غزة في التاريخ المسيحي

02-02-2009

غزة في التاريخ المسيحي

غزة، وبالعبرية عزة، أي العزيزة او الحصينة، مدينة تقع على مسافة 80 كيلومترا جنوب غربي مدينة يافا، في منتصف الطريق بين يافا والعريش. وبها يمر الطريق الساحلي الرئيس الممتد من شمالي فلسطين الى جنوبها، والذي يصل لبنان بمصر. وهذا الطريق الساحلي لا بد أن يكون قديما، وجد من الازمنة الغابرة، وعليه عبر الفاتحون، من بلاد ما بين النهرين وسوريا ومصر واليونان والرومان والفرس، حتى الاتراك والمماليك، ومن بعدهم الفرنسيون والانكليز. ولذلك كان لغزة أهميتها الاستراتيجية التي جعلت الفاتحين يهتمون بالاستيلاء عليها. كونها آخر مدينة قبل الوصول الى صحراء سيناء، وآخر محطة لمن يريد فتح مصر، وأول محطة لمن يريد فتح فلسطين.
ولعل غزة واحدة من أقدم عشر مدن في العالم. فقد سكنها الكنعانيون في بادىء الامر، وربما كانوا من بناتها (تكوين 19:10). وقد ورد ذكرها في رسائل تل العمارنة في القرن الرابع عشر قبل المسيح. ولما جاء اليهود الى فلسطين من مصر، منحت غزة لسبط يهوذا (يشوع 22:11)، ثم استردها الفلسطينيون (قضاة 4:6)، لكن المدينة خضعت في ما بعد لاحتلالات عدة. وكان الاسكندر المقدوني أقسى من عامل غزة وسكانها. فقد نكّل بهم، لأنهم رفضوا الاستسلام الا بعد حصار طويل، وهدم أسوارها. ولكون غزة مدينة تجارية عامرة فقد تم انشاء ميناء بحري في ضاحيتها الساحلية المدعوة "ميوما" والتي اندثرت اليوم.
في زمن العهد الجديد يذكر التقليد المحلي ان يوسف ومريم والصبي يسوع قد مروا بغزة في هروبهم الى مصر من وجه هيرودس الملك، او في عودتهم منها الى فلسطين. وجاء ذكر غزة في أعمال الرسل، اذ التقى فيلبس الشماس في "الطريق المنحدرة من اورشليم الى غزة، وهي مقفرة"، رجلا حبشيا كان وزير كنداكة ملكة الحبشة، ووكيل جميع خزائنها، فبشره بالمسيح وعمّده بالماء (أعمال 26:8 – 39). ويذكر التقليد المحلي ايضا ان أول اسقف لغزة كان فليمون الذي وجه اليه القديس بولس رسالته الشهيرة. وفي سنة 310 استشهد اسقف لغزة اسمه سلوانس (عيده في 14 تشرين الاول).
وفي المجمع المسكوني الاول سنة 325 كان حاضرا اسكلبياس أسقف غزة.
ويبدو أن أهل غزة قد ترددوا في قبول الدعوة المسيحية لأن مدينتهم كانت مركزا هاما للوثنية في فلسطين، بينما قبل أهل ميّوما اعتناق المسيحية بسهولة أكبر. وفي عهد الامبراطور يوليانس الجاحد استشهد القديسون افسابيوس ونستاب وزينون (عيدهم في 21 ايلول) الاخوة الثلاثة الذين بنيت على عظامهم كنيسة في خارج المدينة، كما ذكر إفسايوس القيصري في كتابه "شهداء فلسطين".
لكن الوثنية ما لبثت ان زالت عن غزة وضواحيها في مطلع القرن الخامس بفضل رعاية اسقفها القديس برفيريوس (عيده في 26 شباط) المتوفى عام 420. وقد هدم القديس برفيريوس الهياكل الوثنية وشيد في مكان هيكل مرناس كنيسة كبيرة يحتل مكانها اليوم مسجد كبير.
في أواخر القرن السادس الميلادي زار غزة أحد الحجاج الايطاليين اسمه انطونيوس، فقال عنها انها "مدينة بديعة، فيها خمس كنائس جميلة، وأهلها مشهورون بحسن استقبالهم الغرباء". وكان يوجد في غزة آنذاك مدرسة لاهوتية مرموقة، اشتهر بين رجالها، اسقفها مرقيانوس (+536) وعمه بروكوبيوس الغزّي (+528) المؤرخ اليوناني الشهير وجامع تفسيرات الآباء القديسين للأسفار المقدسة. أما الصورة الاكثر اشراقا للمسيحية في غزة عصر ذاك فهو القديس دوروثاوس الناسك الكبير (عيده في 13 آب).
عندما فتح عمرو بن العاص غزة عام 634 اعطى سكانها الأمان ما عدا الحامية العسكرية البيزنطية المؤلفة من ستين رجلا، فقد خيّرهم بين اعتناق الاسلام والسيف. واذ رفضوا انكار ايمانهم أمر عمرو بن العاص بضرب أعناقهم. وبعد ذلك لا نعرف سوى النزر القليل عن تاريخ الكنيسة في تلك البقعة. فالعلامة لوكيان (Le Qieun) في مؤلفه الشهير عن "الشرق المسيحي"، اذ يورد لائحة أساقفة غزة ينتقل مباشرة من اسم أورليانس (حوالى عام 540) الى ذكر أسقف آخر لغزة عاش عام 1146، ثم الى أساقفة القرن السادس عشر (سنة 1569). وفي زمن الاسقف الشاعر سليمان الغزي (القرن الحادي عشر) كانت الكنيسة "قليلة العدد" كما جاء في دعاء له.
وقد تضاءل عدد المسيحيين في غزة يوما بعد يوم، وثقلت عليهم الجزية في عهد بني عثمان حتى أوشكوا أن يجحدوا ايمانهم. ولا تزال آثار المسيحية قائمة الى اليوم في مدينة غزة. وأبرز آثارها الدينية كنيسة القديس برفيريوس. وكان في المدينة قبل الحرب العالمية الاولى نحو ألف مسيحي من الروم الارثوذكس ومائة كاثوليكي وخمسين من البروتستانت، ونحو مائة وخمسين يهوديا الى جانب أربعين الفا من المسلمين السنة. ولم يزل الى اليوم يوجد أقلية مسيحية في قطاع غزة، كان الله في عونهم وعون مواطنيهم المسلمين من الحرب الهمجية الدائرة هناك، الى أن يرث الله الارض ومن عليها.

المصدر: النهار     

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...