«رسالة من شبح».. جريمة داخل جريمة

24-12-2013

«رسالة من شبح».. جريمة داخل جريمة

«قصّة بوليسية محكمة البناء». قد يكون هذا التعبير أفضل اختزال لرواية «لا تُخبر أحداً» للأميركي هارلان كوبن (مواليد نيوجيرسي، 4 كانون الأول 1962)، الصادرة بلغتها الأصلية في العام 2001، أي قبل اثني عشر عاماً على صدور ترجمتها العربية بتوقيع أدونيس سالم (نوفل دمغة الناشر هاشيت أنطوان، 2013) بعنوان «رسالة من شبح». فالرواية ـ التي اقتبسها المخرج الفرنسي غييوم كاني في العام 2006، محوّلاً إياها إلى فيلم بوليسي تشويقي عادي بالعنوان الإنكليزي نفسه، فاز بأربع جوائز «سيزار» الفرنسية في دورة العام 2007، أبرزها في فئة أفضل مخرج ـ لا تحيد عن المنحى الدرامي البوليسي، المُشبع بتفاصيل تضيف تشويقاً من هنا، وترفع نسبة الاحتمالات والتوقّعات من هناك، محتفظة بخطّ واحد يضع الحبّ والرومانسية في مقابل فعل القتل الهادف إلى تغييب حقائق. وإذا امتلكت الرواية نفسها، المنقولة إلى اللغة العربية بأسلوب متماسك وسلس وأمين للنصّ الأصليّ، أدوات الإثارة المتنوّعة (جريمة قتل لا يُكشف عن مرتكبها إلاّ في نهاية السرد. غموض الفعل نفسه الذي غلّف القتل والمقتول معاً. ظهور خفر لملامح ما جرى، ما يزيد من حدّة الغموض أحياناً. إلخ.)، فإن الفيلم (تمثيل: فرنسوا كلوزي وكريستين سكوت توماس وناتالي باي وغيرهم) لم يرقَ إلى المستوى التشويقي الذي أتقن هارلان كوبن ابتكار مفرداته وعوالمه ومناخه العام.
بعيداً عن العلاقة المعقّدة بين النصّ الروائي والفيلم السينمائي، تأتي الترجمة العربية للرواية الأميركية بشيء من متعة القراءة، والتوغّل في ثنايا المخفيّ، والذهاب إلى أقصى حدّ ممكن من تفكيك العلاقات والتفاصيل المبطّنة. فـ«رسالة من شبح»، المرتكزة أساساً على قول موجَّه إلى مستلم هذه الرسالة ومفاده «لا تُخبر أحداً»، تفتتح مساراً جديداً في حياة الطبيب ديفيد بِكْ، الذي أمضى الأعوام الثمانية السابقة في حِداد يومي على مقتل زوجته وحبيبته إليزابيث. التحقيقات الأولى لم تكشف شيئاً. الجريمة محكمة الصُنعة. الفاعلون مختفون. لكن، هناك شيءٌ ما «يتوجّب» عليه الظهور، صدفة أو قصداً، كي يغرق الجميع، مُجدَّداً، في هذا اللغز العالق في الحدّ الواهي والفاصل بين جُرم يُخفي جرائم، وجهل يحمي صاحبه من كل شُبهة، وأسرار منفكّة عن مضامين تُعرّي وتفضح.
إليزابيث مقتولة. ديفيد مغمي عليه. لا أحد يعرف حقيقة ما جرى. لكن، بعد ثمانية أعوام حاول ديفيد خلالها أن يُكمل حياته ضمن حدّ أدنى من لامبالاة وحزن هادئ وعزلة شبه كاملة، بدا أن الماضي لا يزال حيّاً في راهن معقود على لحظة انكشاف حقائق تلك الليلة الغامضة: جثتان متحلّلتان تظهران أثناء حفريات معيّنة، كانتا كافيتين لإعادة فتح ملف لم يُغلَق تماماً. رسالة مُقلقة للغاية يليها مقطع مُصوّر من شريط فيديو، يصلان إلى ديفيد عبر بريده الإلكتروني تجعلانه متوتراً ومصدوماً وعاجزاً عن استيعاب مضمونهما، خصوصاً أن رموزاً لا يعرفها أحدٌ آخر باستثنائه هو وحبيبته المقتولة «تُزيّن» الرسائل التالية أيضاً: هل هذه إليزابيث؟ هل لا تزال حيّة تُرزق؟ ما الذي يحدث؟ أهي صدفة بحتة (التزامن بين العثور على الجثتين ووصول الرسالة والمقطع الفيديوي)، أم خطّة محكمة البناء؟ لماذا اختيرت إليزابيث لتُقتل؟ هل أُنقِذَت من الموت؟ من كان يعلم بالحقيقة؟ ما هو المخفيّ في الحكاية كلّها؟
بفضل أسلوب هارلان كوبن في «توتير» المضمون الدرامي للحكاية، كما في ضخّ كَمّ لا بأس به من الصُور المُشوّقة، المكتوبة بلغة تثير حماسة المتابعة، تنجلي ـ شيئاً فشيئاً ـ حقائق عديدة تُسقط أقنعة احتمى أثرياء خلفها كي يستروا فسادهم وعفنهم وأمراضهم وانهياراتهم. فالشقّ البوليسيّ غطاءٌ لفضح عالم أثرياء لا يأبهون بشيء ولا يُبالون بأحد، لأن لا مصلحة تعلو فوق مصالحهم. والسمة الرومانسية جزءٌ من وحدة ديفيد وعزلته، كما من اندفاعه إلى فهم الحقائق.

نديم جرجوره

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...