في رمضان جورج ومحمد يأكلان الرز المخبوص

11-10-2006

في رمضان جورج ومحمد يأكلان الرز المخبوص

الجمل-حلب-باسل ديوب:  اعتاد "محمد" أن يترك نسخة من مفتاح بيته مع صديق "جورج" الذي بدوره يترك نسخة من مفتاح بيته هو الآخر مع صديقه "محمد" ،  فالسكن المشترك الذي جمعهما ذات يوم كرس صداقة عز نظيرها بين شابين ، وهما شابان أعزبان يشقان طريقهما في الحياة بعناد وإصرار  ويبذلان مجهوداً كبيراً في تحصيل المال وكلاهما خريج ويعمل بدوامين .
لم يتوقع "محمد" أن يعود إلى المنزل قبيل الإفطار في عصر يوم السبت  ليرى " جورج " على شرفة المنزل   منتظراً ، لكن هذا لم يثر فضوله فالمشهد عادي ويتكرر كل أسبوع أو أسبوعين مرة واحدة على الأقل ، لكنه تعجب ، كون صديقه يناوب في رمضان أثناء الإفطار ، لكنه ما إن  أدار المفتاح في قفل باب الشقة وفتحه حتى صدمته رائحة "المطبق" بثوم زيادة ،  المتداخلة مع الرائحة "القاتلة"  لرز الكبسة ، توقع أن والدته قدمت من حمص خفق قلبه فوراً ، لكن للأسف  ، فعند دخوله إلى البيت  تفاجأ بوجود " ريم " و " بتول "  صديقتاهما، لكنها مفاجأة كانت سارة للغاية ، فقد أراد "جورج"  أن يبيض وجهه هذه المرة مع "محمد " وهو المشهور بالمقالب التي يطعمها له .
 " منورة والله ، مو معقول وجوهكم ولا ريحة المطبخ " هذا ما رد به " محمد " على هذه الحركة اللطيفة من أصدقائه ، لكن ذلك لم يشفع له من تلقي التقريع و " الأنكلة "  من الفتاتين بسبب الكركبة في المنزل ، وبسبب الصحون  المتراكمة دون جلي  منذ يومين تقول ريم باستخفاف ساخر " من هذه المجنونة  التي ستقبل بك زوجاً ، وأنت بهذه الفوضى والإهمال والكسل المنزلي "
وما أن يؤيدهما و ينضم  إليهما جورج  بسخريته حتى تلتفتا إليه وتطلبا منه الصمت فهو آخر من يحق له الكلام
 " هيديك المرة خمخم البراد عندك  "
بعد تبادل آخر الأخبار همَّ الجميع بوضع الطعام ويسرعون إلى المطبخ أو بابه بشكل أدق ، وعليكم ألا تدققوا بكلمة  مطبخ،  فالمطبخ في هذا البيت الذي تبلغ مساحته كله 35 متراً مربعاً، يتسع لرجل واحد على أن لا يتجاوز وزنه 90 كيلو غرام ، بينما يتسع لفتاة رشيقة القوام بحيث تمد يدها إلى أكثر من شيء بكل راحة ودون أن تصطدم مكرهة بشيء،الأيدي تتناقل الصحون فيما يطالب  جورج صديقه بتأجيل إفطاره لما بعد سماع  ضربة المدفع بأربعة دقائق إثباتاً  لمحبته لأهله  في حمص ، لا يمتثل طبعاً لذلك الابتزاز اللطيف   ويتناول كأساً من السوس (ع الطاير) ، ويقول " الاحترام ليس بهذا " منذ أول يوم في رمضان  أتصل بهم مرتين يومياً ، ثم تضحك ريم وتمد يدها إلى صحن التمر ضاحكة ، هو من بدأ أنا كنت سأنتظر هذه الدقائق سامحونا ،
يبالغ  "محمد " في الإطناب بلذة الطعام وجودته ، لكن في الحقيقة أن الرز كان «مخبوصاً»، لكن الفتاتين تعترفان بأن ما قدمتاه لا يرقى إلى  ما يقوله  "محمد "
جورج يعمل 15 ساعة يومياً هو ملتزم بعدة جمعيات أصدقاء مبالغها تتراوح بين الألفين والخمسة آلاف ، وبقرض للمصرف العقاري 9400 ليرة ، بينما يعمل محمد موظفاً وبعد الظهر يتنقل من عمل إلى آخر وقد استقر أخيراً  على العمل  محاسباً في محل تجار ي ،
  في رمضان يقول محمد " أحس  بعدم الراحة و أنا بعيد عن أهلي، لأني اخترت حلب  لبناء مستقبلي ، مغيب الشمس هذا العام بعد الخامسة  خفف كثيراً من معاناتي في رمضان ، الازدحام يشكل عقدة لي ، فبدلاً من أن يكون رمضان المبارك  شهر للسكينة وراحة الأنفس والأجساد  والعبادة الخالصة لوجه الله ، نرى ، العصبية والرعونة ، وميل كبير للاستهلاك يرافقه غلاء كبير في الأسعار ،    "
لكن جورج يعترض على ذلك فهو قد أحضر لوازم الإفطار من سوق الجابرية القريب من بيت " محمد " وقد دهش لحالة الأسعار فيه ، نعم اشتريت البارحة في  السليمانية كيلو البندورة ب 15 كل شيء أرخص في هذا السوق ، أنا لولا طبيعة عملي واعتمادي على الوجبات السريعة لما اشتريت إلا منه ، ويعدد ما اشترى "  بندورة باذنجان فليفلة  ، رز ، ماجي ،  تمر ، سوس  معروك ، تمر هندي  أفخاذ دجاج  ، تفاح و عنب  " هو سوق متكامل كل ما تطلبه تجده وبسعر جيد ، وربما في غير رمضان تكون الأسعار أقل أيضاً   ، تخيلوا أن  4 كغ باذنجان مشوي لزوم المتبل ب50 ليرة بينما كيلو الباذنجان الطازج بـ 15 ، لقد أذهلي هذا السوق  " 
لكن رغم ذلك فقد تجاوزت  مشترياته الستمائة  ليرة ، من  أجل وجبة واحدة لأربعة أشخاص ،
بعد الإفطار تبدأ اتصالات الجميع بأهاليهم في المحافظات الأخرى، تتبرم  ريم من دعوة أمها لها  لقضاء العطلة القادمة في البيت بدلاً من المدينة الجامعية " في البيت تزداد أعباؤنا في رمضان ولا مجال للدراسة وفرعي هو فرع علمي والمحاضرات سيئة جداً في رمضان، وعلينا  التعويض  بأنفسنا "
 فيما لا تتردد بتول في أن تعد شقيقها القادم من الإمارات وزوجته  بأن هذه أول و آخر عطلة في رمضان لا تعود فيها إلى البيت .
يتسامر الأصدقاء ساعة إضافية وتحضر كل همومهم في الدراسة والعمل ، مناوبات جورج زادت في المشفى هذا الشهر لتمكين زملائه من الإفطار في بيوتهم ، فيما تجد صديقتاه الطالبتان مجالاً أوسع للدراسة في رمضان فبتول  تعتبر أن   ( المحاضرات " دايت "  في رمضان لا تسمن ولا تعطي طاقة ، والمدينة الجامعية هادئة جداً فقسم كبر من الطلاب والطالبات  يفضلون  قضاء رمضان مع أسرهم ، والقسم الباقي يضحي بنومه ، وهذا ما يجعل الدراسة ممكنة أكثر لمن يبقى "
يطلب محمد من أصدقائه الاستعداد للخروج بينما يهم  بلبس ثيابه  ، ففرصة الإفطار انتهت و موعد ذهابه للعمل قد حان ، يشكرهم بعبارات  فيها خالص المودة لما قاموا به ، ويعد صديقتيه بزيارة قريبة في العيد . 

الجمل

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...