ليست مهمة النخبة , هذا الواقع يفرضه تاريخ طويل من التهميش و التجهيل و القمع السياسي و الفكري و العقيدي و الأخلاقي لمعظم البشر على هذه الأرض لصالح أقلية محدودة جدا من السادة والأثرياء , لكن هذا العالم لن يصبح جديرا بحياة البشر إلا إذا صنعه كل البشر , إلا إذا تم تجاوز واقع و منطق وجود النخبة نفسه , أي واقع التهميش السياسي و الفكري و الاجتماعي للغالبية العظمى من البشر , لا تكريسه بأي شكل من الأشكال , ليست القضية اليوم في استنهاض أخلاقية فارغة عند النخبة أو إقناعها بلا جدوى مشاريعها لإنتاج سلطة تلو أخرى أو منظومة استغلال تلو أخرى , و لا في المشاركة في الجدال النخبوي عن أفضل أشكال التسلط على الناس و الصفات الأمثل للطغاة , لا يشكل نقد واقع اليسار اليوم دعوة للعودة إلى الماضي أو إلى الأصول , هذا هو الفرق الفعلي بين المقاربة التي تقوم على تقديس الماضي أو الأصول و بين تلك التي تعتمد نسبية الحقيقة و دوام التغيير كقاعدة أساسية , بل و وحيدة , للوجود , ليس هذا فحسب , بل إن الواقع المزري لليسار اليوم ليس إلا نتيجة مباشرة لذلك الماضي و تلك الأصول , عندما كان طغاة اليسار العربي هم مدخل التغيير المزعوم , الذي قام به النيوليبراليون اليوم هو استبدال صدام و عبد الناصر ببوش و من بعده بأوباما أو أي شيء تنجبه دوائر السلطة المحلية أو النظام الرأسمالي العالمي بعد أن أوسعوا ذلك المثال الساقط ذما و نقدا بانتظار سقوط المثال الجديد و اختراع مثال آخر , هذا هو التغيير المثير للاشمئزاز الذي يقابله الناس بالتجاهل و الاستهزاء الصامت إلا بالقدر المفروض عليهم من واقع بؤسهم اليومي و سيطرة الميليشيات و المؤسسات الطائفية الميليشيوية على حياتهم , أما بالنسبة لليسار القائم و قادته بين من يجالس قدامى الطغاة و محدثيهم , بين من يجالس زعماء الطوائف و أرباب رأس المال و بين من يهتف بحماسة للنظام النيو ليبرالي أو من يهتف بذات الحماسة لأنظمة الاستبداد , يستحق هذا اليسار لقب شيوعي , ذلك اللقب الذي يندمج تدريجيا و بشكل نهائي و غير عكوس مع صورة الانتهازي أو البرجوازي الصغير المذعور بعدما انقرض آخر الشيوعيين المستعدين للموت في سبيل القضية ( التي لم تعد موجودة اليوم أصلا بعيدا عن دور هامشي في الصراع ضد الأصوليين ) , و استبدل بمن يبحث عن مكان ما يعتاش منه , عن وظيفة في المؤسسات السائدة , فاليسار الذي يمكنه أن يغير العالم , أن يثير رعب السادة و الطغاة من جديد , أن يثير رعب الحراس , ينتظر أن يولد من رحم الناس و حركة صعودهم من جديد في وجه مضطهديهم....

مازن كم الماز

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...